هيكلة القطاع العام: إصلاح “موجع”… هل تتجرأ الحكومة والبرلمان على تنفيذه قبل الانتخابات النيابية؟
ليبانون ديبايت" - باسمة عطوي
ليس من المبالغة القول إنّ إعادة هيكلة القطاع العام تُعدّ من أكثر الإجراءات الموجعة التي يفترض بحكومة الرئيس نواف سلام والمجلس النيابي تنفيذها، ضمن لائحة الإصلاحات المطلوبة من المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدولي، لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته الحالية.
ولا يكمن “وجع” هذه الخطوة في المفاعيل الاجتماعية التي ستصيب موظفي القطاع العام فقط، بل أيضًا في الثمن الذي ستدفعه القوى السياسية من شعبيتها، وردّ فعل مؤيديها على هذا الإجراء، وخصوصًا أن كثيرًا منهم يستفيدون من وظائف “شكلية” في عدد من الوزارات، من دون حاجة فعلية لهم. لذلك، من المتوقّع أن يتكرّر السيناريو مع حكومة الرئيس سلام، لجهة إعداد خطة لإعادة الهيكلة من دون تطبيق فعلي، ونحن على أبواب الانتخابات النيابية.
خطوة مؤجّلة للحكومة المقبلة
يوافق الباحث في “الدولية للمعلومات”، محمد شمس الدين، على هذا الاستنتاج، ويقول لموقع “ليبانون ديبايت”: “وزير التنمية الإدارية فادي مكي أعلن عن التحضير لخطة لإعادة هيكلة القطاع العام، وهذا أمر يتكرّر مع كل حكومة جديدة، ولكن لا تنفيذ فعلي لأنّ كل عهد يغيّر الخطة التي وضعها العهد السابق، ولا أعتقد أنه سيحصل أي أمر جدي وقريب”.
وأوضح أنّ “الخطة تتطلب تشكيل لجنة، وإصدار قوانين من مجلس النواب (إلغاء أو دمج أو استحداث وزارات)، ولا تصبح نافذة بقرار أو مرسوم وزاري. ولهذا، من المبكر الحديث عن إعادة هيكلة فعلية، ولا أعتقد أنها ستحصل في ظل هذه الحكومة ومع اقتراب الانتخابات”.
وأضاف: “العبء الأساسي الذي تعانيه الدولة هو في القطاع العام، ولكن لا أحد يقارب المشكلة لأسباب سياسية وانتخابية. ومن الأمثلة على ذلك، العسكريون المتقاعدون الذين لهم الحق بالمطالبة بحقوقهم، لكن بعضهم تقاضى (قبل الأزمة) تعويض نهاية خدمة بمئات آلاف الدولارات، ومعاشًا تقاعديًّا بآلاف الدولارات”.
وختم: “هناك فائض في القوى الأمنية وفي العديد من وزارات الدولة، لكن لا أحد يتجرأ على القيام بأي خطوة. الحكومة الإلكترونية وهيكلة القطاع العام وتقليص حجمه ما تزال مجرد كلام، حتى تشكيل الحكومة المقبلة”.
الأرقام ودلالاتها
بحسب إحصاءات مجلس الخدمة المدنية لعام 2022، تبلغ نسبة الشغور في ملاك الدولة 73%. فهناك 27,000 وظيفة ملحوظة في الملاك، منها 7,400 فقط مشغولة، والباقي شاغر. كما أن هناك نحو 13,000 موظف تم توظيفهم بشكل عشوائي ومخالف للقانون.
بناءً على ما تقدّم، تصبح إعادة الهيكلة حاجة ملحّة، حتى في ظل غياب الإرادة السياسية. فهي ليست مجرد عملية إدارية، بل تحوّل شامل يهدف إلى تكيّف الحكومة مع التحديات المعاصرة وتعزيز قدرتها على خدمة المواطنين. والمرحلة الحالية تتطلّب من حكومة الرئيس سلام الخروج من الحسابات الانتخابية والنظر بواقعية إلى حاجات الدولة.
مشموشي: المجلس حضّر مشروع مرسوم لإلغاء وظائف لم تعد الحاجة إليها قائمة
السؤال المطروح: كيف يمكن تحقيق هذا الأمر إداريًّا عند اتخاذ القرار السياسي؟
رئيسة مجلس الخدمة المدنية، نسرين مشموشي، توضح لموقع “ليبانون ديبايت”: “من مهام المجلس تقديم اقتراحات لمجلس الوزراء لتنظيم الإدارات أو المؤسسات العامة. فعندما يُرسل إلينا مشروع مرسوم أو قانون لاستحداث أو إلغاء وحدة أو وزارة أو مؤسسة، تتولى وحدة الأبحاث والتوجيه دراسة الحاجة إليها، ثم تراجع وحدة إدارة الموظفين التحقيق الميداني وتضع توصياتها”.
وتضيف: “نقوم حاليًا بدراسة مشروع استحداث وزارة لتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي. وبعد الانتهاء من الدراسة، سنصدر كتابًا بالموافقة أو الرفض. كما نحضّر العديد من الإجراءات التي ستُعرض على رئيس الحكومة وتتعلق بإعادة هيكلة المؤسسات العامة، بانتظار مبادرة الوزارات المعنية”.
وكشفت أن “المجلس حضّر مشروع مرسوم لإلغاء بعض الوظائف التي انعدمت الحاجة لها، وسيُعلَن عنها بعد موافقة مجلس الوزراء، وعددها كبير، مع ضمان حقوق الموظفين إلى حين إنهاء خدمتهم”.
وشدّدت على أن “الهيكلة عملية مستمرة لا تتم بقرارات مفاجئة. لقد وافقنا سابقًا على استحداث هيكليات وظيفية لوزارات كالصناعة، ومؤسسات كمصلحة الليطاني، والمؤسسة العامة للإسكان التي بدأ تطبيقها عام 2023، بما يتوافق مع التطور الرقمي”.
غبريل: القطاع العام هو السبب الأساسي للأزمة
من جهته، يرى رئيس مركز الأبحاث في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، أنّ “القطاع العام هو السبب الأساسي للأزمة المالية والاقتصادية التي يعيشها لبنان، بسبب سوء استخدام السلطة السياسية لهذا القطاع، وسوء إدارة المؤسسات العامة ذات الطابع التجاري”.
ويُوضح أنّ “الإنفاق العام ارتفع من 6.8 مليار دولار في 2011 إلى 18 مليارًا في 2018 من دون وجود موازنات، فيما تم إدخال 18 ألف موظف إلى القطاع العام بين 2014 و2017، بحسب تقرير ديوان المحاسبة، ولأسباب سياسية وانتخابية، وغالبية هؤلاء من دون توصيف وظيفي واضح”.
ويضيف: “التلكؤ في مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، والتهريب عبر الحدود، زاد من تفاقم الأزمة، فيما باتت الخدمات العامة مكلفة جدًّا للمواطن”.
ويقترح غبريل أن “تعتمد إعادة الهيكلة على التأكيد بأن اقتصاد لبنان حرّ وليبرالي، قائم على القطاع الخاص والمبادرة الفردية، يكمله قطاع عام يعمل على تحسين المناخ الاستثماري ورفع التنافسية، مع تخفيض الأعباء التشغيلية وإعادة تأهيل البنى التحتية”.
ويتابع: “يجب تحرير القطاعات التي تحتكرها الدولة، وإدخال المنافسة إليها، عبر استقطاب شركات دولية مختصة، وإنشاء هيئات ناظمة تشرف على الإدارة وتمنع التدخلات السياسية. كما يجب مكافحة التهرب وتقليص حجم الاقتصاد الموازي، لجذب الاستثمارات وخلق فرص العمل”.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|