الصحافة

ألماس الدم... نفط... عقوبات... الحقيقة الموازية لـ"منتشرين" و"كلنا إرادة"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

شيطن السجال السياسي مع "كلنا إرادة" مفهوم المساءلة، وحوّلها مفردةً غير مرغوب فيها، رادفها بحماية المافيا أو المنظومة، واعتبر أن تصويب النقاش العام يُخفي خلفه أجندة مصرفية، كما اعتبر أن الثورة نقيّة بكلّ تمخضاتها وأحزابها. ومن أجل تخطّي وتجاوز ما يصدر يومياً عن منصات الإعلام البديل، من دون التدقيق في المعطيات، يلزمنا الإقرار، أوّلاً، بأن مفهوم المساءلة يفترض "جردة حساب" ويتطلّب ثانياً ترك أي أحكام مُسبقة، والتدقيق بالمُعطيات والحقائق بعين إعادة النظر.

عودة إلى الوراء

فلنُعد النظر بحزب "منتشرين" التغييري، برئاسة المحامي حسين علي العشي. فما بدا حزباً مدنياً حديثاً، انكشفت خلفه شبكة قانونية ومالية ترتبط مباشرة بتمويل "حزب الله"، وبالالتفاف على العقوبات المفروضة على النظام السوري الأسدي السابق.

هكذا وفيما قدّمت انتفاضة 17 تشرين في لبنان فرصة لإعادة صياغة الحياة السياسية، تسلّل إلى صفوفها من تمرّس في الالتفاف على الوقائع، مرتدياً ثوب الإصلاح.

صحيح أن مكتب العشي للمحاماة، أسقط تمثيل كل الشخصيات والشركات الخاضعة للعقوبات الأميركية والأوروبية لارتباطها بـ "حزب الله"، بعد انكشافها، إلا أن ذلك لا يعفي مؤسس وأمين عام حزب "منتشرين"، حسين العشي بصفته "مسؤول العلاقات الدولية والمحلية" في مكتب والده، من المسؤولية.

مثل مكتب العشي شركة "ناسكو بوليمرز"، إلا أن العشي الأب لم يكن محامي رجل الأعمال اللبناني - البلغاري فادي نبيه ناصر (الخاضع للعقوبات) فحسب، بل كان شريكه في الأعمال كذلك. إذ يرد اسم العشي كوكيل قانوني وشريك مؤسس وعضو في مجلس إدارة شركة أخرى من شركات ناصر تدعى "ناصر بتروليوم كومباني أوف شور".

كذلك، في إحدى شركات ناصر الأخرى وهي "أفريكان بوليمرز أند كيميكالز كومباني أوف شور"، يدرج العشي بصفته مساهماً ووكيلاً قانونياً. إضافةً إلى ذلك، يرتبط العشي وناصر بشركة أخرى تدعى "جوى تريدينغ" (Jawa Trading) ش.م.ل. (أوف شور). بحيث يعمل العشي مستشاراً قانونياً لهذه الشركة بينما يشغل ناصر منصب رئيس مجلس إدارتها.

والملفت أن نور العشي، من مؤسسات حزب "منتشرين" عملت في غالبية مكاتب ناصر قبل انتقالها للعمل في جمعية "إمبرايس"، مع مؤسسة الجمعية ميا عطوي، التي كانت من مؤسسي حزب "منتشرين" كذلك.

ومن المثير للاهتمام أن المدير العام وصاحب الأغلبية من أسهم "جوى تريدينغ" طلال الحاج أحمد هو أيضاً المدير العام وصاحب الأغلبية من أسهم شركة "آبار بتروليوم سيرفيسز"؛ مما يربط الشركتين ببعض (حيث إن لهما المدير التنفيذي نفسه).

وتجدر الإشارة إلى أن الأخيرة (آبار بتروليوم) مرتبطة برامي مخلوف (عبر مستشاره المالي بسام الصبّاغ)، والأهم أنها خضعت أيضاً للعقوبات بتهمة العمل مع الحكومة السورية الأسدية على الالتفاف على العقوبات واستيراد النفط الخام والمنتجات البترولية إلى الموانئ السورية قبل سقوط النظام.

ومن المهم أيضاً التنويه بأن جميع الشركات المذكورة في هذا التحقيق الاستقصائي، مسجلة في لبنان، لكنها تمارس أنشطة تجارية في أوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا. كما مثّل مكتب العشّي قانوناً المدعو عمّار مدحت شريف، وهو رجل أعمال سوري بارز ينشط داخل سوريا فُرضت عليه عقوبات مالية أوروبية.

كان مؤسس "منتشرين" بموقع علم مباشر ومحتمل بالمخالفات المرتكبة من قبل عملائه ومثّل قانونياً شركات تابعة - على سبيل المثال لا الحصر - لأدهم طباجة، أحد أبرز ممولي "حزب الله" في شركة Car Care Center وأبرز مؤسسيها حسين فاعور الذي تبيّن أنه حلقة وصل بين وحدة العمليات الخارجية في "حزب الله" (وحدة 910 وهي الوحدة المكلّفة بالعمليات الخارجية للتنظيم المسلّح) والشركة.

يرتبط مكتب العشي أيضاً بعناصر أخرى ذات صلة جزئياً بشبكتي طبّاجة وتاج الدين (وهما ممولان معروفان لـ "حزب الله")، فقد مثّل مكتب العشي شركات مرتبطة بكل من علي صالح العاصي ومصطفى وليد أبو درويش.

وقد فُرضت عقوبات على العاصي بتهمة غسل أموال لصالح الممولين لـ "حزب الله"، طبّاجة وتاج الدين.

ولأبو درويش والعاصي حصص في شركتين مثّلهما سابقاً مكتب العشي قانوناً، وتعرضتا لعقوبات وزارة الخزانة الأميركية وهما Inter Aliment SAL Offshore وSalasko Offshore SAL. يرد اسم أحد محامي مكتب العشّي كوكيل قانوني لشركة أخرى مملوكة لهذين الشخصين وهي Amasko Offshore SAL. كما أن لأبو درويش حصصاً في شركة أخرى مثّلها مكتب العشي قانوناً وهي Khojah Real Estate SAL ومن الأشخاص الرئيسيين الآخرين في هذه الشركة نجاة زوجة علي صالح العاصي وطوني صعب الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لنقله أموالاً بطرق غير مشروعة من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى لبنان.

شبكة عنكبونية قانونية ومالية، وصلت إلى عناصر من الدائرة المالية للنظام السوري، مثل رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، وأحد أعمدة الفساد الاقتصادي في سوريا. كما مثّل شركة Al Inmaa Group بجميع فروعها ليتبين لاحقاً أنها واجهة مالية لـ"حزب الله".

"ألماس الدم"

من بين أخطر الملفات، يبرز تمثيل مكتبه القانوني لشركة BGH Holding SAL، المرتبطة برجل الأعمال اللبناني - الأفريقي عماد عبد الرضا بكري. وبحسب تقارير استخبارات مالية غربية، يُعدّ بكري جزءاً من شبكة "حزب الله" لتجارة الماس من مناطق النزاع، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو، في ما يُعرف بتجارة "ألماس الدم" التي تُستخدم كأحد أبرز مصادر التمويل غير المشروع للصراعات المسلحة، وتخضع لرقابة دولية مشددة.

تشير التحقيقات إلى أن شركة BGH، إلى جانب شركات أخرى تابعة لبكري، استُخدمت كواجهات قانونية لغسل الأموال الناتجة عن تجارة الألماس وتمريرها عبر حسابات مصرفية تغطيها أنشطة تجارية ظاهرها شرعي، بينما حقيقتها تمويل عمليات مشبوهة.

في هذا السياق، لعب مكتب العشي دوراً محورياً كمستشار قانوني للشركة، حيث ساهم من خلال مكتبه في توفير الغطاء القانوني الذي أتاح لهذه العمليات أن تمرّ تحت مظلة قانونية لبنانية. ولا يمكن النظر إلى هذا الدور، ولا لأدواره في الشركات المذكورة، كمجرد تمثيل قانوني تقني، بل كإسناد فعلي لشبكة على صلة مباشرة بتمويل الإرهاب وتمكين "حزب الله" من التمدد المالي في أفريقيا.

وفي ضوء ذلك كلّه وغيره، هل يجوز التذرّع بأن المحاماة مجرّد وكالة قانونية بينما كان العشي الأب مساهماً ومديراً في شركات تحت العقوبات، وهل يجوز لشخصيات ترتبط بشبكات تمويل الإرهاب تأسيس أحزاب تغييرية؟ وكيف لأي ثائر أن يضمن، أن الأحزاب التغييرية الجديدة ليست مجرّد واجهات لمنظومة قديمة بوجه جديد تدعمها منصة "كلنا إرادة" التي تعيد كيل الاتهامات للـ MTV وصحافييها في كلّ مرة تنشر فيها الوقائع دون الإجابة عن أي من الشبهات حولها والأسئلة المطروحة؟

من تبنّى "منتشرين" وكيف؟

بطبيعةِ الحال، ثمّة من تبنّى غالبية حركات المقاومة الناعمة في ثورة تشرين، ثمّة من موّل جماليّة الصورة الإصلاحية، وثمّة من عمِل على إبراز قادة للتغيير المنشود: "كلنا إرادة".

قدمت "كلنا إرادة" الدعم، سواء عبر مشاركات أفراد "منتشرين" في أنشطة منظّمة من قبل "كلنا إرادة" وشركائها في الإعلام البديل، أو من خلال دعمٍ مالي/لوجستي مشترك، وصولًا إلى الروابط التمويلية غير المباشرة والتصريحات العلنية ذات الصلة.

استقصائياً، وبالعودة بالتاريخ لمرحلة تشكيل نواة "قادة التغيير" نواباً أم وزراء، لا علاقة مباشرة – كتحالف تنظيمي معلن – بين "كلنا إرادة" و"منتشرين" أي أنه لا يوجد اتفاق مكتوب أو هيكل تنظيمي موحد يجمعهما. بل تأتي العلاقة في صورة تحالف فعلي على الأرض يتأكد عبر الشواهد: تعاون في التدريب، تنسيق انتخابي، وتمويل موازٍ.

علاقة اتخذت أشكالًا عدة، منها "تنسيق وتفاعل عبر شركاء دوليين" حيث شارك ناشطو "منتشرين" جنباً إلى جنب مع "كلنا إرادة" ضمن برامج تدريب وحوارات برعاية مؤسسات دولية (ألمانية وأكاديمية)، مما خلق شبكة تواصل مشتركة.

ومنها ما كان "دعماً مالياً ولوجستياً مشترك الهدف" إذ قدّمت "كلنا إرادة" دعماً مالياً لمن سمّتهم من مرشحي التغيير، ومن ضمنهم طرحت إحدى كوادر "منتشرين" ثم أسقط ترشيحها (ميا عطوي) إلى جانب دعم لوجستي وإعلامي عبر منصاتها الإعلامية البديلة، بالإضافة إلى "روابط عبر الممولين والجهات المانحة" حيث تلقت المجموعتان موارد من مصادر تمويل متشابكة (مؤسسات اغترابية، صناديق ديمقراطية، جورج سوروس، الخ) عززت جهودهما الإصلاحية بالتوازي، ما يجعل العلاقة بين "كلنا إرادة" و"منتشرين" على مستوى التمويل البنيوي ناهيك عن "الخطاب المتقارب والتصريحات المتماهية شكلاً ومضموناً، في الأهداف السياسية والخطاب الإعلامي بين "منتشرين" و"كلنا إرادة"، مع اعتراف الأخيرة علناً بأنها تعتبر "منتشرين" حليفاً أساسياً ضمن حراك التغيير في مقالات منشورة عدة.

الذين اعتادوا النضال لا ينظرون إلى مآلات ثورة 17 تشرين كما يراها الآخرون، فهي لديهم ليست لحظيةً آنية، بل تبدو وميضاً لا ينطفئ، نسعى إليه في آخر النفق، أو يداً تمتدّ وسط الغرق لتُثير الشكوك لا الآمال. لذا، لا بدّ من كسر هالة "القداسة الثورية" التي يختبئ خلفها من خطف ثورة اللبنانيين وجرّدها من روحها الإصلاحية. والتعامل معها كما يجب أن يُتعامل مع أيّ مشروع سياسي في دولة تحاول النهوض: بالتدقيق، المساءلة، والتجرد من العمى الأيديولوجي أو العاطفي. المعركة الحقيقية ليست بين الثورة والمنظومة، بل بين بناة الدولة والتخريبيين. 

مريم مجدولين اللحام

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا