محافظ السويداء: اتفاق أمني داخلي جديد وحصر السلاح بيد الدولة
هل يلقى دروز سوريا مصير علويّي الساحل؟
أطلّ العنف الطائفي برأسه مجدّداً في الربوع السورية ليهدّد النسيج المجتمعي الهش أصلاً في البلاد. فبعد مرور أسابيع على حوادث العنف الطائفي التي عصفت بالساحل السوري وراح ضحيّتها عدد كبير من العلويين وبعض المسيحيين، جاء دور الدروز هذه المرّة ليشتبكوا بالنار مع قوات الأمن السورية والقوات الرديفة لها.
فقد ألهب مدينة جرمانا الواقعة في جنوب شرق دمشق وذات الغالبية الدرزية - المسيحية، تسجيل صوتي قِيل إن مسجّله رجل درزي توجه فيه بشتائم وكلام نابٍ للنبي محمد، وقد انتشر هذا التسجيل كالنار في الهشيم بين السوريين، وكان سبباً لخروج تظاهرات غاضبة في مدن سورية عدّة، تلتها اشتباكات أدمَت مدينتي جرمانا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، قبل أن تنسحب إلى مناطق أخرى ذات ألوان مذهبية متنوّعة، متسبّبة بسقوط مزيد من القتلى في صفوف الدروز وقوات الأمن.
وقد سارع المواطنون السوريون الدروز إلى مغادرة مناطق الاشتباكات، خوفاً من أن يلقوا مصير العلويين في الساحل، إذ إن حوادث الساحل لا تزال ماثلة أمام أعينهم، وما يزيد من ريبتهم، وجود مقاتلين أجانب في صفوف القوات السورية الوليدة، والتي يُقال إنها تتصرّف في العديد من الأحيان من تلقاء نفسها وتبادر إلى شن عمليات عسكرية من دون إخطار السلطة الأمنية المركزية، ما يؤدّي إلى فوضى عارمة يتخلّلها سفك دماء مواطنين سوريين أبرياء.
البندقية للدفاع وليس للقتال
لا يغيب عن بالنا أن الجيش السوري الجديد، هو عبارة عن فصائل إسلامية مقاتلة تمّ ضمّها إلى صفوفه مكافأةً لمساهمتها في دحر قوات الأسد الفارّ، ومنح بعض مقاتليها الأجانب رتباً عسكرية عالية، وهو أمر أثار سخط واستغراب الداخل والخارج. وبطبيعة الحال، فإن لكلّ فصيل من هذه الفصائل أجندته الخاصة، ربّما المشبّعة بأفكار أصولية، وهو ما يُثير هواجس السوريين، خصوصاً الأقليات منهم. ففي جرمانا مثلاً، اندلعت الاشتباكات في بادئ الأمر بين المسلّحين الدروز والقوات السورية الرديفة، وليس قوات الأمن العام، وقد أكدت السلطات السورية لاحقاً أن القوات الرديفة تحرّكت منفردة أي من دون قرار عسكري مركزي، ما أدّى إلى فوضى كبيرة وسقوط ضحايا من كلا الطرفين، قبل أن تتمكّن القوات الأمنية الأصيلة من الإمساك بزمام الموقف وإعادة الهدوء الذي سيبقى مشوباً بالحذر، نظراً لتجدّد الاشتباكات في المناطق الدرزية بين الفينة والأخرى.
ومن المنظور السوري الدرزي، من الطبيعي أن تتمسّك ما تُعرف بـ "اللجان الشعبية المسلّحة"، خصوصاً الدرزية منها، بسلاحها لحماية مناطقها، ولا يمكن مطالبتها بنزع هذا السلاح، في ظلّ تمدّد "الميليشيات السلفية المسلّحة" في جسم الجيش السوري. وبالنسبة إلى دروز سوريا، الذين تمسّكوا بالسلاح بعد عسكرة الثورة السورية، وأغلقوا مناطقهم في وجه جيش النظام البائد، فإن البندقية هي للدفاع عن النفس وليس للقتال، وعندما تطمئنهم فعلياً الدولة السورية يتخلّون عنها.
تقديم الطاعة لعائلة الأسد
إذا أردنا الغوص قليلاً في أسباب العنف الطائفي المتجدّد في سوريا، نجد أن "مؤتمر الحوار الوطني" الذي عُقد أخيراً لم يكن شفافاً بالنسبة إلى العديد من السوريين، فالسلطة الحاكمة برئاسة أحمد الشرع تعمّدت استثناء مكوّنات سورية أساسية من هذا المؤتمر ومن الحوار بشكل عام، وهو أمر يدعو هذه الأقليات إلى القلق على مصيرها وإلى التمسّك بسلاحها وإبقاء أصبعها على الزناد. فضلاً عن ذلك، فإن السوريين ترعرعوا في كنف نظام ديكتاتوري لأكثر من خمسة عقود، وكانوا مطيعين وإن مكرَهين لهذا النظام، وبالتالي لم يكن ولاؤهم لبعضهم بعضاً بل للنظام ولم يكن هناك تعايش حقيقي في ما بينهم، بل كان همّهم الأوحد تقديم الطاعة لعائلة الأسد، وكلّ ذلك أدّى إلى غياب الشعور بالمواطنية الحقّة، وانعدام الثقة بين المكوّنات الطائفية والمذهبية المتنوّعة.
وفي ظلّ الاشتباكات الطائفية الدائرة على المسرح السوري، يتعزز جنوح السوريين نحو أفكار تقسيمية، وهو أمر يُدخل غبطة كبيرة إلى نفوس صنّاع القرار في الجارة العبرية، المتوجّسة من حكم "الجولاني السابق" وسجله السلفي، والتي تسعى جاهدة إلى إقامة دويلات صغيرة مفتّتة على حدودها، لا تشكّل تهديداً لها. وفي حال دروز سوريا، فإنهم يطلبون حماية دولتهم أوّلاً، لا أن يُترك الأمر للإغراءات الإسرائيلية، والتي بدت جليةً في الغارات الجوية التي شنها الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة على سوريا، مدّعياً أنها لحماية الدروز، وفي مواقف المسؤولين الإسرائيليين المدافعة عن دروز سوريا، وطبعاً كلّ ذلك إرضاءً أيضاً للدروز في الدولة العبرية، ولانخراطهم التاريخي الكبير في صفوف الجيش الإسرائيلي.
إذاً ما يحصل مع الدروز على الحلبة السورية، يُشكّل بوابة مثالية تتيح لتل أبيب التسلّل من خلالها لتنفيذ أجندتها التقسيمية، الرامية أساساً إلى إبعاد المقاتلين السنة عن حدودها الشمالية، واستبدالهم ربّما بدولة درزية تشكّل لها درعاً واقعياً وعمقاً عازلاً يفصل بين أراضيها وبين الأراضي السورية الملتهبة.
فهل ستعرف سوريا الاستقرار والسكينة في المدى المنظور، بعد عقود سود من القبضة الديكتاتورية الأسدية؟ أم كُتب لها عيش الاضطرابات فوق صفيح ساخن تتشابك فيه المصالح والحسابات الإقليمية والدولية المتشعّبة؟
نايف عازار - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|