لبنان بين ثلاثة “س”!
يؤخذ على لبنان أنه مدمن عدم القدرة على مزامنة (synchronizing) إيقاع تطوره مع حركة الشرق الأوسط الجديد المتكوّن برعاية دولية وإقليمية فيبقى عالقاً وسط سرعة ثلاثة تطورات تعرف رمزياُ بحالات الـ “س”.
الـ “س” السعودية أطلقت حملة تطوير ومحاربة الفساد بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان سنة 2017. والـ “س” السورية دفنت الإستبداد وسارت مع أحمد الشرع على درب الحرية في ثورة الـ11 يوماً سنة 2024 ، وبقي لبنان أسير “س” سلاح حزب تفنن في قتل قادته وسرقة موارده وإفساد إقتصاده والتسبب بتدميره منذ إغتيال رئيس حكومته رفيق الحريري سنة 2005 وإصراره على المشاركة في السيطرة على سيادته والتحكم بمستقبله لتفادي الخضوع للمحاسبة والمعاقبة. السعودية أطلقت حملة تطوير في 5 تشرين الثاني العام 2017 وشملت توقيف ومحاسبة ما لا يقل عن 400 من أبرز الشخصيات السعودية بينهم أمراء ووزراء وقادة عسكريون ورجال مال وأعمال ورئيس سابق للديوان الملكي تم إحتجازهم في فندق ريتز كارلتون بالعاصمة الرياض الذي أطلقت عليه الصحافة الدولية لقب “أفخر السجون في العالم.”
وقدّر مجموع التسويات المالية مع الذين شملتهم التوقيفات بما لا يقل عن 107 مليارات دولار تمت إستعادتها لصالح الخزينة السعودية من “بعض ضعاف النفوس الذين غلّبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، واعتدوا على المال العام.”
وبعد 3 سنوات، وتحديداُ في 15 آذار العام 2020 ، أطلقت السعودية حملة تطهير ثانية شملت اعتقال 298 شخصاً بينهم ضباط شرطة وأمن “ومسؤولين كباراً من وزارتي الدفاع والداخلية يشتبه في تقاضيهم رشى وتبييض أموال في ما يتعلق بالعقود الحكومية والمعاملات الإدارية خلال السنوات 2005 – 2015.”
الثورة السورية الفتية، التي لم يتجاوز عمرها الستة أشهر، ورثت إنتفاضة إشتعلت سنة 2011 كما تحملت 54 سنة من الإستبداد المتوحش، أطلقت في 26 كانون الأول الماضي حملة ملاحقات للمطلوبين من رموز النظام البائد وحلفائه أسفرت عن توقيف أو مقتل ما لا يقل عن 600 منهم “بينهم بعض اللبنانيين،” وفق مصدر أمني سوري.
أبرز الموقوفين مدير مكتب ماهر الأسد اللواء علي محمود الذي عثر عليه “بين الحياة والموت” في مكتبه بريف دمشق بعد سقوط العاصمة السورية. ولم يعرف ما إذا كان قد توفي، أو أعدم، أو ما زال على قيد الحياة.
ولا تعلق القيادة السورية، كما لا يعلق لبنان، على مصير اللواء علي مملوك الذي يقال أنه غادر سوريا عبر لبنان إلى جبل قنديل في العراق حيث معسكرات حزب العمال الكردستاني على مقربة من الحدود مع إيران، علماً بأنه مطلوب للقضاء اللبناني بموجب مذكرة من النيابة العامة لعلاقته بما يعرف بمتفجرات ميشال سماحة وجرائم أخرى.
خارج السياق الأمني لا تتوفر معلومات “تفصيلية” في سوريا، كما في لبنان، عن ملاحقة الفساد وتبييض الأموال وصناعة وتهريب المخدرات.
وإذا توفرت أخبار أو حتى بيانات حيال هذه الجرائم الثلاث، فإنها تكون عادة خالية من الأسماء والتفاصيل.
وإذا تم تصوير متهمين موقوفين تكون الصور، كما ينص القانون اللبناني، خلفية بالكامل إحتراماً للمبدأ القانوني الذي يعتبر أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” حتى وإن كان قد أوقف بالجرم المشهود ما يستفيد منه الموقوف الذي يبقى غير معروف للمجتمع صاحب الحق الإساسي في معرفته لتفادي الإختلاط به أو لملاحظة وجوده بعد إخلاء سبيلة أو إتمام محكوميته.
وعلى سبيل المثال نشرت صحيفة خليجية يوم أمس الخميس خبراً من قرابة 160 كلمة نقلاً عن “سلطات رسمية لبنانية رفيعة” عن عملية أمنية لبنانية-سورية مشتركة أسفرت عن “القضاء على غالبية المصانع المنتجة للمخدرات على الحدود المشتركة … الحكومة اللبنانية ألقت القبض على العديد من مافيات هذه التجارة غير المشروعة…”
الخبر لم يذكر أي تفصل، لا المناطق التي ضبطت فيها المصانع والمخازن، ولا عدد المصانع أو المخازن، ولا الكميات المصادرة، ولا أسماء الموقوفين، ولا نوعية المخدرات ولا مصير المصادرات.
السؤال البديهي هو: ماذا يستفيد القارئ من هذه الخبر؟
الإعتقاد العام هو أن التكتم على تفاصيل موقوفي الممنوعات مرتبط بإعلان “عفو عام شامل” موعود يبدأ بالموقوفين الإسلاميين ويضم تحت شماعتهم جماعات صناعة وترويج المخدرات وبقية الموبقات، ما يعتبرجريمة بحق المجتمعات في الدول الراقية.
الدول المعنية بالشأن اللبناني، من عربية وغير عربية، تأخذ على السلطة اللبنانية تساهلها مع المخربين، سواء لجهة التراخي في نزع أسلحة الميليشيات أو التساهل في معاقبة المهربين والفاسدين ومبيضي الأموال والمرتشين الذين يعرقلون المعاملات الإدارية لقبض رشى لقاء تسهيلها، وهو ما وجه له وزير الخارجية يوسف رجي ضربة قاضية في قسم المصادقات بوزارته عندما أنّب الموظفين وتعهّد بمنع السماسرة وموظفي مكاتب الترجمة من تمرير معاملات زبائنهم قبل أو بعد الدوام الرسمي.
بالإضافة إلى التساهل، كي لا يقال التراخي، في التعاطي مع فاسدي المجتمع، تأخذ دول الخارج المعنية بالشأن اللبناني، بشقيها العربي والأجنبي، على السلطة اللبنانية عدم ربط موضوع نزع أسلحة الميليشيات بخارطة طريق وجدول زمني وهو ما يرفضه “حزب الله” ولا تبدي السلطة اللبنانية ترحيباً به.
يحاول لبنان تأجيل نزع سلاح الميليشيات بإصراره على أولوية نزع سلاح مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على أمل كسب وقت يتيح إنفراج مسألة تجريد الميليشيات من سلاحها.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس فاجأ الدولة اللبنانية بموافقته الكلية على تجريد المخيمات من الأسلحة لحرصه على أمنها.
وكشف مصدر فلسطيني رفيع أن السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية “لا تقبلان أن تحكم ميليشيا مخيمات شعبنا في لبنان وتستجلب له الدمار الإسرائيلي كما إستجلبت الدمار لشعبنا في غزه.”
ولا شك في أن المقصود من المقاربة هو رفض قبول تحكم حركتي حماس والجهاد الإسلامي بمخيمات لبنان كي لا يصيبها مصاب غزة فتدفع ثمن الرعونة دماً ودماراً وتشرداً وشتاتاً جديداً.
وفي هذا الصدد، يقول المصدر الفلسطيني، تم الإتفاق على خارطة طريق قسّمت المخيمات إلى أربع مراحل هي:
*- المرحلة الأولى تشمل مخيمات بيروت الثلاثة: مخيم مار الياس، مخيم شاتيلا ومخيم برج البراجنة، التي لا وجود ضمنها لقواعد لحماس أو الجهاد الإسلامي أو الجماعات الإسلامية، على أن يبدأ جمع سلاحها منتصف شهر حزيران.
*- المرحلة الثانية تشمل مخيمات شمال لبنان، وتضم مخيم البداوي ومخيم نهر البارد. وأوضح المصدر أن مخيم البداوي الذي لا وجود ضمنه لفصائل خارج مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، يخضع الآن لعملية فصل تداخل بنيانه مع أبنية بلدة البداوي عبر بناء أسوار إسمنتية تفصل مواقف عمارات البداوي عن أبنية المخيم .
كما لا توجد تنظيمات غير ملتزمة بمنظمة التحرير الفلسطينية في مخيم نهر البارد الذي أعيد بناؤه بإشراف الجيش اللبناني، وقد هجرته فصائل التكفيريين وإلتجأت إلى البلدات الشيعية تحت مظلة حزب الله في الكورة وزغرتا والبترون وهذه تقع مسؤولية معالجتها “على الدولة اللبنانية لأن حاميها غير فلسطيني،” حسب تعبير المصدر.
*- المرحلة الثالثة هي منطقة البقاع التي تضم مخيماً واحد اًقرب مدينة بعلبك هو مخيم ويفل المعروف بمخيم الجليل، ويقع عموما تحت سيطرة اليسار الماركسي الفلسطيني الذي لا يتعايش مع فصائل إسلامية، لذلك لا مشكلة في ترتيب وضع سلاحه الفردي,
*- المرحلة الرابعة والأخيرة وهي الأكثر تعقيداً تضم خمسة مخيمات في جنوب لبنان هي مخيم الرشيدية، مخيم البص، مخيم برج الشمالي، مخيم المية ومية، ومخيم عين الحلوة، وجميعها، بإستثناء المية ومية، تضم قوعد لحماس والجهاد الإسلامي إضافة إلى ثلاث جماعات تكفيرية في مخيم عين الحلوة هي عصبة الأنصار، الشباب المسلم، وجند الشام.
فمن سيشرف على جمع سلاح جماعة “الشباب المسلم” التي قتلت مسؤول حركة فتح أبو أشرف العمروشي في تموز العام 2024 ولم تسلم القتلة حتى الآن؟؟؟
ومن سيشرف على جمع سلاح “جند الشام” التي يقال أن قائدها غير فلسطيني ولا عربي بل شيشاني؟؟
المقلق هو أن المخيمات الأربعة، لا سيما مخيم برج الشمالي الذي إنفجر بداخله مخزن ذخيرة حماس تحت المسجد في كانون الأول 2021، مترابطة مصيرياً وليس من السهل إستفراد كل مخيم على حدة.
فكيف ستحل عقدة “س” السلاح في لبنان؟؟؟
محمد سلام -”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|