الصحافة

الخلاف حول تسليم السلاح إلى تصاعد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا يزال موضوع سلاح «حزب الله» في صدارة القضايا التي تثير اهتمام اللبنانيين على الرغم من الانشغال بجولات الانتخابات البلدية والاختيارية اعتباراً من 4 ايار المقبل وبإقرار مشاريع مالية عاجلة بالتزامن مع مشاركة الوفد اللبناني في اجتماعات الربيع في واشنطن لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ولم تكن الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس بعيدة عن تلك الاجتماعات في الولايات المتحدة حيث تحدثت عن «نُدرة القادة الذين يتحلون بالشجاعة الحقيقية الذين هم على استعداد لاتخاذ القرارات الصعبة لتغيير مسار بلادهم»، منوّهة بشجاعة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وكذلك رئيس الحكومة نواف سلام لاتخاذ القرارات الضرورية وهي: «الإصلاح، إعادة بناء الاقتصاد، استعادة الدولة، وضمان احتكارها للسلاح وتقديمها الخدمات الأساسية للمواطنين».

إذاً، يحضر موضوع حصرية السلاح في كل يوم وفي كل موقف في ظل ترقب للحوار المفقود بين رئيس الجمهورية و«حزب الله» الذي تتباين المعلومات بشأنه بين قائل إنه لم تتوافر بعد مستلزماته وترتيباته وقائل إن رسائل بدأت بالتبادل بين قصر بعبدا ومسؤولي «الحزب». وتفيد المعلومات أن التواصل بين القصر و«الحزب» يتم من خلال ممثّلَيْن عنهما هما مستشاره وقريبه العميد المتقاعد في الجيش أندريه رحال ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط في «حزب الله» وفيق صفا. وقد اقتصر التواصل على تبادل أفكار واقتراحات ليس أكثر، تمهيداً لحوار ثنائي يتوقع أن ينطلق بين الرئيس عون ورئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد.

انتظار المفاوضات

ولعل ما يؤخر التعجيل في هذا الحوار هو انتظار قيادة «حزب الله» ما سترسو عليه المفاوضات الأميركية الإيرانية، خصوصاً أن البعض يعتقد أن تصعيد اللهجة من قبل قياديي «الحزب» وفي طليعتهم الأمين العام الشيخ نعيم قاسم وعضو المجلس السياسي محمود قماطي ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا ترتبط برغبة طهران بإظهار امتلاكها لغاية الآن ورقة قوة في لبنان. وفي هذا السياق، جاءت تغريدة السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني التي وصف فيها مشروع نزع السلاح بأنه «مؤامرة واضحة ضد الدول… وبمجرد أن تستسلم تلك الدول لمطالب نزع السلاح، تصبح عرضة للهجوم والاحتلال، كما حصل في العراق وليبيا وسوريا»، محذراً «من الوقوع في فخ الأعداء».

وبات واضحاً وجود اختلاف في الرؤى بين القصر الجمهوري و«حزب الله»، ففيما يتحدث رئيس الجمهورية بوضوح عن حصرية السلاح بيد الدولة وعن أن القرار متخذ وسيُنفذ، ما زال «الحزب» يتحدث عن الاستراتيجية الدفاعية وعن عدم تسليم للسلاح بل عن الاستفادة منه كورقة قوة للبنان في صراعه مع إسرائيل، ما يعني قيام شراكة ملتبسة بين الجيش والجناح العسكري للحزب واستمراراً لمعادلة «جيش وشعب ومقاومة»، وهذا ما عبّر عون عن عدم القبول به من خلال رفضه تكرار تجربة الحشد الشعبي في العراق. وأكثر من ذلك، عمد مسؤولون في «الحزب» في الأيام الأخيرة إلى وضع شروط وأولويات قبل البحث حتى في الاستراتيجية الدفاعية وهي وقف الخروقات الإسرائيلية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط الخمس في جنوب لبنان، وإطلاق الأسرى، وإعادة إعمار القرى والبلدات المهدمة نتيجة العدوان، رافضاً أي حديث عن «انتهاء المقاومة».

وفي وقت يحاول «حزب الله» الإبقاء على علاقة إيجابية مع رئيس الجمهورية ولو ظاهرياً على الأقل والتوضيح أن التهديد بقطع اليد التي تمتد إلى سلاح الحزب ليس موجهاً إلى الرئيس عون، فإن سيّد القصر ما زال يسعى لاحتواء أي توتر وعدم مقاربة أي خلاف إلا بالحوار وبعيداً عن أي استفزاز. وهو وإن تحدث عن أن سنة 2025 ستكون عاماً لحصرية السلاح، إلا أنه يحرص على عدم استخدام عبارات مستفزة ك «نزع السلاح» أو «تسليم السلاح» التي يستخدمها أفرقاء في الحكومة وخارجها وفي طليعتهم «القوات اللبنانية» والكتائب والأحرار والنائب أشرف ريفي سعياً منه لعدم ترك أي انطباع بإنكسار «الحزب» ما يزيد من حالة الإحباط التي تشعر بها الطائفة الشيعية بعد الخسائر التي مًنيت بها جراء «حرب إسناد غزة».

وبهدف تسهيل الحوار والوصول إلى نتائج، يجري الرئيس عون اتصالات مع الدوائر الأميركية راعية اتفاق وقف النار مع فرنسا للتدخل مع إسرائيل لوقف الخروقات الإسرائيلية وإطلاق الأسرى، والضغط لانسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط الخمس على اعتبار أن هذا الاحتلال يعيق استكمال خطة انتشار الجيش اللبناني والإمساك مع قوات «اليونيفيل» بكامل منطقة جنوب نهر الليطاني.

تمايز بري

وسط ذلك، تُطرَح علامات استفهام حول موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يعبّر في مجالسه الخاصة عن علاقة جيدة تربطه برئيس الجمهورية، ويُلاحَظ أنه في كل مرة يزور فيها قصر بعبدا تلتقط الكاميرا عناقه الرئيس عون بخلاف ما كانت عليه الحال مع الرئيس السابق ميشال عون حيث غلبت القطيعة على العلاقة بين بعبدا وعين التينة. وتنعكس هذه العلاقة الطيبة بين عون وبري على لهجة الرئيس بري من موضوع السلاح، إذ إن «الأخ الأكبر» في الثنائي الشيعي لا يُقارب المسألة بنبرة مرتفعة كما يفعل «حزب الله» بل يبدو أقرب إلى التقاطع مع موقف رئيس الجمهورية الداعي إلى التروي والمرونة في الحوار، مع تبني الضغط على إسرائيل للالتزام ببنود اتفاق وقف النار والامتناع عن الخروقات. وفي رأي الرئيس بري أن «الحزب» نفّذ المطلوب منه والدولة نفّذت ما هو مطلوب منها من خلال انتشار الجيش، أما إسرائيل فلم تنفذ المطلوب منها. ويخلص بري إلى أهمية عدم تسليم كل أوراقنا ووضعها على الطاولة. ولذلك يقول «لن نسلّم السلاح الآن قبل تنفيذ الشروط المطلوبة من العدو. سلاحنا هو أوراقنا التي لن نتخلّى عنها بلا تطبيق فعلي لاتفاق وقف النار والذهاب إلى حوار في مصيره».

وإذا كان الرئيس بري يتمايز بنبرته عن «حزب الله»، فإن البعض يسأل عن التمايز حتى داخل «الحزب» بين جناح يؤيد انطلاق الحوار مع الدولة والتخلي عن التنظيم المسلح وجناح آخر متشدد يعترض على أي حوار تكون نتيجته تسليم السلاح. ولا يستغرب خصوم للحزب هذا «التخبط» بين الجناحين ولاسيما بعد الفراغ في القيادة إثر اغتيال الأمين العام السابق السيد حسن نصرالله ثم خليفته السيد هاشم صفي الدين ما ولّد مراكز قوى متنافسة. كما لا يستبعد هؤلاء الخصوم أن يكون نفي «الحزب» إنطلاق الحوار بين رئاسة الجمهورية يُخفي رغبة في إبقاء هذا الحوار بعيداً عن الأضواء تفادياً للإحراج ولعدم حصول أي بلبلة داخل بيئته الحاضنة التي تعتقد أن السلاح هو القادر فقط على حمايتها.

للصبر حدود

لذلك، فإن الاستعدادات للحوار لا تزال في إطار افتراضي إلا في حال تراجع «حزب الله» عن شروطه المسبقة وعن اندفاعة مسؤوليه في الفترة الأخيرة لرفع اللهجة قبل نقاش استراتيجية الأمن الوطني بما يحول دون أي فرملة لإنجاز القرار 1701 بكامل مندرجاته من دون الحاجة إلى وضع جدول زمني لتسليم السلاح بدل إبقائه في الكهوف وبطون الجبال أو في مخازن المباني، بما يتعارض مع ما ورد في خطاب القسم أو في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية التي التزمت تطبيق ما ورد في اتفاق الطائف من بسط لسلطة الدولة على كامل أراضيها وضمناً ما أقرّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من موافقة على اتفاق وقف إطلاق النار وعدم وجود سلاح خارج إطار الشرعية.

واللافت أن «حزب الله»، الذي سبق أن تنصّل من مقررات «إعلان بعبدا» حول الحياد في عهد الرئيس ميشال سليمان، لا يتوانى عن توجيه السِهام إلى الدولة اللبنانية وإظهارها بمظهر العاجز أو المتفرّج تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، منتقداً اعتمادها فقط على الخيار الدبلوماسي، ويدعوها من حين إلى آخر إلى تحمل مسؤولياتها في مواجهة هذه الاعتداءات والقيام بخطوات عاجلة ورادعة، ملوّحاً بأن للصبر حدوداً. وهذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها «الحزب» على لسان قادته إلى عدم اختبار صبره. فقد سبق للشيخ نعيم قاسم بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار أن حذّر في مطلع كانون الثاني من «أن صبرنا على الخروقات الإسرائيلية مرتبط بقرارنا حول التوقيت المناسب الذي نواجه فيه العدوان الإسرائيلي والخروقات، وقد ينفد قبل الستين يوماً وهذا أمر تقرره قيادة المقاومة». وقد مرّت الستون يوماً وفوقها ستون يوماً أخرى ولم يعمد «حزب الله» إلى الرد على الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية لإدراكه أنه فقد قوة الردع، وأن الطائفة الشيعية دفعت أثماناً باهظة نتيجة الحرب، وأن تل أبيب تتحيّن الفرصة لمعاودة عدوانها كما حصل بعد إطلاق الصواريخ من شمال نهر الليطاني حيث لم يتورّع الطيران الحربي الإسرائيلي عن قصف الضاحية الجنوبية لبيروت.

لا حل إلا بالدبلوماسية

وفي سياق رده على مثل هذه الانتقادات الصادرة عن «الحزب»، كان الرئيس جوزاف عون واضحاً قبل يومين بقوله «لا حل إلا بالدبلوماسية، وأن اللبنانيين ملّوا الحروب»، موضحاً «ان العمل الدبلوماسي قد لا يعطي نتيجته سريعاً لكننا نعمل يومياً مع الجهات الدولية بعيداً عن الإعلام لتحقيق الغاية المطلوبة».

أما الأسباب الموجبة لتصريحات «حزب الله» فهي تتعلق باستيعاب النقمة داخل الطائفة الشيعية، إذ مع مرور الوقت بدأ يشعر من تهدمت بيوتهم وخسروا ممتلكاتهم بأن الوعود التي أعطيت لهم بالتعويض عليهم وبإعادة البيوت أجمل مما كانت ذهبت مع أدراج الرياح ولم يحصلوا إلا على القليل القليل من هذه التعويضات. من هنا، يلقون المسؤولية على عاتق الدولة اللبنانية أولاً، ويشجبون ثانياً وقف رحلات الطائرات الإيرانية من وإلى مطار بيروت والتي كانت تنقل أموالاً من طهران إلى «الحزب»، ويطلقون الوعود بأن المقاومة باقية ومستمرة لرفع المعنويات وشد العصب الانتخابي سواء قبل موعد الانتخابات البلدية المرتقبة في شهر ايار المقبل، والأهم الإبقاء على السلاح حتى موعد الانتخابات النيابية المقررة في ايار 2026، إضافة إلى تسعير الحملة ضد «القوات اللبنانية» ووزرائها على خلفية مطالبتهم أولاً بوضع جدول زمني لتسليم السلاح لا يتجاوز 6 أشهر، لأن هذا التوقيت لا يتطابق مع ما يريده «الحزب» من استغلال السلاح للتأثير في نتائج الانتخابات. وثانياً بسبب مواقف وزير الخارجية يوسف رجي الذي يتهمونه بكونه يتصرّف كوزير حزبي وليس كوزير لكل لبنان. وما زاد في الحملة عليه هو إستدعاؤه السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني على خلفية تغريدته التي اعتبرت تدخلاً في الشؤون اللبنانية الداخلية.

اهتزاز الحكومة؟

ويؤشر هذا التراشق السياسي وإنعدام التوافق على حوار حتى الساعة على تسليم السلاح طوعاً للجيش اللبناني إلى مرحلة من التصعيد كلما اقتربت نهاية المهلة الزمنية لحصر هذا السلاح بيد الدولة. وتعتبر أوساط «القوات اللبنانية» أن «حزب الله» لم يهضم بعد وجود سلطة تتمسك بالدستور وبالبيان الوزاري، فكيف سيهضم وجود وزراء في الحكومة يتحدثون بلغة واضحة ومن دون أي تورية أو تأويل ويسمّون الأشياء بأسمائها؟
ولكن هل تمهّد هذه الخلافات إلى اهتزاز داخل الحكومة اللبنانية؟

اللافت أن البعض طرح احتمال ألا يكون خروج «القوات» من الحكومة مفاجئاً بحجة عدم التزامها ورئيس الجمهورية بالتعهدات التي قُدمت في بداية العهد حول نزع السلاح. إلا أن أوساط «القوات اللبنانية» استهجنت هذا الطرح، وأكدت أنها «في وضع تكاملي مع رئيسي الجمهورية والحكومة، ومَن يظن أن القوات ستقدم له هدية خروجها من الحكومة سيكون مخطئاً لأنها باقية في الحكومة، وخروجها غير مطروح لا من قريب ولا من بعيد».

سعد الياس - القدس العربي

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا