قيادة الجيش والرئاسة: نافذة مفتوحة تاريخيّاً
ليس غريباً أو استثناءً بروز "البزة العسكرية" بين النماذج المقترحة لرئاسة الجمهورية عام 2022. أتى الاحتكام إلى الجيش كوجهة مباشرة للحلّ للمرة الأولى بعد الاستقلال عام 1952، بُعَيد تنحي الرئيس بشارة الخوري على وقع تظاهرات واعتصامات، فإذا به يعيّن قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً لحكومة انتقالية تحضيراً للانتخابات الرئاسية.
ونجح شهاب في غضون ثلاثة أيام فحسب في مواكبة انتقال البلاد إلى صفحة رئاسية جديدة. ولم يتأخّر اللجوء إلى "مُعسكر الجيش" كحلّ توافقي على أثر أحداث 1958 والانقسام الذي شهدته البلاد بين معسكرين سياسيين، فانتخب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية بمباركة الأطراف المتخاصمة. ولم يخفت بريق الالتماع الذي رافق مسيرة الأمير الشهابي فإذا بـ58 نائباً يوقّعون عريضة للمطالبة خلالها بتمديد ولايته الرئاسية، لكنّه رفض احتراماً "لما يقوله الكتاب" العبارة البارزة التي اشتهر بها. وبقيت محطة شهاب راسخة في ذاكرة اللبنانيين، بعدما شهدت ورشة إصلاحية وبناء للمؤسسات فإذا بالأطياف السياسية تنتظر كلمته عام 1970 قبل اتخاذها قراراً صريحاً بالترشّح. ولا يختلف مؤرخون هنا بأن شهاب شكّل بشخصه علامة فارقة تستذكر حتى اليوم بعدما كوّنت نوستالجيا في أذهان اللبنانيين بعنوان "الجيش هو الحلّ" خلال الأزمات.
ورغم أن التجارب الأخرى لا تقارن مع "المرور الذهبي" لفؤاد شهاب وبعضها أتى بمفاعيل سلبية وعكسية، إلا أنّ قيادة الجيش تحوّلت أشبه بطقسٍ أو تقليد رئاسيّ كلّما استدعت الحاجة. فكانت "البذّة المرقّطة" مفتاح الطريق إلى بعبدا عام 1998 مع العماد اميل لحود وعام 2008 مع العماد ميشال سليمان. وقبلهما وبعدهما، حكومة عسكرية بقيادة العماد ميشال عون سنة 1989 ثم عودته إلى القصر الجمهوري بولاية رئاسية سنة 2016. ولا يبدو إسم قائد الجيش العماد جوزف عون بعيداً عن التداول الرئاسي الراهن على نطاق المجالس السياسية. ويلاحظ أنه يكاد يكون الوحيد الذي لا ينحسر الحديث عن مؤشرات حظوظه على امتداد الأشهر الماضية رغم غياب إسمه عن أوراق الاقتراع حتى اللحظة. فهل تضحك "النافذة الرئاسية" المفتوحة تاريخياً لقائد جيش جديد؟
يتأكّد أن إسم جوزف عون لا يزال يتداول بكثافة خلف الأضواء. واستناداً إلى معطيات ترويها لـ"النهار" مصادر ديبلوماسية لبنانية عن كواليس لقاءات حديثة جمعتها بديبلوماسيين غربيين، وتطرّق خلالها البحث في مستجدات موضوع استحقاق رئاسة الجمهورية، فإنّ التعريج حصل في سياق الحديث على ثلاثة أسماء بارزة على الساحة المحلية، وهي توالياً: رئيس حركة "الاستقلال" النائب ميشال معوّض، رئيس تيار "المرده" سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون. واستعرض النقاش الأوضاع المحليّة والمعادلات البرلمانية مع تعبير الديبلوماسيين الغربيين عن معرفتهم بطبيعة الواقع السياسي اللبناني وتظهيرهم استنتاجات تقويمية مشيرة إلى ظروف من شأنها أن تصعّب وصول معوّض وفرنجية إلى سدّة الرئاسة رغم انطباعات التقدير والاحترام لشخصهما. وفي المقابل، كان لافتاً أنّ تقويم المشهد الرئاسي من الديبلوماسيين الغربيين، أشار إلى حظوظ جديّة قائمة بالنسبة إلى قائد الجيش واعتباره بمثابة خيار موفّق للرئاسة الأولى.
على مقلب المشاورات الداخلية بين المكونات السياسية اللبنانية، يعتبر إسم قائد الجيش بين أكثر الأسماء البارزة خلف الأضواء حتى اللحظة. ويقرأ مراقبون لبنانيون أن حظوظ عون قائمة بنسبة مقبولة من دون الإفراط في القراءة التفاؤلية أو المخفّضة على السواء من إمكان وصوله بل اعتباره الإسم الوحيد الذي يحظى بفرصة تحت مظلّة "مرشّح التوافق" انطلاقاً من الموازين النيابية حتى اللحظة؛ طالما أنه على مسافة واحدة من الأحزاب ونظراً للثناء الداخلي على دوره في قيادة الجيش إضافة إلى علاقاته الخارجية الجيدة. لكن، لا يبدو العبور إلى مرحلة تأييد شخصية بالمعايير الممثّلة لمعاني ترشيح قائد الجيش واقتراحه رئيساً قريباً زمنياً مقارنة مع التموضعات الرئاسية التي يتخذها أعضاء المجلس النيابي على اختلافهم حتى اللحظة.
إلى ذلك، وخلافاً لما يشاع عن تواصل بين بكركي و" حزب الله" لجهة مناقشة إسم قائد الجيش للرئاسة، فإنّ المقربين الوثيقين من البطريرك الماروني بشارة الراعي ينفون هذه الأجواء مع تأكيدهم بأن البطريرك ليس بحاجة إلى نقاش أو وساطة ليؤيّد مرشح معيّن. وهو لا يذكّي أي إسم بل إن المواقف التي يتخذها من ناحية تحديد المواصفات والدور الذي يضطلع به رئيس الجمهورية كافية للقول بما وبمن يقبل به. وهو ينتظر بعض التطورات المقبلة ليقرأ أين تذهب المسائل ويقوم بمجموعة تحرّكات على ضوء ذلك. وفي سياق متّصل، تؤكد مصادر بكركي لـ"النهار" عدم البحث أو دعم ترشيح أو التداول بأي من أسماء الشخصيات اللبنانية المطروحة أو المقترحة للرئاسة أو إبداء الرأي بها مع الأطراف السياسية، مع نفي حصول تواصل رئاسي عموماً بين مسؤولين من "حزب الله" والصرح البطريركي حول إسم قائد الجيش أو أسماء أُخرى، ومع الإشارة الى أن اللجنة المكلّفة التواصل بين البطريركية و"الحزب" لم تجتمع منذ فترة زمنية طويلة نسبياً. وإلى ذلك، تلفت مصادر بكركي إلى أنها لم تقدّم أسماء وزراء سابقين للرئاسة خلافاً لما يتداول في مجالس سياسية، ولا أسماء تعطى لأحد وليجتمع مجلس النواب ويعطي رأيه بنفسه ويقوم بعمله المطلوب منه وغير المستجد باعتبار أن القوى السياسية كانت تدرك أنها ستصل إلى محطة انتخاب رئيس للجمهورية قبل 6 سنوات.
"النهار"- مجد بو مجاهد
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|