الصحافة

لبنان عند مفترق طرق... هل يستعيد مكانته كوجهة سياحيّة عالميّة؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ربى أبو فاضل - الديار
يعد لبنان من أجمل بلاد العالم التي تستحق الزيارة، فهو يقع في شرق البحر المتوسط ويحظى بطبيعة خلابة متنوعة، حيث يتميز بقرب جباله من سواحله، لدرجة أنك تستطيع في يوم واحد خلال أحد أشهر السنة أن تمارس السباحة، لتنتقل بعدها إلى أعلى القمم لتستمتع بالتزلج، ناهيك عن الآثارات الفينيقية والرومانية والآثارات الدينية من الأديرة الأثرية والجوامع، إضافة إلى المطبخ اللبناني الغني والمتنوع بأطباق شهية يستسيغها السائح.

القطاع السياحي في لبنان يعد من القطاعات المهمة في البلاد، حيث يساهم بشكل كبير في اقتصاد البلاد، ويوفر فرص عمل للعديد من الأشخاص، ويعد كرافد أساسي لاستقطاب الأموال والاستثمارات، وكان يوفر نحو 25% من الناتج المحلي، ويعتبر مصدراً أساسياً للعملة الصعبة ما دعم الاقتصاد بطريقة مباشرة وغير مباشرة.


نجح لبنان في ترسيخ مكانته كوجهة سياحية عالمية مفضلة لدى السياح العرب والأجانب، لكن مع كثرة الأزمات وخصوصا عام 2019 بداية الأزمة الاقتصادية، وما تلاها من أزمات متعددة طالت البلاد من كل حدب وصوب، أدت إلى تراجع كبير في أعداد السياح وانخفاض في الإيرادات، وأغلقت مئات المؤسسات السياحية، ومن بقي من أصحابها كافح من أجل البقاء، ورفع أسعاره تماهيا مع سعر صرف الدولار بالسوق السوداء، مما أدى إلى دخول قطاع السياحة، كما كل القطاعات في البلاد، دوامة الركود.

يذكر أن القطاع السياحي سجل بين عامي 2009 و2011، إيرادات بلغت 9.7 مليارات دولار، وعام 2022 بلغ نحو 6 مليارات دولار، لكنه تراجع بصورة كبيرة في العام 2024 ليصل إلى نحو 2 مليار دولار فقط، ما يعكس خسائر كبيرة في هذا القطاع. وكان عدد المؤسسات السياحية قبل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت في لبنان عام 2019، يبلغ نحو 8500 مؤسسة، لينخفض العدد إلى 4600 مؤسسة عام 2024، حيث أقفل نحو 4 آلاف مؤسسة في مختلف المناطق، فيما سجل افتتاح 300 مؤسسة جديدة في صيف عام 2024، رغم كل الصعوبات والأوضاع الصعبة في لبنان.


يزدهر القطاع السياحي في لبنان خلال فصل الصيف مع إقبال المغتربين، ما ينعكس نموا في القطاعات الأخرى، لكن بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، أدت إلى تراجع حاد في أعداد السياح، حيث بلغ إجمالي عددهم بحسب بيانات وزارة السياحة، التي أظهرت انخفاضاً ملحوظاً في أعداد السياح الوافدين إلى لبنان، خلال الأشهر الأولى من العام 2024 نحو 1,057,396 سائحاً، مقارنة بـ 1,566,368 سائحاً خلال الفترة نفسها من العام 2023 وهذا يعد تراجعاً بنسبة 32.5 % على أساس سنوي، وهو أدنى مستوى تم تسجيله في الأشهر الأولى من العام منذ 2021.

يشار إلى أن وزارة السياحة نشأت في الثلاثينيات من القرن العشرين ضمن وزارة الاقتصاد الوطني لخدمة السياحة اللبنانية، حيث اقتصر دورها آنذاك على الرقابة، وعام 1948 تم إنشاء الهيئة العامة للسياحة لمراقبة المهن السياحية وتشجيع السياحة اللبنانية في الخارج، وفي عام 1959، تم ضم الهيئة العامة للسياحة إلى وزارة الإعلام التي أصبحت وزارة الإعلام والتوجيه والسياحة، الا ان دورها لم يكن فعالاً مع إنشاء المجلس الوطني لإنماء السياحة عام 1962 والتي اعتبرت جمعية خاصة، حيث قامت بالترويج للسياحة في لبنان بشكل فعال، أما عام 1966 انشئت وزارة السياحة والتحقت المديرية العامة للآثار، والتي كانت تشكل جزءًا من وزارة التعليم الوطني والفنون الجميلة، بوزارة السياحة لدى انشائها، لكنها عادت والتحقت مجدداً سنة 1992 بوزارة الثقافة والتعليم العالي.


تعرض قطاع السياحة لانتكاسات كبيرة عبر السنوات الماضية، فالأزمة الاقتصادية والمالية أثرت بشكل واضح على الحركة السياحية، لكن التفاؤل هو العنوان الابرز اليوم مع المرحلة الجديدة التي دخلتها البلاد، بعد انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون وتشكيل حكومة "الانقاذ والإصلاح".

 مصدر من القطاع السياحي أشار إلى أن "القطاع السياحي متفائل جداً بنهضة واعدة، توقف هذا النزيف الحاصل وإعادة لبنان إلى المراتب الأولى على خريطة السياحة العالمية، فنحن نعول على العهد انطلاقاً مما نسمعه ونراه". وأضاف المصدر "القطاع السياحي يتطلب بيئة سياسية مستقرة، فاستعادة الثقة على الصعيدين الداخلي والخارجي تبدأ بالاستقرار السياسي والاداري، وهو الأساس لجذب السياح والمستثمرين على حد سواء، كما أن وجود حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية مستدامة، خصوصاً في مجالات البنية التحتية والخدمات السياحية، سيسهم في تعزيز قدرة لبنان على منافسة الوجهات السياحية الاقليمية والدولية، وإذا تزامن ذلك مع تحسين البنية التحتية وتطوير الخدمات السياحية، فإن لبنان سيعود إلى موقعه كوجهة مفضلة للسياح، خصوصاً من الدول العربية والخليجية، التي تعد من الأسواق الرئيسية للسياحة اللبنانية".
 
وأشار المصدر إلى "أهمية السياحة الداخلية، لكونها إحدى أهم مقومات جذب المقيمين والسياح الذين يرغبون في التعرف أكثر على المناطق اللبنانية عن كثب". وقال: "على الرغم من ارتفاع سياحة اللبنانيين في الخارج لكثرة عروضات السفر والأسعار الرخيصة والمغرية، إلا أن فئة كبيرة منهم ما زالوا يفضلون التنزه وقضاء العطلات في اكتشاف لبنان، لا سيما العائلات وكبار السن، لا بل نسبة لا بأس بها من الشباب أيضاً، وهذا ما بدأت معظم شركات السياحة والسفر بتوفيره من خلال رحلات مخصصة تنظمها نحو الأماكن المقدسة، إلى جانب المناطق السياحية والأثرية الأخرى"، متمنياً من الجهات المعنية الدعم لمثل تلك السياحة التي تشكل مورداً سياحياً مهماً في لبنان.

من جهته، أعرب نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي في لبنان أنطوان الرامي عن تفائله "بتحقيق الاستقرار في الفترة المقبلة"، معولاً على "الاستقرار الذي يشهده لبنان لينعكس ثقة لدى السائح والمستثمر على حد سواء"، مضيفاً "أتمنى أن تعمل وزارة السياحة في الحكومة الجديدة على إصلاحات، وتحديداً تشريعات سياحية تواكب المؤسسات الجديدة وتحمي المؤسسات الشرعية".

رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر أكد أن "قطاع السياحة في مجمله، لا يجب أن يبقى حلمه وأهدافه الاعتماد على المواسم، فمن المفترض أن يصبح البلد مستقراً ويعود إلى الخارطة السياحية العالمية، مع تحضير برامج سياحية تمتد على سنوات مقبلة، والقطاع السياحي لديه الإمكانية لأن يعود القاطرة الأساسية للاقتصاد".

إعادة إحياء هذا القطاع لا تعني مجرد استعادة مكانته السابقة فحسب، بل تسعى إلى فتح آفاق جديدة لتعزيز قدرته على التحول إلى أحد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي في البلاد. فإلى جانب دوره المحوري في زيادة إيرادات الخزينة العامة التي تعاني من عجز مالي، تسهم السياحة بصورة كبيرة في دعم آلاف الأسر اللبنانية التي تعتمد عليه، سواء بصورة مباشرة من خلال فرص العمل التي يوفرها في الفنادق والمطاعم ووكالات السفر، أو بصورة غير مباشر من خلال تحفيز القطاعات المساندة مثل النقل والحرف اليدوية والصناعات الغذائية، وهذا ما أكدت عليه وزيرة السياحة لورا الخازن لحود "نجاح هذا القطاع هو بالفعل نجاح لاقتصاد كل لبنان، إذ يوفر الازدهار لكل القطاعات الأخرى، ووزارة السياحة لا تستطيع وحدها أن تحقق نهضة كاملة لهذا القطاع، نريد أن نتعاون مع كل الجهات المعنية فلبنان يستحق ونحن جاهزون لنبدأ".


لبنان وجه الحضارة يقف اليوم عند مفترق طرق، إذ ثمة فرصة لانقاذ البلاد وإعادة الإنماء، بعد سنوات من الإنهيار والهدر والفساد والذل، فرصة لبناء الدولة والاقتصاد وجذب الاستثمارات، واستعادة الثقة داخليا وخارجيا، أو الاستمرار بالغوص إلى القاع.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا