فعل ثم تكلم
حملت زيارة رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام إلى مسقط رأسي، مدينة طرابلس، بالأمس، دلالات على أن نهج عمله وعمل فريقه الوزاري يختلف عما عهدناه في زمن العديد من الحكومات السابقة.
بدءاً من البيان الوزاري المركّز والعملي للحكومة، فإن هذا النهج يلاقي خطاب القسم المبهر لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، والذي تضمن جملة عهود بالأفعال لا بالأقوال لنا، نحن المواطنين من كل أرجاء الجمهورية الذين لا يرتجون سوى أن تبنى دولة جامعة، قوية، وعادلة.
هذا التلاقي الذي يحمل صفة التكامل في ملامحه وطياته يبشر بالخير لوطننا الحبيب، بعد صنوف من العذاب اختبرها وعاشها لعقود خلت، بكلّ مرّها وخيباتها ودمائها.
"من الآخر"، ماذا فعل دولته؟ بادئ ذي بدء، وقبل زيارته الى طرابلس، كان قد عقد في عاصمة الوطن اجتماعاً مع قادة كافة الأجهزة الامنية، تم فيه اتخاذ القرارات اللازمة لإنفاذ القانون وإحلال الأمان في عاصمة الشمال، وبسرعة. ولعلّه ليس من ضروب المبالغة أن يتصور المرء أن هدف ضبط الأمن في المدينة قد أتى ضمن استراتيجية أشمل لمستقبلها، إذ تكلم دولته خلال الزيارة عن "بعد إنمائي" مترابط عضوياً مع بسط الأمن فيها، وعن أنه "من دون علاج الأزمة الاقتصادية الاجتماعية فلا يمكن أن نحصل على أمن مستدام في المدينة...".
إذاً، هو تكلم من نظرة رجل الدولة الذي يقود عملية التآزر والتكامل بين الأمن والتنمية، إذ يغذي كل منهما الآخر في المدى القريب، ومن ثم يزيده قوة واستدامة في المديين المتوسط والبعيد. وهذا ما يضفي قيمة سياسية تنطبق على البلد ككل، وليس على طرابلس وحدها.
وفي مثال آخر لنهج الفعل قبل القول، كشف دولته أثناء تفقده لمطار القليعات في عكار عن "إنجاز اتفاق مع شركة دار الهندسة لإعداد دراسة مجانية لتشغيل مطار القليعات، وخلال ثلاثة أشهر سيتم تقديم تصور أولي لمخطط توجيهي لانطلاق آلية العمل في هذا المرفق".
إذاً، لم يزر الرجل هذه المنشأة للاستعراض أو لإطلاق كلام إنشائي ووعود براقة عما "سيفعله"، بل أتى ليقول وبكل تأكيد إنه قد أنجز مسبقاً وضع اللبنة الأولى لهذا العمل الحيوي، وإنه يملك تصوراً واضحاً لجدول زمني معين بخصوصه. إنه لأمر يثلج الصدر أن نرى مسؤولاً رفيعاً في الدولة يتمتع بحسّ عالٍ من المبادرة والقيادة، يجعله يفكر ويخطط ويفعل ومن ثم يتكلم!
وفي مثال ثالث في سياق موضوعنا هذا، فاجأنا دولته بما يشنّف الآذان، إذ أشار أيضاً إلى "أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص للدخول في استثمارات كثيرة، خصوصاً في الشمال، لا سيما في المطار"، ليردف قائلاً:
"ترأست بالأمس اجتماعاً للمجلس الأعلى للخصخصة في سبيل إعادة تفعيله". مجدداً، والحق يقال، فإنه نادراً ما شهدنا على قامة في سدة الحكم تقوم بأفعال استباقية كهذه، تنضوي في إطار خطة مدمجة تهدف إلى تحقيق أهداف نهضوية تصب في مصلحة الوطن والمواطن العليا. كان النمط المعتاد ان يأتي الكلام قبل الفعل، ويبقى كلاماً بكلام لا يسمن ولا يغني عن جوع.
كالعادة سيظهر بعض المشككين على الساحة. لكن روحية الخدمة العامة للدولة الجديدة في لبنان، وما تشي به من اقتران بالصدق في التنفيذ، لديها الأرجحية الكبرى لأن تسود المشهد الوطني الواعد الذي يتبلور حالياً.
حسنا فعل دولة رئيس الحكومة، إذ عمل ثم تكلم. والله الموفق!
جورج الأسد
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|