بين بقاء أورتاغوس ومغادرتها.. أين لبنان من الأولويات الغربيّة؟!
انشغل اللبنانيون خلال اليومين الماضيين بـ"تحليل" الأخبار والتسريبات الواردة من واشنطن وإسرائيل عن مغادرة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس منصبها قريبًا، وهي التي كانت مسؤولة عن الملفّ اللبناني، مع تسجيل "تباين" في وجهات النظر حول أسباب الخطوة التي بدت مفاجئة، بين من اعتبرها "إقالة" على خلفية الشكاوى من أدائها، ومن رأى فيها تمهيدًا لنقلها لمسؤوليات أخرى ربما.
انشغل اللبنانيون أيضًا في قراءة "طالع" المبعوث الجديد الذي سيحلّ مكان أورتاغوس، إن صحّ التعبير، علمًا أنّ أيّ إعلان رسمي بشأنه لم يصدر بعد، في ظلّ مجموعة سيناريوهات مطروحة، لعلّ أكثرها ترجيحًا أن ينتقل الملف إلى جويل رايبورن، الذي قيل إنّ تعيينه سيُعلَن في الأيام المقبلة، ولكن بينها أيضًا أن يُعهَد بالملف إلى الموفد الأميركي إلى سوريا توماس باراك، أو حتى أن يبقى مركز أورتاغوس "شاغرًا" حتى إشعار آخر.
وبعيدًا عن السيناريوهات الثلاثة، ثمّة نقاش "جدّي" تفتحه الخطوة الأميركية، والانشغالات اللبنانية التي ترتّبت عليها، وإن أدرِج بعضها في خانة "ملء الفراغ"، فأين لبنان في سلّم الأولويات الغربيّة، والأميركيّة خصوصًا؟ هل يؤثّر بقاء أورتاغوس أو رحيلها فعلاً على السياسة الأميركية إزاء لبنان؟ ولماذا يشعر كثيرون أنّ الملفّ السوري يتقدّم بأشواط، مقارنة مع الملف اللبناني، بل ربما على حسابه، وسط "جمود" على خطّه، يبدو بلا أفق؟!
أعطي رحيل مورغان أورتاغوس عن منصبها، بمعزل عن دوافعه وأسبابه، حجمًا كبيرًا في لبنان، ربما على جري العادة اللبنانية في التعامل مع كلّ الملفات، ولا سيما منها ذات الطابع الإقليمي والدولي، فأورتاغوس أصبحت منذ زيارتها الأولى إلى لبنان، بمثابة "ترند"، حيث انقسم اللبنانيون إزاءها، خصوصًا بعد إطلالتها "الجدلية" من قصر بعبدا، حين شكرت إسرائيل على حربها ضدّ "حزب الله"، ما أحرج رئيس الجمهورية وفريقه الإعلاميّ.
بعد هذه الزيارة، حاولت أورتاغوس إعادة "رسم" سياستها ومهمّتها، وهو ما ظهر في زيارتها الثانية، التي تجنّبت فيها الكلام في معظم المقار الرسمية، مكتفية بإطلالات إعلامية في ختامها، حرصت فيها على إبداء "نوع من التوازن" في الطرح، ولو لم تتخلّ عن "انحيازها" الكامل والواضح لإسرائيل، لكنها بعد ذلك، عادت لتثير الجدل، بتعليقات على منصّات التواصل، خرجت عن الإطار "الدبلوماسية"، خصوصًا في طريقة التخاطب التي بدت لكثيرين "فوقيّة".
قد تكون هذه الممارسات والشكاوى التي تلقّتها الإدارة الأميركية بشأنها سببًا من أسباب "تنحية" أورتاغوس، كما ألمح بعض المتابعين، كما أنّ "إبعادها" قد يكون منعزلاً عن كلّ ذلك، وفق ما نُقِل عن مصادر أميركيّة، وضعت الخطوة في إطار سلسلة من الإجراءات الداخلية التي بدأتها إدارة ترامب في الأيام الأخيرة، لكنّ الأكيد أنّ رحيل أورتاغوس لن يكون بلا أثر، وقد كان الإسرائيليون أول من عبّروا عن ذلك، بقوله إنّ استبدالها "ليس خبرًا سارًا" لإسرائيل.
لا يعني ذلك عمليًا أنّ رحيل أورتاغوس، أو استبدالها، سيؤدي إلى تغيير عمليّ في السياسة الأميركية في لبنان، التي يقول العارفون إنّها "واضحة"، وقوامها أنّ ما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة ليس كما قبلها، وإنّ نزع سلاح "حزب الله" بند أول على "الأجندة"، ولكنّه يمكن أن يعني العودة في مكانٍ ما إلى نوع من "الدبلوماسية" التي كان ينتهجها "سلف" أورتاغوس، آموس هوكشتاين، الذي عرف كيف يتعامل مع معظم المسؤولين ويبني علاقات معهم.
إلا أنّ هناك من يذهب أبعد من ذلك في قراءة الرسالة خلف "إقالة" أورتاغوس، والتسريبات التي سبقتها عن طلب نقلها إلى سوريا مثلاً، بالإشارة إلى أنّ الملف اللبناني سيبقى في المرحلة المقبلة "أسير" الجمود والمماطلة، إذ إنّ الأميركيين، ومعهم الكثير من أصدقاء لبنان، يعتبرون أنّ الكرة اليوم هي في ملعب الدولة اللبنانية، والمطلوب منها تلقّفها من أجل المضيّ إلى الأمام، علمًا أنّ الشروط لذلك واضحة، ولا نوايا للتراجع عنها بأيّ شكل من الأشكال.
هنا، تبدو المقارنة بين الوضعين اللبناني والسوري حاضرة بقوة، بل إنّ أورتاغوس نفسها ألمحت إليها في زيارتها الأخيرة، التي تزامنت للمفارقة مع جولة الرئيس دونالد ترامب الخليجية، حيث التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، حين دعت المبعوثة الأميركية إلى "أخذ العبرة"، علمًا أنّ هناك من يرى أنّ هذه المقارنة في غير محلّها، باعتبار أنّ القرار في سوريا هو بيد الشرع، في حين أنّ التوازنات والحساسيّات الداخلية هي الحاكمة في لبنان.
بمعزل عن كلّ شيء، وبغضّ النظر عن "مصير" مهمّة أورتاغوس، وبغضّ النظر أيضًا عن هوية "البديل" الذي سينتقل الملف اللبناني إليه، يبقى الثابت برأي كثيرين، أنّ لبنان لم يعد "أولوية" في هذه المرحلة، بعدما استحوذت سوريا على "حصّة الأسد" من الاهتمام، وسط تصاعد سريع في الأحداث المرتبطة بها أميركيًا وغربيًا، وحتى عربيًا وإقليميًا، منذ رفع العقوبات، وكلّ ما تلاه. فهل يبقى لبنان متفرّجًا، أم يلحق بالركب؟!
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|