الصحافة

عبد الناصر يدين الممانعة من قبره

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كأنّ للتاريخ قوانينه الفيزيائية الخاصة، تُطمر فيه الحقائق لعقود، ثم تعود إلى السطح كأنها مصمّمة لتصحّح المسار. تسجيلٌ صوتي نادر لجمال عبد الناصر، مدّته 17 دقيقة، يكفي لنسف عقائد وسياسات سادت لأكثر من نصف قرن، ويهدم منظومة فكرية طالما استُخدمت لاغتصاب الحق والحقيقة.

تكمن أهمية هذا التسجيل في أنه يصدر عن الزعيم الذي كان يُعدّ المُلهم الأول لما سُمّي بـ "محور الصمود والتصدي". لكنه مات قبل أن يقود حملة عنوانها "لقد كنّا على خطأ". 17 دقيقة كانت كفيلة بإسكات آلاف الخطب والكتب التي أنتجتها ماكينة التبرير والاستبداد، وبنسف شرعية طغاة حكموا باسم عبد الناصر، وقتلوا الملايين بشعاراته التي عاد هو نفسه وراجعها بجرأة، بينما الورثة المزيفون تجاهلوها عن عمد.

جريمة هؤلاء لا تقتصر على ما فعلوه، بل في معرفتهم الأكيدة بأن ناصر غيّر قناعاته في سنواته الأخيرة، وأنهم بلغوا الخلاصات ذاتها، ثم قرروا تجاهلها، مواصلين الاستثمار في الشعارات الفارغة والمزايدات العقيمة حول الصراع العربي-الإسرائيلي، فقط لتبرير استمرار أنظمة قهرٍ واستبدادٍ كرّست التخلف والفقر.

محور "الممانعة" الحالي، بزعامة "حزب الله"، ليس إلا امتداداً باهتاً لما كان يُسمّى "الرفض العربي". والمصائب ذاتها التي عصفت بنا بالأمس، ما زالت تطاردنا اليوم، وتغرقنا أكثر في ثقب أسود من التخلف والعزلة الحضارية.

لو وُجدت ذرّة من المسؤولية الأخلاقية لدى هذا المحور، لكان تسجيل عبد الناصر كافياً لإطلاق مراجعة جذرية توقف هذا الجنون السياسي الذي يُبقي الشعب اللبناني رهينة خيارات باتت تنتمي إلى مزبلة التاريخ.

هذا التسجيل سيفرض نفسه، بلا شك، في فضاء النقاش العربي، وسيمنح دفعة إضافية لفكر عربي جديد يتنامى بثبات، فكر يجرؤ على المراجعة، ويواجه النفاق الذي خيّم على الخطاب السياسي العربي لعقود.

أما في السياق اللبناني، فهو يصب في صحة سلسلة من المراجعات الجريئة التي قامت بها قوى يسارية ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي اعترفت بأخطاء وخطايا اقترفتها في مفاصل حساسة من تاريخ لبنان الحديث. أما فظائع "البعث السوري" وجرائمه، فهي تتكشّف تباعاً، عبر شهادات تُبثّ يومياً على منصات التواصل والبودكاست، يقدّمها معارضون ومنشقون سوريون، يفضحون ممارسات النظام بحق شعبه وشعب لبنان.

هذه الشهادات ليست فقط توثيقاً للتاريخ، بل صفعة مستمرة لكل من كانوا أدوات للنظام السوري في لبنان من سياسيين وأمنيين وصحافيين، ممن لا يزالون يسمعون ويعلمون... ولا يخجلون.

وفي غمرة ما يلفظه التاريخ من تحت ركام النسيان، لا بد من تحية لكل الأحزاب والقوى والتيارات التي ناهضت مشاريع الهيمنة، ورفضت أخذ لبنان رهينة لمحاور الصراع والشعارات الجوفاء، من "الرفض العربي" في الأمس إلى "الممانعة" في الحاضر. إلى هؤلاء، من مفكرين وساسة ومقاومين للهيمنة، الذين دافعوا عن الحرية والكرامة والسيادة، غالباً وهم من دون سند دولي... إليهم يرفع عبد الناصر، بصوته المتأخر، قبعة الاعتراف والتقدير.

إنه تسجيل لا يُقرأ كوثيقة من الماضي، بل كإدانة حارقة للحاضر. فمن لا يزال يرفع شعارات عبد الناصر بعد أن تبرّأ منها، لا يفعل ذلك إلا لخداع الشعوب واستمرار استعبادها. ولأننا نعيش في زمن انكشاف الأقنعة، فإن صوت الحقيقة، مهما تأخّر، لا بد أن يعلو فوق ضجيج المزايدات. أما أولئك الذين يعرفون الحقيقة ويصرّون على طمسها، فسيحكم عليهم التاريخ مرتين: مرة بصمتهم، ومرة بخيانتهم.

أمجد اسكندر -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا