الصحافة

بنك “الجسر”… قد يُنقذ الودائع

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لطالما شكّلت الودائع المصرفية في لبنان حجر الأساس للنظام الماليّ، لكن منذ الأزمة الماليّة في 2019، أصبح المودعون رهائن لنظام مصرفي متعثّر، وحُرمت الغالبية العظمى منهم من حقّهم في الوصول إلى أموالهم. مع استمرار السياسات غير الشفّافة وتأخير الحلول الممكنة والعادلة، يواجه المودعون خيارات محدودة ومؤلمة، تراوح بين شطب الودائع جزئيّاً أو تحويلها قسريّاً إلى أدوات ماليّة غير مضمونة. فهل من مخرج واقعي وعادل لهذه المعضلة؟

 هل يمكن شطب الودائع؟

من الناحية المحاسبية والقانونية، لا يمكن للمصارف ببساطة “شطب” الودائع كما تفعل مع القروض (Bank Assets) المعدومة، لأنّ الودائع تُعتبر التزامات (Bank Liabilities) تعاقدية تجاه أصحابها. ولذلك أيّ محاولة لإلغاء هذه الالتزامات بشكل أحاديّ ستُعتبر تعدّياً على حقوق الملكية الخاصّة، وقد تفتح الباب أمام دعاوى قانونية محلّية ودولية.

إجراءات إدارة الأزمة قضت على الودائع

لم تتقدّم أيّ من السلطات الرسمية والمختصّة من المودعين بمعالجة موضوعية وعادلة للأزمة المصرفية، بل اكتفت بإقرار “إجراءات استثنائية” و”مشاريع قوانين” كانت عاجزة عن أن تُبصر النور بسبب افتقارها إلى المنطق الاقتصادي. في إطار التخفيف من المسؤولية على القطاع المصرفي كانت هناك طروحات عديدة:

  • تحويل الودائع إلى أسهم: بعض المصارف قد تلجأ إلى تحويل جزء من الودائع إلى أسهم في المصارف نفسها، وهو ما يعني أنّ المودعين سيصبحون مساهمين في مصارف متعثّرة.
  • فرض خسائر عبر “ليلرة” السحوبات: إجبار المودعين على السحب بسعر صرف أقلّ من السوق، وهو ما يؤدّي عمليّاً إلى خسائر ضخمة.
  • التصفية: في حال إعلان إفلاس بعض المصارف، فإنّ المودعين قد لا يستعيدون سوى جزء محدود من أموالهم بعد بيع أصول المصرف.

استرداد الودائع: بين السّداد الجزئيّ والتّخفيض القسريّ

في ظلّ غياب السيولة الكافية، تطرح بعض الجهات حلولاً لسداد جزئي أو تخفيض قسري للودائع عبر:

  • جدولة وتقسيط استرداد الأموال على فترات طويلة من دون فوائد حقيقية.
  • إجبار المودعين على استبدال أموالهم بسندات طويلة الأجل ذات مخاطر عالية.
  • إعادة هيكلة القطاع المصرفي عبر إنشاء بنك جسر (Bridge Bank) أو مصرف وسيط لاسترداد الودائع تدريجياً. بنك الجسر، أو المصرف الوسيط، هو مؤسّسة ماليّة تُنشأ مؤقّتاً بهدف إدارة أصول والتزامات المصارف المتعثّرة أو المفلسة بطريقة منظّمة، مع تقليل الأضرار على المودعين والاقتصاد. في الحالة اللبنانية، يمكن استخدام هذا النموذج لضمان استرداد تدريجي للودائع العالقة في المصارف التجارية، بدلاً من تصفيتها أو شطبها بالكامل.

بنك الجسر

كيف يتمّ إنشاء بنك الجسر في السياق اللبناني؟

  • نقل الأصول والودائع: يتمّ نقل جزء من أصول المصارف المتعثّرة (مثل القروض الجيّدة والأصول العقارية) إلى بنك الجسر، وتحويل الودائع العالقة وفقاً لخطّة مدروسة إلى هذا المصرف الوسيط بحيث يملك القدرة على السداد التدريجي.
  • ضمان السيولة والدعم الحكومي: يجب أن يحصل بنك الجسر على تمويل أوّليّ، سواء من الحكومة، مصرف لبنان، أو عبر دعم دوليّ، لضمان السيولة اللازمة لتسديد الودائع وفق جدول زمني واضح، ويمكن استخدام جزء من احتياطي الذهب أو الاستثمارات الأجنبية لدعم استقراره المالي. وهذا لا يعني بالضرورة توظيف جزء من احتياطي الذهب لسداد الودائع، بل لضمان الاستقرار فقط.
  • إدارة الودائع بشكل مرن: يمكن للمودعين استرداد أموالهم بشكل تدريجي وفق خطّة شفّافة، بدلاً من تركها مجمّدة من دون أفق واضح، وأيضاً يمكن تقديم خيارات بديلة مثل سندات طويلة الأجل، أو تحويل جزء من الودائع إلى أسهم في المصارف المعادة هيكلتها.
  • إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي: يوفّر بنك الجسر ضمانات للمودعين بأنّ أموالهم سيتمّ استرجاعها تدريجياً، وهو ما يحدّ من الذعر الماليّ ويعيد الاستقرار إلى القطاع المصرفي، ويساعد على تصفية المصارف المتعثّرة أو إعادة هيكلتها بشكل منظّم دون انهيار شامل.

تمّ إنشاء مصرف لإدارة الودائع العالقة في قبرص عام 2013 وتحويل بعضها إلى أسهم ضمن خطّة إنقاذ ماليّ. في الولايات المتحدة الأميركية (2008 – أزمة الرهن العقاري) استخدمت الحكومة الأميركية نموذج “بنك الجسر” لإنقاذ بعض المؤسّسات المالية الكبرى وتصفية الديون السيّئة.

لماذا يحتاج لبنان إلى بنك الجسر؟

  1. تفادي شطب الودائع أو تحميل المودعين الخسائر بالكامل: بدلاً من شطب الودائع أو إجبار المودعين على قبول خسائر فادحة، يتيح بنك الجسر استعادة الأموال تدريجياً.
  2. إعادة هيكلة المصارف دون انهيار كامل: يساعد على تصفية المصارف المتعثّرة وإعادة هيكلة النظام المصرفي بطريقة منظّمة.
  3. طمأنة المودعين والمستثمرين: إنشاء آليّة استرداد تدريجية يقلّل من فقدان الثقة بالنظام المصرفي ويحفّز إعادة تدفّق رؤوس الأموال إلى الاقتصاد.
  4. أفضل من إنشاء صندوق سيادي لسداد الودائع الذي يهدف إلى إبراء ذمّة من أخطأ وفتح صفحة جديدة. بنك الجسر هو جزء أساسي من مشروع مساءلة ومحاسبة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ومن ضمنه يكون حلّ موضوع الودائع العالقة.

يعدّ بنك الجسر أو المصرف الوسيط أحد الحلول العمليّة لإدارة الأزمة المصرفية في لبنان. من خلال آليّة منظّمة تضمن استرداداً تدريجيّاً للودائع، يمكن تقليل الأثر السلبي للأزمة، وتحقيق توازن بين حماية المودعين وضمان استقرار النظام المصرفي دون اللجوء إلى إجراءات قاسية مثل شطب الودائع أو الإفلاس الفوضوي للمصارف.

هل بيع الذّهب هو الحلّ؟

يمتلك لبنان احتياطيّاً من الذهب يمكن أن يساعد في توفير بعض السيولة، لكن هل ينبغي المساس به؟

  • الذهب هو “قرش لبنان الأبيض ليومه الأسود”. ويجب استخدامه بحذر لإنقاذ الاقتصاد ككلّ وليس للتعويض لفئة محدّدة فقط.
  • الاستخدام الجزئيّ والظرفيّ للذهب. يمكن تخصيص جزء من الاحتياطي لدعم خطّة اقتصادية متكاملة، ووضع شروط لإعادة تكوين هذا الجزء المستعمل في مرحلة لاحقة.
  • توظيف الذهب بما هو ضمان. بدلاً من بيعه مباشرة، يمكن استخدامه ضماناً للحصول على دعم ماليّ دولي بشروط ميسّرة.

إذا أخذنا حجم وطبيعة الأزمات التي يتخبّط بها لبنان منذ سنوات والأسعار التي وصل إليها الذهب اليوم، فمن الخطأ جدّاً عدم تخصيص جزء من احتياطي الذهب لدعم خطّة اقتصادية متكاملة شرط إعادة تكوين ما تمّ استخدامه خلال فترة زمنيّة واضحة.

الحلول القابلة للتّطبيق

بناءً على التجارب الدولية، يمكن اعتماد نهج أكثر إنصافاً لاستعادة الودائع، عبر:

  • تحديد أولويّات السداد: حماية صغار المودعين، وتقسيط أموال كبار المودعين عبر أدوات ماليّة عادلة.
  • إعادة رسملة المصارف من مصادر خارجية: فرض مساهمة المساهمين في المصارف وإدخال مستثمرين جدد بدلاً من تحميل الخسائر للمودعين.
  • تحفيز الاقتصاد: لا يمكن فصل أزمة الودائع عن ضرورة إعادة تحريك العجلة الاقتصادية، لأنّ التعافي الاقتصادي يعني استعادة قدرة المصارف على السداد. 

ليس مصير الودائع في لبنان مسألة تقنيّة مصرفية وحسب، بل هو اختبار لمصداقية النظام المالي برمّته. لا يمكن تحميل المودعين وحدهم تكلفة الأزمة، ولا يمكن اللجوء إلى حلول ترقيعية مثل “شطب مموّه” للودائع بقرارات إدارية. المطلوب هو خطّة شاملة تستند إلى العدالة المالية والشفافيّة.

محمد فحيلي- اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا