أول انتخابات بلا نصرالله: محطة مفصلية وسط تصاعد الضغوط
لو قُدّر للثنائي الشيعي التزكية في الانتخابات البلدية في جميع القرى والبلدات الجنوبية، لفعل. هذا ما يسعى إليه، إذ يقود حوارًا مع العائلات طالبًا الإبقاء على التوزيع القائم للبلديات بين جناحيه، أي حزب الله وحركة أمل، ولا مانع لديه من شريك طامح لا يناصبه العداء السياسي.
حماسة غائبة
من يزور الجنوب يلمس بوضوح عدم وجود إمكانيات لوجستية أو استعداد معنوي لدى الناس لخوض الانتخابات البلدية. فلم تعد البلديات شأنًا مجديًا في قرى تعاني من غياب الخدمات، وقد دُمّرت بعد الحرب الأخيرة.
وعلى عكس الدورات الماضية، يقول من واكب التحضيرات عن قرب إن الحماسة الانتخابية غائبة، وكذلك الاهتمام، بخلاف ما تشهده محافظات أخرى. وفي ظل الدمار الذي يلف القرى الجنوبية، يبدو خوض الانتخابات ضربًا من الخيال، حيث لا مدارس ولا منازل في قرى مهجورة بالكامل. فكيف ستُجرى الانتخابات فيها؟ ومن سيقصدها؟ وهل ستسمح إسرائيل بذلك؟ وكيف يمكن نقل مراكز الاقتراع إلى قرى أخرى أو إلى الضاحية وبيروت، بالنظر إلى صعوبة ذلك؟
بعيدًا عمّا يقوله الثنائي في العلن، فإن الاستحقاق البلدي يُعدّ هَمًّا يُضاف إلى سلسلة الهموم المتراكمة منذ الحرب الإسرائيلية التي لم تنتهِ بعد. ورب قائل: ليتها تؤجل، نظرًا لتوقيتها الخارج عن سياق الاهتمام العام.
على أن أي تقصير في التفاهم وحصد النتائج، سيكون بمثابة تراجع مدوٍّ. فالانتخابات وإن كانت بلدية، تُعدّ مؤشرًا على المرحلة المقبلة، تلك التي تُعدّ لها السيناريوهات في سفارات الدول الأجنبية، وتخضع لدراسات واستطلاعات دقيقة، كونها تشكّل بداية التغيير المنشود من الخارج، وخصوصاً من الولايات المتحدة.
تشهد الكواليس حركة دبلوماسية ناشطة في هذا الاتجاه. ومن ضمن السيناريوهات المتداولة، يُهمس بتغيير محتمل في خريطة الترشيحات النيابية المقبلة، مع بروز أسماء جديدة، مقابل تراجع شخصيات كبرى عن الترشح وتنحيها لصالح مقربين، وسعي شخصيات طامحة لمقعد نيابي للترشح خارج دائرة نفوسها، لضمان الفوز في محافظات ذات رمزية عالية للثنائي.
عبء انتخابي مضاعف
نحن أمام عبء انتخابي مضاعف: بلديّ، يمكن التخفيف منه عبر التحايل السياسي واللعب على توازنات العائلات والمخاتير. ونيابيّ، وهو الأثقل، في ضوء ما تكشفه الاستطلاعات من أرقام كارثية تُظهر تراجعًا كبيرًا لحلفاء حزب الله القدامى، ودخول عناصر جديدة تسعى إلى خرق الثنائية الشيعية، من خلال طرف ثالث يجري تحضيره لرئاسة مجلس النواب المقبل.
أما الثنائية المسيحية (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية)، فهي بدورها تشهد تراجعًا ملحوظًا في صفوف أحد طرفيها، بينما يُتوقع للطرف الآخر أن يواجه منافسة من كتلة ثالثة قيد التشكيل، قد تمثل "الرئيس الأول" داخل البرلمان.
المطلوب دوليًا أن تكون الانتخابات البلدية بمثابة "بروفة" للنيابية، من حيث تراجع الثنائي، على أن يبدأ الحراك الفعلي قبل موعد الانتخابات البرلمانية بمدة وجيزة. ومن الآن وحتى حينه، ستشهد الساحة السياسية خلط أوراق في التحالفات، وتغييرات كبيرة.
أما داخل الثنائي، فالتغييرات آتية بلا شك: تراجع شخصيات مألوفة، وانحسار أدوار كانت وازنة أمنيًا وسياسيًا، ورفض مطالب لتعزيز صلاحيات بعض الوجوه.
في الكواليس أيضًا، تشهد الأحزاب الكبرى مراجعة مربكة لحساباتها في ضوء المستجدات الداخلية والخارجية. تخضع الساحة اللبنانية لمتابعة أميركية دقيقة، تفوق حتى متابعة ملف رئاسة الحكومة. فالعهد الرئاسي المقبل، الممتد لست سنوات، يلقى اهتمامًا أكبر من متابعة حكومة لمرحلة انتقالية لا يُتوقع أن تتعدى العام الواحد.
كشف المستور
في مسيرته السياسية الحديثة، ركز حزب الله على المواجهة مع إسرائيل على حساب وضعية الطائفة المؤسساتية. ومع وقوع الأزمة وتراجع حضور الحزب ومكانته السياسية والعسكرية، ووسط الطوق الخارجي المحكم، ظهرت الأزمة بقوة: أزمة ثقة وإمكانات، ولا طاقات. فالطاقات موجودة، لكنها أُبعدت أو هُمّشت. وهنا باتت نقطة الارتكاز، والانطلاق نحو مرحلة العمل السياسي، وترتيب البيت الداخلي، إن كان بالإمكان فعل ذلك، في ظل الغليان الإقليمي الحالي، وبعد اتضاح صورة المفاوضات الأميركية – الإسرائيلية.
حتى ذلك الحين، سيبقى السلاح هو "الضمانة"، وسيكون "استهداف الطائفة" هو العنوان لدى الثنائي. في الانتخابات، بلدية كانت أم نيابية، سيكون الاستفتاء الحقيقي على المقاومة وحماية السلاح. أوراق الدعم التي ستُلقى في الصناديق لن تكون فقط انتخابية، بل سياسية بالدرجة الأولى. وإذا خلت الانتخابات البلدية من المفاجآت بفعل طابعها العائلي، فإن الانتخابات النيابية ستحكمها معركة تأسيس لمرحلة مغايرة، مطلوبة أميركيًا، من دون نبيه بري على رأس المجلس النيابي، وبرئيس حكومة سمّته السفيرة الأميركية بالاسم في حفل عشاء.
غياب نصرالله و"الضمانة المعنوية"
هي الانتخابات الأولى التي ستُجرى في غياب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله؛ تلك الشخصية التي كان لها ثقلها المعنوي والسياسي، والتي كانت تحدد التحالفات النيابية بناءً على ضمانات معنوية وشخصية. حضوره كان كفيلًا بحل الكثير من العقد والأزمات، سواء بالنسبة إلى العائلات في الانتخابات البلدية، أو التحالفات السياسية في الانتخابات النيابية.
اليوم، لن تجد العائلات من تمنحه ثقتها "على العمياني"، وقد نشهد عودة للعشائر لتشكّل حكمًا ذاتيًا داخل الطائفة. واقع مستجد يحمل الكثير من الأسئلة، لا سيما في ظل القرار الدولي الرامي إلى كسر احتكار الثنائي الشيعي للقرار البلدي، ولاحقًا النيابي، ووسط تحديات يواجهها الثنائي، الذي لم يُعزّز حضوره في الحكومة أو وضعه ضمن بيئته، بل على العكس، بات شريكًا غير قادر على إنجاز إعادة الإعمار، المرهون بتسليم السلاح.
وقد يدفع الثنائي ثمن تأخير الإعمار في صناديق الاقتراع، وإن لم يكن في الانتخابات البلدية، فحُكمًا في الانتخابات النيابية.
غادة حلاوي - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|