الصحافة

المواطن الإيراني والمشهد السعودي

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تصدّرت المملكة العربية السعودية المشهد الدولي والإقليمي مع الزيارة الرسمية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب خارج بلاده في مطلع ولايته الثانية، وقد أراد من خلالها توجيه رسالة واضحة المعالم بأن الرياض هي الحليف الاستراتيجي لواشنطن، وأن السعودية تشكّل الركيزة الأساسية للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.

وقد تحوّلت السعودية في السنوات الأخيرة إلى أوروبا الشرق الأوسط، حيث كانت العواصم والمدن الأوروبية تستضيف المؤتمرات والاجتماعات والمحادثات لصناعة الحلول والتسويات، فيما تتولّى الرياض اليوم هذا الدور باستضافتها لقاءات أميركية - روسية وأميركية - أوكرانية لإنهاء الحرب الأوكرانية، ودخلت على خط معظم النزاعات محاولةً الدفع باتجاه إيجاد الحلول المطلوبة لها، مستندة إلى إمكاناتها وعلاقاتها مع عواصم القرار برمتها.

والدول العربية بحاجة ماسّة للدور القيادي والريادي للمملكة العربية السعودية لثلاثة أسباب أساسية:

الأول، لأنّها مؤمنة بالدول الوطنية السيدة والمستقلة وفقاً لحدودها الدولية بعيداً من التدخلات في شؤونها وشجونها، وبعيداً من المشاريع التوسّعية تحت عناوين قومية ودينية وعقائدية، وحرصاً على أن تقرِّر كل دولة مصيرها انطلاقاً من مصلحة شعوبها وأوطانها.

الثاني، لأن الدول التي لديها أطماع توسّعية في الشرق الأوسط وفي طليعتها إيران من مصلحتها استفراد الدول العربية وألا تكون هناك دولة - قائدة أو دولة - مرجعية، وذلك تحقيقاً لأهدافها التوسّعية، وهذا ما حصل بوضع يدها على خمس ساحات عربية (اليمن، العراق، سوريا، لبنان وغزة)، وبالتالي الدور القيادي للمملكة يقطع الطريق على كل دولة تريد التوسُّع على حساب الدول العربية.

الثالث، لأنه من الصعوبة على الدول العربية بإمكاناتها المتواضعة أن تقيم شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية وعواصم القرار تحقيقاً لمصلحة الدول العربية بالأمن والأمان والاستقرار، فيما الرياض قادرة على ذلك وتحولّت إلى شريكة لواشنطن والعواصم المؤثرة، الأمر الذي يشكل مظلة أمان للدول العربية.

وتؤكد مشهدية السعودية على قيامة الشرق الأوسط الجديد، وهو الشرق الأوسط السعودي والعربي وليس الإسرائيلي، كما يدعّي المحور الإيراني الذي يستخدم إسرائيل كذريعة لتحقيق مشاريعه التوسعية. فالشرق الأوسط القديم، هو الحروب التي خاضتها إيران وتخوضها بهدف السيطرة على الدول العربية، والتحكُّم بسياسات المنطقة، فيما الشرق الأوسط الجديد هو الذي تنتهي فيه الأدوار التوسعية التخريبية وآخرها الدور الإيراني.

وقد دفعت المنطقة غالياً ثمن الهجوم الهمجي في 11 أيلول 2001، حيث شهدت المرحلة التي تلت هذا الهجوم صعوداً للدور الإيراني التخريبي الذي زعزع استقرار الشرق الأوسط وسيطر على خمس ساحات عربية، ولولا "عجيبة السنوار" لكانت السيطرة الإيرانية توسّعت، وكانت شعوب الدول التي تتحكّم إيران بقراراتها ما زالت مخيرة بين الذلّ والهجرة.

وجاءت مشهدية السعودية لتثبِّت التحوّلات التي بدأت على أثر "حرب الطوفان"، حيث دخلت المنطقة في عصر وزمن ومرحلة جديدة، الرابح الأكبر فيها هو الإنسان في هذه المنطقة الذي سينعم بالأمن والأمان والاستقرار، والخاسر الأكبر فيها هو إيران التي انتهى مشروعها التوسّعي الذي استثمرت فيه بمئات مليارات الدولارات على حساب شعبها وحقه بالحياة الكريمة.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ما هو شعور المواطن الإيراني عندما يقارن الدور السعودي العالمي بدور دولته الإيرانية المعزولة؟ وما هو شعوره عندما يرى المواطن السعودي يعيش في استقرار وبحبوحة، فيما هو يعيش في الفقر والعوز وعدم الاستقرار؟ وما هو شعوره عندما يرى رئيس أكبر دولة في العالم يبدأ جولاته الخارجية من السعودية، فيما دولته تعيش في عزلة ما بعدها عزلة، وعقوبات ما بعدها عقوبات؟ وما هو شعوره عندما يرى أن الاستثمار الأكبر في السعودية هو في الإنسان وحياته ورفاهيته والذكاء الاصطناعي، فيما الاستثمار الأكبر لدولته الإيرانية هو في الحروب والموت على حسابه وحقه في الحياة الكريمة؟

الشعب الإيراني شعب حي ويحبّ الحياة وقد انتفض في ثورة خضراء ومن ثم في ثورة دفاعاً عن المرأة وحقوقها، وتمّ قمعه بوحشية في المرتين، ولكن في حال لم تبدِّل إيران سياساتها وأولوياتها إن بعد انتهاء دورها الإقليمي بالقوة، أو بعد النهاية الحتمية لدورها النووي قريباً، فإن الانتفاضة الثالثة ستكون ثابتة ولن يتمكّن النظام من قمعها، خصوصاً أن هذا الشعب، الذي لديه تاريخه وحضارته، يرى من حقه أن يستعيد دوره بين الأمم كدولة أولويتها شعبها ورفاهيته وتُنافس حضارياً في صناعة المستقبل للشعب الإيراني، وتكون نموذجاً للتقدُّم والحداثة والتطوير، تقدُّم المنطقة والإنسانية، وليس نموذجاً معزولاً للموت والحروب.

شارل جبور - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا