محليات

من دمشق الى بيروت: المنطقة تتشكّل.. وإيران خارج المعادلة!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يعد المشهد السوري شأناً داخلياً معزولاً عن إيقاع المنطقة. فما جرى بعد سقوط النظام السابق وصعود الرئيس أحمد الشرع لم يكن مجرد انتقال سلطوي، بل لحظة انعطاف حاسمة في الخارطة السياسية الإقليمية. وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد، يتبلور تحالف عربي–إسلامي تقوده الرياض وأنقرة، يلتقي على الأرض السورية في مشروع استقرار لا يشبه معادلات الأمس، ويُعيد تموضع دمشق كلاعب سياسي فاعل، لا مجرد ملفّ أمني عالق.

هذا التحوّل لم يأتِ عبر تفاهمات دولية مباشرة، لكنه لم يُقابل بأي عرقلة تُذكر. إذ بدأت العقوبات تُرفع بهدوء، والبعثات الدبلوماسية عادت تدريجياً، فيما تغيّر المزاج الغربي من خطاب العزل إلى مقاربة تقوم على فكرة الاحتواء الوظيفي. وتؤكد مصادر ديبلوماسية أن عدداً من العواصم الغربية بات يفضّل تثبيت استقرار دمشق، على إبقائها نقطة ضعف إقليمي مفتوحة على الفوضى.

في هذا السياق، استعادت سوريا موقعاً متقدّماً، حيث لم تعد بوابة صراع أو صندوق بريد لمحاور متقاتلة، بل تحوّلت إلى لاعب وازن ضمن صيغة استقرار قيد التشكيل. حيث أنّ الرئيس السوري أحمد الشرع بات يحظى بدعم عربي صريح، وانفتاح دولي فعلي، وترحيب

تركي - خليجي لا يُخفي الرهان على دمشق كمفتاح لاستقرار المنطقة. ولعلّ ما يجري لا يمكن اختزاله بتطبيع تقني، بل هو اعتراف ضمني بأن سوريا الجديدة لا تشبه اليوم ما قبلها، إذ انها دولة تحاول استعادة السيادة من دون استرجاع الخطاب الكلاسيكي، وتنسج علاقات مبنية على شراكات لا محاور.

من هنا، يُفهم التحالف السعودي – التركي على أنه أكثر من مجرد تقاطع مصالح. إذ تشير مصادر ديبلوماسية مطّلعة إلى أن ما يجمع الطرفين حالياً هو مشروع احتواء للفوضى، وإعادة ضبط التوازن في الهلال الخصيب، من دون خوض مواجهات مباشرة. وبالتالي، فإن ما يحصل لا يمثل انقلاباً على خرائط النفوذ، بقدر ما هو إعادة هندسة دقيقة لها، تُعيد تموضع بعض اللاعبين وتُجبر آخرين على التكيّف أو التراجع.

في المقابل، لا يزال لبنان غائباً عن هذه التحولات. حيث إن الانهيار الداخلي شلّ قدرته على المبادرة، فيما تُرسم خرائط التأثير الجديدة خارج حدوده وبمعزل عن رأيه أو موقعه. ولعلّ أخطر ما في هذا التبدّل هو أن لبنان لم يعد يُحتسب ضمن معادلات الفعل، بل يُقارب كحالة يجب احتواؤها لا إشراكها.

وترى المصادر أنّ ما يعني لبنان فعلياً، هو أنّه للمرة الأولى منذ سنوات تتقدّم على حدوده معادلة لا تقوم على التصادم، بل على تقاطع مصالح إقليمي يُنتج تسويات متدرجة. وهذه التسويات لا تنتظر الرضى اللبناني، وفق المصادر، بل تفرض نفسها بقوة الوقائع، ومن لا يتموضع ضمنها، يُعزل، لا عبر حصار تقليدي، بل عبر الإفلاس الاستراتيجي. 

في هذه الأثناء، تتابع البيئة السنيّة في لبنان ما يجري من دون أدوات واضحة، لكنها ليست خارج الحسابات. إذ إن غياب المشروع السياسي المركزي داخل الطائفة، بعد تراجع

تيار المستقبل، خلق فراغاً لم تملأه المبادرات الفردية. لكنّ صعود سوريا الجديدة، بما تحمله من رمزية إقليمية، يعيد تحريك المياه الراكدة في طرابلس وعكار والبقاع، حيث تتنامى الحاجة إلى مرجعية سياسية تربط الداخل اللبناني بنبض الإقليم.

وتؤكد مصادر مطّلعة على خطوط تنسيق غير معلنة، أن المرحلة المقبلة قد تشهد تفعيل قنوات تواصل متدرّجة بين نخب سنيّة لبنانية ودوائر فكرية سورية، ضمن مظلّة إقليمية مرنة بعيدة عن الاصطفافات الحزبية التقليدية. إذ إنّ دمشق الجديدة، بحسب المصادر، لا تطرح نفسها وصياً، بل شريكاً في توازن مستقر يقوم على احترام التعددية وتثبيت الاستقرار من دون استتباع.

لكن هذا الانفتاح السنيّ المحتمل، يفتح تلقائياً باب الأسئلة حول موقع "حزب الله". فالحزب، الذي لا تزال بنيته التنظيمية قائمة، يواجه للمرة الأولى تحوّلاً فعلياً في قواعد التحالف من حوله؛ فسوريا اليوم لا تتماهى مع معادلات الممانعة السابقة، بل على العكس، تتّجه نحو شراكة إقليمية واسعة لا تتطلب مقاربات أمنية صلبة. لكنّ السؤال المطروح في الأوساط السياسية يتمحور حول مدى استعداد "الحزب" للتكيّف مع مشهد إقليمي لم يعد يُدار من طهران وحدها، ولا تمرّ محاوره من دمشق كما في السابق. إذ إنّ سوريا، في لحظتها الراهنة، تتعامل مع الجميع، وتوزّع أوراقها على أكثر من طاولة. وفي المقابل، يواجه "الحزب" تراجعاً ملموساً في قدرته العسكرية، نتيجة الضغوط الإقليمية المتزايدة، وتقلص الدعم اللوجستي، ما يُحتم عليه إعادة تموضع محسوب في الداخل اللبناني.

بالتوازي، تواجه

إيران واقعاً أكثر تعقيداً. إذ إنّ طهران تجد نفسها اليوم أمام خرائط تُرسم خارج نفوذها المباشر. ولعلّ التقارب السعودي – التركي لا يهدف إلى عزلها، لكنه يحدّ من قدرتها على المناورة. ومن هنا، فإن العودة السورية تحت مظلّة إقليمية مختلفة، تُسقط من يد إيران واحدة من أوراقها المركزية في المنطقة.

في ظل هذا الواقع، تبدو معادلة ما بعد "حزب الله" العسكرية قابلة لإعادة التشكيل، إذ إنّ التنظيم الذي كان يُمسك بالورقة الأمنية الأقوى في لبنان، بات اليوم أمام وقائع ميدانية مختلفة، ليس فقط في الجنوب، بل أيضاً على مستوى الردع الإقليمي. حيث إن تقلّص قدرة طهران على توفير مظلّة عسكرية ومالية مستدامة، وازدياد الضغط الدولي على مصادر تسليحه، يدفعان الحضور الشيعي المسلّح إلى الخضوع تدريجياً لمعادلات الداخل اللبناني والدينامية الجديدة في المنطقة.

في النهاية، لا تزال موازين القوى في لبنان متحرّكة، لكنّ الخريطة السياسية الإقليمية تغيّرت فعلاً. وسوريا الجديدة، لم تعد دولة منكفئة على أزمتها، بل فاعلاً إقليمياً يمتلك رؤية تمدّد ناعمة تستند إلى التفاعل لا الفرض، والتنسيق لا التبعية. وفي ظل هذا المناخ، فإن لبنان يقف أمام مفترق طرق حقيقي؛ فإما أن يواكب المشهد الإقليمي بأدوات جديدة، أو يكتفي بدور المتفرّج في زمن يُعاد فيه تشكيل المنطقة من حوله.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا