هل اقتربت سيطرة "حزب الله" على لبنان من نهايتها؟
ذكرت مجلة "The Economist" البريطانية "أن بلدة القصير الصغيرة تبعد حوالي 10 كيلومترات عن الحدود بين سوريا ولبنان، ومنذ زمن بعيد ينقل المهربون الطماطم والأدوية والمخدرات والأسلحة عبر الأراضي الزراعية الواقعة على الحدود. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبحت القصير نقطة عبور لسلعة جديدة، الصواريخ
الإيرانية الصنع إلى حزب الله في لبنان. حينها، بدأت إيران باعتبار القصير جزءًا من دائرة نفوذها، فأرسلت مدنيين لبناء مسجد شيعي هناك، وعيّنت رجال دين لمحاولة تحويل السكان السنّة إلى المذهب الشيعي. وبعد ثورة عام 2011 ضد نظام بشار الأسد، استولى المتمردون السنّة على مساحات شاسعة من المنطقة الحدودية، بما في ذلك القصير، وأصبح طريق حزب الله للأسلحة فجأةً في خطر. حينها، اتخذ حزب الله، الذي تتمثل مهمته الرسمية في محاربة إسرائيل والنفوذ الغربي، قرارًا غير مسبوق بالتدخل في حرب أهلية في دولة عربية. وبدعم إيراني، ساعد مقاتلو حزب الله جيش الأسد في ساحات معارك رئيسية في كل أنحاء البلاد، وطردوا المتمردين من القصير. أصبحت المدينة مركزًا لوجستيًا في إمبراطورية حزب الله، الذي أرسل قادته للعيش هناك مع عائلاتهم".
وبحسب المجلة، "تعرض حزب الله لنكسة كبيرة جداً بعد سقوط الأسد في 8 كانون الأول 2024، خاصة بعد كل ما مر به بسبب الهجوم الإسرائيلي الذي تسبب باستشهاد العديد من قادته الكبار، أبرزهم أمينه العام حسن نصرالله. ورغم النكسة الكبيرة التي مني بها، كان من الممكن للحزب أن يتعافي، إلا أن فقدانه طريق إمداده الرئيسي بالأسلحة يُشكّل تحديًا وجوديًا. هذه الانتكاسة دفعت بمعارضي حزب الله في لبنان إلى المطالبة بنزع سلاحه. ولكن ليس معارضو الحزب وحدهم من يشعرون بأن شيئاً أساسياً قد تغير، بل إن أنصاره الشيعة يشعرون بالقلق إزاء تراجعه أيضاً".
وتابعت المجلة، "استُلهم حزب الله من الثورة الإيرانية عام 1979، التي أطاح فيها رجال الدين الشيعة بالديكتاتورية العلمانية للشاه، المدعوم من الغرب، وأقاموا دولة دينية بقيادة المرشد الأعلى آية الله روح الله الخميني. حينها، ساد شعور في كل أنحاء الشرق الأوسط بأن الشيعة لم يعودوا يمثلون الطبقة الدنيا. وفي عام 1982، سافر تسعة رجال دين شيعة لبنانيين إلى طهران طلبًا لمباركة الخميني لإنشاء منظمة شيعية لبنانية جديدة تتحدى النفوذ الأميركي والإسرائيلي في المنطقة. وبعد أن منحهم بركته، أرسل الخميني ألفًا من عناصر قواته النخبة، الحرس الثوري الإيراني، للمساعدة في تأسيس الحزب. وفي طريقهم إلى لبنان، توقف مسؤولو الحرس الثوري الإيراني في دمشق لطلب الإذن من حافظ الأسد، الذي أعطى موافقته. واستمر هذا التحالف الثلاثي على مدى السنوات الثلاث والأربعين التالية".
