جديد "خلية الأردن" وتبادل معلومات مع لبنان... هذا ما كشفه النائب العام التمييزي
الفيدرالية بلا إعلان: وحدة الدولة شعار والممارسة "كانتونات" مقنعة
في لبنان، تُرفع رايات الوحدة في العلن بينما تُنسج خيوط الانقسام تحت الطاولة. هذه ليست مبالغة أو اتهامًا سياسيًا، بل هي توصيف لحقيقة تتكرر عبر محطات التاريخ اللبناني، منذ ما قبل الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا. الفيدرالية، التي تُطرح، من حين إلى آخر، كَحلٍّ أو تُرفض كخطر، لم تغب يومًا عن الساحة، بل كانت حاضرة دائمًا، وإنْ بوجوه متعددة وأساليب ملتوية. ما تغيّر ليس الفكرة، بل طريقة تسويقها، أما مضمونها فثابت في سلوك القوى السياسية والمجتمعية منذ عقود.
من النكات التي تروى أن جماعة قررت قصف خصومها، فربطوا المتفجرات بمنشأة قريبة ووجهوها نحو العدو، وعندما انفجرت بهم، قال أحد الجرحى مذهولًا:"إذا هيك عمل الانفجار عنا، فكيف عندهم"؟
هذا تماما ما يحدث في لبنان، عندما يهاجم طرفٌ طرح الآخر بحجة أنه "تقسيمي" أو "مشبوه"، بينما تكرس ممارساته على الأرض واقعًا مشابهًا: إدارة ذاتية، جبايات محلية، أمن مناطقي، تعليم موازٍ، وعلاقات خارجية غير رسمية، وكل ذلك من دون التخلي عن التغني بالوحدة الوطنية وعدم المساس بوحدة الدولة.
لغم فدرالي
من يهاجم الآخر بحجة تطويق مشروعه الفيديرالي انما دمر بيئته اولا كما حصل قبل أشهر، وسيطر على مناطقه بالإدارات الذاتية والجبايات كما حصل عند فصائل الحرب كلها بعد ١٩٧٥. إعلان الحركة الوطنية مثلاً في بداية الحرب عزل القوى المسيحية كان نوعاً من لغم فيديرالي تم تحضيره في مكان وتفجيره في مكان آخر، وكانت استجابة "الآخر" جاهزة وهو يرى "غطاء" وطنياً بعنوان البرنامج المرحلي يتقدم بغطاء مسلح من ترسانة عسكرية فلسطينية… ولم يكن ينقص مشروعه سوى شعار مثل "أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار" كي تنفتح النوافذ على الخارج.
حزب الله مثلاً الذي يمتلك جهازًا عسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا، ويجاهر أن ماله وسلاحه ورواتبه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وله هيكل خاص للعلاقات الخارجية، ويعتبر المسّ بمرجعيته الإقليمية اعتداءً على "السلم الأهلي". لكنه في الوقت نفسه، يرفض، كما ترفض قوى أخرى، أي نقاش حول صيغ بديلة للنظام مثل الفيدرالية، بحجة الحفاظ على وحدة الدولة. المفارقة أن هذا الرفض يأتي من قوى سياسية ذات فكر عابر للحدود، سواء كان يساريًا خلال الحرب الأهلية، أو إسلاميًا، أو قوميًا، أو طائفيًا. هذه التيارات لطالما تجاوزت في خطابها وممارساتها حدود الكيان اللبناني، ما يطرح تساؤلات حول مدى انسجامها مع مفهوم الدولة المركزية التي تُدافع عنها نظريًا".
في الحرب، كان جميعهم فيدراليين، وإن بأسماء مختلفة. وفي السلم، يتراجع الحديث عن الفيدرالية فقط عندما تبدأ جلسات تقاسم الحصص والمناصب. يُعاد ترتيب الطاولة تحت عنوان "العيش المشترك"، لكن على قاعدة احترام توازنات الجماعات، لا قوة المؤسسات.
وعلى الرغم من مرور خمسين عامًا على اندلاع الحرب الأهلية، تعود لغة الفيدرالية إلى الواجهة من جديد، كما لو أننا لم نتعلم شيئًا من التجربة. منصات جديدة، مثل "المحافظون الجدد لبنان"، تعيد طرح الفكرة بصيغة نظيفة، مؤسسية، و"حضارية"، وعلى الرغم من الإيمان الراسخ لدى غالبية اللبنانيين بعدم وجود بيئة منتجة لمشروع الفيدرالية في بلد مثل لبنان إلا أن ذلك يدفع أيضاً إلى التساؤل كيف أن دعاة الفيديرالية في الوقت الراهن يشتغلون في إطار مؤسساتي منظم لبلورة مشروعهم، أما خصومهم فلا يردون إلا بالعبارات السياسية التقليدية التي تستعير أدبيات الحرب، مع أنهم يستطيعون إنتاج مشروع مضاد منظم وفق إطار مؤسساتي أيضاً. لكن خلف هذا الخطاب، تكمن نفس الأسئلة القديمة: هل هذه دعوة للإصلاح، أم مقدّمة لتفكيك البلد رسميًا؟ وهل نحن فعلًا خارج منطق الفيدراليات غير المعلنة التي نعيشها منذ انتهاء الحرب؟
الحكام زعماء طوائف
في هذا السياق يقول الكاتب السياسي أمين عيسى: "إن الفيديرالية هي الانطواء على الهويات الطائفية التي أسست لكل الصراعات بين اللبنانيين وذوبت الفرد في المجموعة". ويضيف، "الفيدرالية هو نظام سياسي يمكن تطبيقه إذا توفرت الظروف الواقعية لنجاحه. ومنها قناعة الحكام بوجود هوية جامعة، لكن ضمن نظام يسمح لكل مجموعة تنظيم أمورها والمحافظة على خصوصياتها. حالياً في لبنان، الحكام هم زعماء طوائف، لا تتخطى رؤيتهم وطموحهم السياسي عتبات طائفتهم. تعاملوا مع الدولة المركزية كمورد لخدمة زبائنهم وكسب تأييدهم، غير آبهين بالمصلحة العامة ومصالح من ادعوا حمايتهم وحماية حقوقهم. هؤلاء الزعماء سيكونون حكام الكانتونات. الانتقال إلى النظام الفيدرالي لن يثنيهم عن هذه التصرفات." ينهي عيسى بالقول: "ينطلق بعض دعاة الفيدرالية من أن تاريخ العلاقات بين الطوائف في لبنان هو سلسلة صراعات ولا قواسم مشتركة بينهم، وهذا غير صحيح. وإن كان هذا هو الحال عن أي وحدة وطنية نتكلم تحت نظام دولة مركزية؟ أو نظام فيدرالي؟ " .
أما استاذ العلوم السياسية بجامعة كلاريمونت، كاليفورنيا، هشام بو ناصيف فلا يعتقد أن بعض من يرفض الفيديرالية يمارسها عملياً، ويقول في حوار مع "المدن" إن "ما نعيشه اليوم هو حكم مركزي فاشل. وما يمارسه مختلف الأفرقاء هو الاستفادة من أموال الحكم المركزي بالخزينة لتعزيز مماستهم الزبائنيّة للسلطة. وسبب أساسي لرفضهم الفدراليّة هو رفضهم اللامركزيّة الماليّة: من يستطيع أن يسرق من ضرائب لبنان كلّها، المجمّعة بالخزينة المركزيّة لا يريد أن يكتفي بسرقة أموال مقاطعة فدراليّة واحدة. بالحقيقة، تشبيه الوضع الحالي بالفدراليّة قلّة نزاهة غير معقولة يمارسها أخصام الفيدراليّة. نحن نعيش بحكم مركزي؛ وما يفعله الأفرقاء المختلفون هو حكم مركزي، لا فيدراليّة". وحول ربط الفيديرالية بالتقسيم يقول بو ناصيف "ذكرت بجوابي الأوّل قلّة النزاهة الفكريّة بخصوص الفيدراليّة لشيطنتها. لا شيء يوضح هذا العامل أكثر من ربط الفيدراليّة بالتقسيم، وهي نقيضه. الفيدراليّة كلمة أجنبيّة. ترجمتها الحرفيّة بالعربيّة هي "اتّحاديّة". لذلك الاسم الرسمي للدول الفيدراليّة يلحظ كلمة الاتّحاديّة أو المتّحدة. مثلا: ألمانيا الاتّحاديّة؛ الولايات المتّحدة الأميركيّة؛ الامارات العربيّة المتّحدة؛ الخ. ربط الفيدراليّة بالتقسيم هو هروب من النقاش الفكري الرصين صوب الهيستيريا والتخوين".
بإختصار، ربما الأجدى أن نتوقّف عن تبادل الاتهامات حول الفيدرالية، ونسأل بصراحة: ماذا نريد من هذا البلد؟ دولة موحدة بمؤسسات فعّالة ولامركزية موسعة؟ أم مناطق نفوذ مغلّفة بخطاب وطني؟ الاجابات هي ما ستكشف ما إذا كان رفض الفيدرالية ليس رفضاً لفكرة إدارية بقدر ما هو صرخة في وجه الوقائع المتفجرة. لأننا لسنا بحاجة لتنظيم الانقسام، بل لنسف أساسه. فلبنان لا يُنقذ بتقنين الدويلات، بل بإلغائها. لا بتوزيع الصلاحيات، بل بتجميع الإرادة.
إبراهيم الرز - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|