في هذا التوقيت سيتغير المزاج الشيعي...
كثيرةٌ هي التحليلات التي سبقت و أعقبت نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الجنوب والنبطية. كان التعويل الدولي، وخاصةً الأمريكي، يتركز على انخفاض التأييد لحزب الله، من أجل الشروع في تطبيق اتفاقيات السلام التي تبدأ بدحر خطر الحزب عن إسرائيل، وبالتالي عن المنطقة، وإبعاد إيران عن لبنان، بعدما استعملته لعقود لتوجيه رسائل إلى إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. لكن النتائج أظهرت شبه تمسك كلي للبيئة الشيعية بخيار الانتخاب لحزب الله وحركة أمل. فهل يعني ذلك أن الحرب، وقتل الآلاف، وجرح آلاف آخرين، وتشريد أكثر من مليون ونصف شيعي، ودمار عشرات آلاف المنازل في الجنوب، وعدم تعويض من دُمِّرت بيوتهم ببيوت أفضل، يعني أن البيئة الشيعية لم تتأثر بكل المصائب التي نزلت عليها بفعل حرب الإسناد التي فتحها حزب الله في الثامن من أكتوبر 2023؟ الجواب، حسب نتائج الانتخابات، هو أنها لم تتأثر، لكن قراءة أعمق لأسباب لجوء الناخبين الشيعة إلى انتخاب لوائح الحزب والحركة في معظم قرى وبلدات الجنوب والنبطية يؤكد أن التغيير آتٍ، وإن كان بعد حين.
يقول الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين إنه إذا أخذنا نتيجة مدينتي النبطية وصور الكبيرتين، يمكن القول إنه لا خرق، وبقي الثنائي محافظًا على الأصوات بقوة. فالفرق هو حوالي 3000 صوت عن اللوائح المنافسة. على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى نتيجة مدينة صور، كان هناك لائحة "صور مدينتي" ولائحة "التنمية والوفاء"، حيث كان متوسط لائحة "صور مدينتي" 1016 صوتًا، فيما كان متوسط اللائحة الأخرى 8755 صوتًا، أي أن الفارق كان 7760 صوتًا، مما يعني عدم وجود معركة حقيقية. أما في النبطية، فتنافست لائحة "النبطية تستحق" مع لائحة "التنمية والوفاء"، وكان الفارق بين اللائحتين 6800 صوت، حيث حصلت الأولى على 600 صوت، بينما حصلت الثانية على 7200.
إذا انتقلنا إلى بلدة الزرارية في قضاء صيدا، فقد كان هناك خرق كبير، حيث حصلت لائحة العائلات على 9 مقاعد، في مقابل 6 مقاعد للائحة "التنمية والوفاء". في بلدة "المروانية"، كان الفارق 20 صوتًا فقط بين لائحة الحزب والحركة واللائحة المنافسة، وكذلك الحال في بلدة "شمع" في قضاء صور. هناك عشرات البلدات في قضاءي الزهراني وصور، بالإضافة إلى بنت جبيل، حيث لم تفز اللوائح ولكن النتائج كانت متقاربة جدًا، حيث وصل الفارق إلى 20 أو 30 صوتًا. حتى في بلدة "البازورية"، كانت النتائج 60% للأحزاب و40% للائحة المنافسة. وهذا يطرح السؤال: هل اختار حزب الله وحركة أمل أشخاصًا من عائلات تمثلهم، أم أن هناك خيارًا سياسيًا جديدًا بدأ يظهر في الجنوب؟ لكن النتائج، كما يقول شمس الدين، لم تحصل "كما هي" كما كان في السابق. واعتبر الثنائي أن جميع الناخبين معهم، لكنهم اختاروا بعض الأسماء نتيجة الصراعات ووجود البعض غير المؤيد لهم.
إذا كانت النتائج قد أظهرت أن التأييد للمقاومة لا يزال حاضرًا في غالبية البلدات والقرى، إلا أن الباطن هو أن شد العصب الطائفي هو ما يتحكم بلعبة الأحجام والأرقام. خاصةً أن حزب الله وحركة أمل كانا الأكثر إصرارًا على إجراء هذا الاستحقاق، لأن شد العصب سيبقى حتى موعد الانتخابات النيابية. السبب في ذلك وفقًا لشمس الدين، هو أن المواطن الجنوبي لا يزال يعول على ما سيحصل عليه من حزب الله، تحديدًا من إعادة الإعمار والتعويضات التي لا يزال المسح في تحديد الخسائر قائمًا في هذا الإطار. وبالتأكيد، فإن المشهد سيرسو على صورته النهائية بعد دخول بدائل أخرى في إعادة الإعمار، خاصةً إذا لم يتمكن الحزب، وهو الخيار الأكثر ترجيحًا، من الوفاء بوعوده في إعادة آلاف المساكن لمن هدمت بيوتهم.
هذا الأمر يتزامن مع خيارات تطرحها الولايات المتحدة الأمريكية في موضوع إعادة الإعمار، وربطها بشرط نزع سلاح حزب الله ومنع إيران من المشاركة في هذا الملف منذ اليوم الأول لوقف إطلاق النار، خشية وصول الأموال إلى الحزب وإعادة ترميم قدراته. الأمر الآخر الذي قد يؤدي إلى تغيير أو إظهار الصورة الحقيقية لمزاج الناخب الشيعي في الجنوب هو طرح موضوع السلام في المنطقة، وما إذا كان لبنان سيكون ضمن هذه الاتفاقيات، وما هي الصيغة التي سيقبل بها الجنوبي الذي قد يرى أن هكذا خيار، وفقًا لشروط معينة، سيضمن له العيش باستقرار دون حرب تقض مضجعه كل عقد من الزمن. لذا، فإن المزاج الشيعي الجنوبي الذي يبدو ظاهريًا وكأنه لم يتغير، وقد يقبل بكل خيارات حزب الله، قد يبقى كذلك حتى الانتخابات النيابية المقبلة في 2026، لأن الخيار الآخر، برأيهم، مجهول وقد لا يعطيهم ما قد يحصلون عليه من حزب الله، الذي دفع، وفقًا لشمس الدين، حوالي مليار دولار بدل إيواء وترميم، وهو الذي دفع بدل إيواء لآلاف المتضررين.
لكن الثنائي الذي يبدو ظاهريًا متماسكًا، ولا يوجد خلاف سياسي في الخيارات المتعلقة ببند "المقاومة" تحديدًا، وتقاسم المقاعد في معظم البلدات، لم يبدو كذلك في كل البلدات. فكان هناك خلافات في بعض القرى تمثلت في سحب مرشحي حركة أمل من بعض اللوائح، من أجل الإبقاء على تمثيل أكبر لحزب الله، كما حصل في "كفرتبنيت"، وفقًا لشمس الدين، وكذلك حصل في "كفرا". وبالتالي، أينما حصل خلاف على الحصص، كان هناك انسحاب لحركة أمل. هذا يعني أن المشهد ليس أبيض، لكنه ليس كارثيًا، لأن شد العصب الطائفي يتحكم بالمشهد البلدي في الجنوب، في ظل سقوط آلاف الشهداء، الذين لا زال البعض منهم مفقودًا، بالإضافة إلى التهديدات والاعتداءات الإسرائيلية اليومية والمتكررة على البلدات والقرى.
تجدر الإشارة إلى أن فوز بلدات كثيرة بالتزكية، حوالي 120 من أصل 272 أي 45% من البلديات، يعني أن هناك ضغطًا من قبل حزب الله على الناخبين والمرشحين، من أجل قبول خيار الحزب وعدم التفكير بخيارات أخرى.
في حال استطاعت الولايات المتحدة والدول التي ترعى الملف اللبناني تأمين انسحاب إسرائيل وتعزيز الاستقرار على الحدود وفي الجنوب، ونجحت الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي ترعى الملف اللبناني، في دعم تحقيق الاستقرار من خلال الدولة والجيش اللبناني، وإذا تحقق موضوع إعادة الإعمار خارج حزب الله، حينها سيبدأ المزاج الشيعي بالتحول والتعرف على خيار جديد في الجنوب يقوم على الثقة بالدولة والجيش والدبلوماسية والقانون وحصرية السلاح، مع أفضل العلاقات مع جميع الدول. حينها، يمكن أن يأتي السياح الخليجيون والعرب والأجانب إلى لبنان، مما سيؤدي إلى ازدهار اقتصادي واستثمارات عربية وأجنبية، والعديد من الامتيازات التي سيحصل عليها لبنان إذا ما كانت الدولة وحدها هي التي تحمي وتبني. وعندها، سيخرج المواطن الشيعي من القوقعة التي أُدخل إليها قسرًا على مدى عقود، ويعي أنه يستحق الحياة لا الموت.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|