ورأت المجلة أن "الفضل في جزء كبير من هذا النجاح يعود لنصرالله، الذي تولى القيادة عام 1992 بعد اغتيال الأمين العام السابق في غارة جوية إسرائيلية. كان نصرالله مخلصًا بشدة لإيران، ووثقت به القيادة الدينية هناك ثقةً تامةً سمحت له بصياغة سياساته بمفرده. كان نصر الله متحدثًا بارعًا، وأصبحت خطاباته التلفزيونية المنتظمة ضرورةً في لبنان. وفي عام 2006، بدا أن نصر الله قد أخطأ في حساباته بشكل نادر، بعد أن اختطف الحزب جنديين إسرائيليين على الحدود، ما دفع إسرائيل إلى الرد بشدة. لكن المقاومة الشرسة من مقاتلي حزب الله، دفعت إسرائيل إلى قبول وقف إطلاق النار. وعززت هذه الحرب القصيرة سمعة حزب الله كحركة "مقاومة". كان حزب الله بالفعل القوة الأقوى في البلاد، وبعد حرب عام 2006، أصبح قوة لا تُقهر. وفي الحقيقة، أصبح الولاء الراسخ الذي كان يتمتع به حزب الله من أتباعه موضع شك. فمنذ انتكاسات عام 2024، أصبح بعض أشد منتقدي الحزب في لبنان من أتباعه الشيعة".
وبحسب المجلة، "من المرجح أن يتجادل المحللون والمؤرخون لسنوات حول أسباب انهيار حزب الله غير المتوقع، لكن أحد هذه الأسباب كان بلا شك قراره التدخل في الحرب الأهلية السورية. من خلال مساعدة الأسد ضد المتمردين السنّة، وجد مقاتلو نصرالله نفسهم يخوضون حربًا تقليدية لأول مرة. اكتسب مقاتلو الحزب خبرة ميدانية لا تُقدر بثمن، بالإضافة إلى إمدادات جديدة من الأسلحة من إيران، لكن هذه الجولة كشفت أيضًا عن نقاط ضعف جديدة لقوة معتادة على العمل بسرية تامة. حينها، صوّر نصر الله التدخل السوري كنقطة انطلاق أخرى في مسيرة الحزب "من نصر إلى نصر". وبحلول عام 2018، بدا الأسد في مأمن. ورغم احتدام التوترات مع إسرائيل، أمل قادة الحزب في أن يكون أعداؤهم القدامى مُرتعبين بما يكفي لعدم تصعيد الوضع، وأعلن نصر الله في خطاب ألقاه عام 2018، مُعلنًا فيه حصول حزب الله على صواريخ دقيقة: "إذا فرضت إسرائيل حربًا على لبنان، فستواجه مصيرًا وواقعًا لم تتوقعه". في النهاية، كان حزب الله هو من بدأ القتال. وكان نصرالله والمسؤولون الإيرانيون يتحدثون منذ فترة عن استراتيجية جديدة تُسمى "وحدة الجبهات"، حيث ستهب كل الفصائل المتحالفة مع إيران في المنطقة، بما فيها حماس، للدفاع عن أي فصيل في حال تعرضه للهجوم".
وتابعت المجلة، "عندما شنت حماس هجومها على إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023، ردت قوات الجيش الإسرائيلي بقصف جوي مدمر على غزة. وعلى الرغم من أن إيران حصرت ردها في إدانت إسرائيل، إلا أن حلفائها سارعوا إلى العمل. من جانبه، شنّ حزب الله هجمات صاروخية على بلدات وقرى وقواعد على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، وفي حين لم يعتبر الكثير من اللبنانيين حرب محور المقاومة حربهم، إلا أنه لم يكن أمامهم خيار آخر. إذا كان حزب الله يتوقع تكرار ما حدث عام 2006، فقد كان مخطئًا. ففي الواقع، أمضى عملاء المخابرات
الإسرائيلية السنوات الفاصلة في دراسة الحزب دراسة معمقة، ووضعوا خططًا متطورة لإلحاق الضرر به، وكان هجوم جهاز النداء أو ما يُعرف بالبيجر إحدى هذه الحيل. ولو كان حزب الله يمتلك أسلحة دقيقة كهذه التي تفاخر بها نصر الله، فلم يستخدمها. وقصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية جنوب لبنان، وسهل البقاع شرقًا، والضاحية الجنوبية لبيروت، وحتى مواقع في قلب العاصمة زُعم أن حزب الله ينشط فيها. وكل ما فعله حزب الله هو الردّ بشكل فاتر باستهداف شمال إسرائيل بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة".
وبحسب المجلة، "قد يكون سلوك إسرائيل منذ هزيمة حزب الله بمثابة السبب القوي الذي سيدفع الحزب في نهاية المطاف إلى العودة. بالنسبة للعديد من الشيعة في لبنان، كان خبر اغتيال نصرالله في أواخر أيلول مدمراً. لكن حزب الله لم ينتهِ بعد، إلا أنه لم يعد يُسيطر على المشهد السياسي. وبدأت بوادر الانتعاش في بيروت تظهر بشكل حذر بعد فترة طويلة من التدهور بدأت مع الانهيار الاقتصادي عام 2019. وعلى الرغم من أن حزب الله لم يكن مسؤولاً عن الأزمة، إلا أنه وبحلول عام 2018، أصبحت كتلة الحزب السياسية القوة المهيمنة في الحكومة، ولطخت سمعة الحزب بفشلها في إنقاذ الاقتصاد المنهار. ومنذ انتهاء الحرب الإسرائيلية عام 2024، بدا أن البلاد تتعافى من انحدارها، وفي كانون الثاني، انتخب مجلس النواب رئيسًا جديدًا مدعوما أميركيًا، على الرغم من امتعاض حزب الله. والآن، يشعر بعض معارضي الحزب أن لديهم فرصة لتغيير البلاد الآن".
وتابعت المجلة، "بحسب أوساط مقربة من حزب الله، هناك صراع على السلطة بين قادة الحزب الحاليين. ويُقال أيضًا إن هناك انقسامًا داخليًا حول ما إذا كان ينبغي للحزب إعطاء الأولوية لاستعادة الدعم بين اللبنانيين أم إعادة بناء جناحه العسكري، ويبدو أن مؤيدي الخيار الثاني في ازدياد. وفي الوقت الذي بدأ فيه لبنان بالتعافي، لا يزال الجنوب، معقل حزب الله، عالقًا في حالة من الخراب بعد الحرب. دُمّرت بلدات بأكملها، وأُحرقت بساتين وحقول، وانهارت البنية التحتية، ولم يتمكن معظم السكان الذين نزحوا من منازلهم في أيلول الماضي من العودة إليها. من جانبها، أبدت دول الخليج حتى الآن حذرها من تقديم الأموال للبنان، بعد أن أدركت أن الأموال التي قدمتها سابقًا لم تنجح إلا في تعزيز قوة حزب الله. أما إيران، فتعاني من ضائقة مالية أشد مما كانت عليه عام 2006، وستواجه صعوبة في إيصال الأموال إلى حزب الله حتى لو أرادت ذلك. ولمنع إسرائيل من قصف مطار بيروت، اضطرت الحكومة إلى منع حزب الله من استخدامه، فأُعيدت عدة طائرات قادمة من إيران، واعترضت السلطات عددًا من الأفراد يحملون حقائب مليئة بالنقود للاشتباه في أنها كانت متجهة إلى حزب الله".
وختمت المجلة، "يبقى أن نرى ما إذا كانت الحالة الكارثية للبنية التحتية في جنوب لبنان ستدفع الشيعة إلى فعل أكثر من مجرد التذمر. فمن خلال مزيج من المحسوبية والأيديولوجيا والترهيب التكتيكي، لا يزال حزب الله يتمتع بنفوذ قوي عليهم، ولكن كلما طال انتظار أصحاب المنازل المتضررة في الحرب للمساعدة، ازداد حزب الله ضعفًا سياسيًا".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|