من 1998 الى 2025... "نسخات" متكررة من الجهل لبلد يقتات من التخلُّف...
تسوية "مؤقّتة" في السويداء: بداية طريق الفدرالية
تشهد محافظة السويداء انفراجة ميدانية وانخفاضاً في مستوى التوتر، بعد بدء تطبيق البنود الأولى من الاتفاقية الموقّعة مع الإدارة الجديدة، والتي تقضي بانضمام نحو ألفَي عنصر محلي إلى هيكلية وزارة الداخلية، حيث سيتولون ضبط الأمن في المحافظة، مقابل انسحاب قوى الأمن الأخرى. ويأتي ذلك وسط جدل مستمر حول اشتراط الإدارة تسليم الأسلحة الثقيلة التي تمتلكها فصائل المحافظة، ورفض الأخيرة تطبيق هذا الشرط.
ولم يولد الاتفاق الذي انطلق تطبيقه من قرية صورة الكبرى، والتي شهدت انسحاب «الأمن العام» منها وتسليمها للفصائل، إلا بعد مخاض عسير اختصره رفض الإدارة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لتلك التسوية سابقاً، ومحاولتها فرض سلطة مركزية على المحافظة، عبر عرض اندماج المقاتلين في هيكلية وزارتَي الدفاع والداخلية، وتنويع العناصر الموجودين في السويداء، خوفاً من تأسيس حالة «حكم ذاتي» قد تتحوّل في ما بعد إلى عقدة يصعب حلها.
على أن الهجمات الأخيرة التي تعرّض لها الدروز في صحنايا وأشرفية صحنايا وجرمانا على أطراف دمشق، والسويداء في الجنوب، وما تخلّلها من انتهاكات على أساس طائفي، في امتداد لحوادث مماثلة انفجرت في الساحل في السادس من آذار الماضي، وضعت قضية السويداء في صدارة المشهد، ودفعت إلى التسوية التي تبلورت إخيراً. وجاء هذا على وقع محاولات إسرائيل المستمرة استثمار مسألة حماية الأقليات (الدروز على وجه الخصوص) لتوسيع نفوذها في البلد المنهار، والمترافقة مع بعثها برسائل نارية عبر شنّ غارات على محيط القصر الرئاسي، وسلسلة غارات أخرى على مواقع تتمركز فيها بعض الفصائل في الساحل والوسط.
وتزامن البدء بتطبيق الاتفاق مع تكريس حالة انقسام داخلي في الموقف الدرزي، على خلفية ميل طرف إلى التفاهم مع دمشق (يقوده شيخا العقل حمودة الحناوي ويوسف جربوع، وعدد من الفصائل الفاعلة في المحافظة)، ورفض آخر يقوده شيخ العقل حكمت الهجري، ومعه «المجلس العسكري في السويداء»، لأي اتفاق مع السلطات القائمة قبل إجراء تغييرات جوهرية فيها، بشكل يضمن تمثيلاً لجميع الطوائف، وإبعاداً للفصائل المتشدّدة.
ويتضمّن الاتفاق، إلى جانب تسليم إدارة المحافظة أمنياً لـ»قوى الأمن الداخلي» الناشئة، تعهّداً من قبل السلطات بتأمين طريق السويداء – دمشق، وجملة من البنود الأخرى غير المعلنة، تشمل إطلاق سراح عدد من المخطوفين الذين تمّ اقتيادهم من جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا، بالإضافة إلى فتح تحقيق في الهجمات التي شنّها المتشدّدون ومعاقبتهم، خصوصاً بعد انتشار تسجيلات عديدة توثّق عمليات قصف بقذائف الهاون على بعض قرى السويداء أمام أنظار «الأمن العام»، وأخرى توثّق إهانة المسلحين لعدد من المختطفين، إلى جانب عمليات الاغتيال والقتل على الهوية التي وقعت في الأيام الماضية.
وعلى الرغم من رفض فصائل السويداء تسليم الأسلحة الثقيلة التي بحوزتها، وهي أسلحة قامت بالاستيلاء عليها بعد سقوط نظام بشار الأسد وهروب عناصر الجيش من القطع والمراكز العسكرية، سارعت دمشق، عبر محافظ السويداء، مصطفى البكور، إلى الإعلان عن بدء تطبيق الاتفاق، وقبول انسحاب جميع القوى غير المحلية من المحافظة، الأمر الذي يجعل وجود المحافظ نفسه في السويداء شكلياً. والواقع أن مسارعة الشرع إلى القبول بهذا الاتفاق، يمكن اعتبارها خطوة تكتيكية تهدف إلى كسب مزيد من الوقت لترتيب الملفات العديدة المتراكمة، ومن بينها إصرار الأكراد على إقامة نظام فيدرالي، واستمرار المتشدّدين في ارتكاب انتهاكات ومجازر بحق الأقليات في الساحل والوسط بحجة «محاربة الفلول».
وبالتوازي مع الضغوط الداخلية المتزايدة، جاءت ردود الفعل الغربية على أحداث السويداء لتكون بمثابة جرس إنذار؛ إذ عبّرت الولايات المتحدة، التي رفضت الاعتراف بالحكومة الجديدة قبل تنفيذ ثمانية شروط، أبرزها إبعاد المتشدّدين، وفتح الأراضي والأجواء السورية لعمليات ملاحقتهم من قبل القوات الأميركية، والتعاون مع واشنطن في هذا الملف، عن قلقها واستيائها من تصاعد أعمال العنف تجاه الأقليات.
وهو الموقف نفسه الذي تبنّته بريطانيا، التي اجتزأت وسائل إعلام محسوبة على الإدارة بيان خارجيتها، ونشرت الجزء المتعلق بدعوة إسرائيل إلى الامتناع عن أي أعمال قد تؤدّي إلى زعزعة الاستقرار السوري، وأسقطت الجزء الذي قالت فيه الخارجية إن «المملكة المتحدة هالتها الاعتداءات التي وقعت أخيراً ضد الدروز في سوريا، ونهيب بالسلطات اتخاذ خطوات لاستعادة الهدوء، وحماية المدنيين من العنف، ومحاسبة المسؤولين عن العنف».
وبالعودة إلى مفاوضات دمشق مع الفصائل وشيوخ عقل الطائفة الدرزية، بدا واضحاً سعي السلطات الانتقالية لفصل ملفَّي السويداء عن جرمانا وصحنايا، مقابل إصرار وجهاء السويداء على الربط بين الملفين، قبل أن يتم التوصل إلى حل وسطي يبدو أنه أقنع الدروز، حتى الآن، بالمضي قدماً في الاتفاق، لإبعاد المتشدّدين عن محيط محافظتهم، وإعادة الهدوء، تمهيداً لجولات أخرى من المفاوضات حول السلاح الثقيل.
وإذ لم يقطع الاتفاق الطريق على المساعي الإسرائيلية المستمرة لاستغلال ملف الدروز، فإنه أوجد حلاً وقتياً يمكن أن يؤسّس لشكل من أشكال الحكم، يمنع إقامة نظام فيدرالي بصورة قانونية، ويفرض حالة إدارة ذاتية تطمئن الدروز، على غرار الاتفاق الموقّع مع «قسد»، والذي تعرّض لبعض الانتكاسات أخيراً بعد ظهور الأصوات المطالبة بنظام فيدرالي حقيقي. ويجعل ذلك مصير السويداء مرتبطاً بشكل أو بآخر بمصير «قسد»، والعكس صحيح أيضاً.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|