حين صمت المتمرّد وهُزم لبنان... "يا ريتك مش رايح"!
يستعجل المتمرّد الرحيل. يطفئ "الراديو" باكراً. يقفل البيانو. يكتب رسالته الأخيرة للفقراء، يغضب عنهم، يصرخ مثلهم و"يكفر".. ثمّ يصمت. "دايماً بالآخر في آخر"... أيّ "آخر" هذا يا زياد؟ أيّ "وقت فراق"؟
يرحل الكبار باكراً. يأخذون معهم حقّنا في الحزن. وكأنّ كلّ شيئ يتخدّر ويتجمّد ويفقد طعمه. يمازحوننا في الرحيل. فعادةً ما يبقى اللحن. وحدهم "الموسيقيّي بدقّوا وبفلّوا"، وحدهم العالم "بقلّوا". لم يودّعنا زياد الرحباني. لم يعط خبراً. كأنّ صمته الأخير لم يكفنا! كأنّ غيابه الأخير لم يبقنا أيتاماً! غريبةٌ هي ثقافة الموت. لا يموت الإنسان الموت الذي يستحقّه. يموت الموت الذي يشبهه... وهكذا كان موت زياد. يشبهه، صامتاً مثله و"بالفيّ"، و"بلا ولا شي".
الحزن على زياد بحجم الوطن. بحجم طول "الفيلم الأميركي" المستمرّ. الصدمة التي تركها تساوي عدد المرّات التي سمعت فيها فيروز "صوتها من الشبابيك"، وجمال "عيون عليا" وحجم "الثقة فيك"... تساوي وعي الشعب "اللّي بيشرب قهوة كتير"، و"اللّي مفروض يكون أوعى من هيك"، كما تساوي عدد المرّات التي غنّت فيها فيروز "إنت إنت... ملّا إنت".
"ملّا إنت" يا زياد! نبيل في كلّ ما تفعله. في الغياب والوجود. في الجنون والوقاحة والسخرية. في التمرّد والبساطة. أيّ لبنان بعدك يا زياد؟ أيّ حرب أو سلم موقّت؟ "بالنسبة لبكرا شو" يا زياد؟ أيّ "بكرا" بعدك؟... "ما تسأل شو حاسّين" يا زياد، صدّق. "وقّفنا الشعور ووقّفنا العواطف، ووقّفنا التدخين"! فوحشٌ هو الغياب، قاتل ووقح...
أن يغيب زياد يعني أن يغيب آخر صوت ساخر لنا. أن يموت زياد يعني أن يختفي آخر أمل لنا "رغم كلّ شي صار بهالبلاد". أن ينطفئ قنديل زياد يعني أن تنطفئ ذاكرتنا ويذوب ماضينا وتتعثّر هويّتنا... بكّرت الرحيل زياد. لا قدرة لنا على وداعك. "نحن ساهرون"، مصدومون. تركنا لك "مصابيحنا مشتعلة"، عساك لا تنطفئ، عساك لا تُطفئ ماضينا معك... "يا ريتك مش رايح" يا زياد، يا ريت بتبقى، بتبقى عا طول"...
"بيعزّ عليّي إكتب" اليوم يا زياد. بكّير، والله بكّير... فعلى عكس ما قلته، "كنّا استفدنا لو أخّرنا الساعة"... ولكن "ما حدا بيروح قبل ساعتو"، وها هي الساعة تدقّ، في لبنان مرّة وفي قلوبنا مرّتين... فوداعاً لك... وله!
ماري جو متى
خاص موقع Mtv
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|