لبنان بين انعدام خبرة أورتاغوس… وانكفاء “الحزب”
يصعب الفصل بين الغارة الإسرائيلية على حيّ الجاموس بالضاحية الجنوبية لبيروت يوم الأحد، وبين انفجار مرفأ “رجائي” في بندر عباس الإيراني السبت. فبنيامين نتنياهو يلعب ضمن هامش أتاحه الدعم الأميركي اللامتناهي له، على الرغم ممّا يقال عن تمايز بينه وبين دونالد ترامب الذي يريد تهدئة ولو مؤقّتة قبل زيارته للمنطقة بدءاً بالمملكة العربية السعودية في 13 أيّار المقبل.
مع نفي تل أبيب علاقتها بانفجار ميناء بندر عبّاس، فإنّ ما تضمّنه خطاب بنيامين نتنياهو عن أنّ أيّ اتّفاق مع إيران يجب أن يشمل الصواريخ البالستية، أوحى بأنّ إسرائيل تقف خلفه.
الدّور الإسرائيليّ في بندر عبّاس
نتنياهو أعاد التشديد على نجاح حروبه على جبهات عدّة في تغيير الشرق الأوسط، وركّز على أهمّية ضرباته لإيران و”الحزب”. وفي وقت أفاد الجانبان الأميركي والإيراني بتقدّم محادثات عُمان الأخيرة التقنيّة المتّصلة بتخصيب اليورانيوم الإيراني، بدا نتنياهو معترضاً بدعوته إلى تفكيك البنية التحتية النووية لإيران بالكامل، على الطريقة الليبية.
ما عزّز ترجيح فرضيّة الاستهداف الإسرائيلي لميناء بندر عبّاس تصريحات النائب في البرلمان الإيراني محمد سراج. فهو اتّهم إسرائيل بالوقوف خلفه وبزرع متفجّرات في الحاويات التي حملت موادّ متفجّرة. وتحدّث عن حصول أربعة انفجارات في وقت واحد أدّت إلى اندلاع الحريق الهائل الذي نشب. هذا علاوة على التسريبات التي نشرها إعلام إسرائيلي بأنّ الموادّ المنفجرة تُستخدم في صناعة الوقود الصلب للصواريخ البالستية، التي ألحّ نتنياهو على أن تشملها المحادثات في الملفّ النووي.
ما يتقنه نتنياهو
مهما كانت فحوى المحادثات في عُمان ونتائجها، وهما أمران ما يزالان غير متاحين علناً حتّى الساعة، فإنّ التأكيد الأميركي الإسرائيلي المتبادل، السابق واللاحق لها، للتنسيق العسكري الوثيق بين الدولتين، يشكّل غطاءً مسبقاً لنتنياهو يتقن الإفادة منه لتنفيذ سياسته. يضاف إلى مواكبة إسرائيل لمحادثات النووي، أنّ التنسيق الوثيق بين الدولتين الحليفتين قضى بإطلاع إدارة ترامب على خطط إسرائيل لقصف إيران وبنيتها التحتية النووية والعسكرية، والإدارة وعدت بتوفير الدعم لنتنياهو، لكنّها دعته إلى التريّث بانتظار استكشاف توجّهات طهران. لا يكتفي نتنياهو بذلك ويعتمد على اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، وعلى انحياز الفريق المحيط بترامب الكامل لكلّ ما تنويه الدولة العبرية.
بين الخبراء في أسلوب ترامب من يرى أنّه يعتبر الضربات الإسرائيلية المنتقاة لإيران هي إحدى وسائل “الضغوط القصوى” عليها، إضافة إلى العقوبات.
عون يحمّل أميركا مسؤوليّة التّمادي الإسرائيليّ
أمّا في ما يتعلّق بقصف الضاحية الجنوبية في لبنان، فإنّ ادّعاء مكتب نتنياهو أنّه استهدف مبنى لتخزين الصواريخ لا يخرج عن سياق خبرته في التلاعب بدعم واشنطن. يشمل ذلك تبرير بعض العمليّات العسكرية بوقائع غامضة.
لم يكن عن عبث أنّ رئيس الجمهورية العماد جوزف عون حمّل راعيَي اتّفاق وقف النار أميركا وفرنسا مسؤوليّة وضع حدّ لعمليات إسرائيل العسكرية ولاستمرار احتلالها، للمرّة الأولى في شكل علنيّ. كذلك فعل رئيس الحكومة نوّاف سلام ووزارة الخارجية بدعوة راعيَي الاتّفاق إلى لجم التصعيد الإسرائيلي. ويبدو أنّ المقصود بذلك الجانب الأميركي، لأنّ المسؤولين اللبنانيين يدركون أنّ باريس تمارس ضغوطاً للجم الاندفاع الإسرائيلي، وتسعى إلى تصويب الموقف الأميركي الضاغط على لبنان فوق ما يحتمل لتسريع إجراءات نزع سلاح “الحزب”.
أورتاغوس الفاقدة للخبرة
مع مراعاة الحكم الجديد في لبنان للحاجة إلى الدعم الأميركي من أجل إخراجه من نتائج الحرب، يمعن النهج الأميركي في عرقلة تعافي البلد:
– في وقت حذّرت الموفدة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس من ربط “الحزب” تسليم سلاحه بالمفاوضات الأميركية الإيرانية، ها هو نتنياهو يربط بين المسألتين باستغلاله مسألة وجود “الحزب” شمال الليطاني لتوجيه رسائل لمفاوضات عُمان انطلاقاً من الضاحية الجنوبية، أي أنّ إسرائيل، وليست إيران وحدها، باتت ترهن التهدئة على جبهة لبنان بهذه المفاوضات.
– كانت أورتاغوس أبلغت الحكومة اللبنانية، بعد قصف إسرائيل الضاحية ردّاً على إطلاق صواريخ من الجنوب على أراضيها في 22 آذار الماضي، أنّ الجيش الإسرائيلي سيتوقّف عن استهداف الضاحية إلّا إذا تكرّر قصفها بالصواريخ. الجيش الإسرائيلي قصف الضاحية مجدّداً الأحد على الرغم من أنّه لم تُطلق أيّ صواريخ من لبنان. وكشف الجيش اللبناني خليّة من ناشطين في “حماس” كانوا أطلقوا صواريخ من الجنوب.
– أورتاغوس نفسها تمتنع عن الضغط على نتنياهو لوقف انتهاكات اتّفاق وقف النار، وتركت انطباعاً شديد السلبية لانحيازها الفاقع لإسرائيل وتصعيدها الضغوط على لبنان. وقلّة خبرتها ومعرفتها بالسياسة اللبنانية وتشابكها مع الوضع الإقليمي تسبّبت بارتكابها أخطاء غير مألوفة: أوّلها شكرها إسرائيل من منبر القصر الجمهوري لضربها “الحزب” فاضطرّت الرئاسة إلى التبرّؤ من كلامها. وثانيها إنهاؤها اجتماعها مع قائد الجيش العماد رودولف هيكل في زيارتها الأخيرة بطريقه بعيدة عن الدبلوماسية، بسبب استخدامه تعبير “العدوّ الإسرائيلي” أثناء الحديث عن الانسحاب من الجنوب، ورفضها استخدامه تعبير “المستوطنين الإسرائيليين” مطالبةً باعتبارهم “مواطنين”. والثالث هو “الفاول” الذي ارتكبته مع الرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط في ردّها على انتقاده شروطها على لبنان بحديثها عن المخدّرات. وهو أسلوب يعبّر عن جهل في دور الزعامة الجنبلاطية، وترك امتعاضاً واسعاً منها.
“الحزب” مع اللّجوء لمجلس الأمن؟
– ممثّل أميركا في اللجنة الخماسية لآليّة تنفيذ وقف النار الجنرال جيفري جيفرز يغيب عن البلد بين الفينة والأخرى في شكل يجمّد عمل هذه الآليّة، على الرغم من استمرار ممثّل فرنسا العميد غيوم بونشان في رصد الانتهاكات للاتّفاق.
– يمتنع “الحزب” عن الردّ على الانتهاكات الإسرائيلية نظراً إلى تراجع قدرته الردعيّة وبات يطالب الحكومة باللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية التي كان يستخفّ بها سابقاً، ويطلب تقديم شكوى لمجلس الأمن.
وليد شقير -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|