ويحمل البعض مخاوف من أن توسيع دور باراك في سوريا ليشمل لبنان في حال انتهاء مهمة أورتاغوس، قد يعيد تدريجيا على المدى البعيد النفوذ السوري في لبنان الذي استمر لعقود مع نظام الأسد في عهد الأب حافظ والابن بشار.
وكانت قوى دولية وإقليمية في سبعينيات القرن الماضي سلمت لدمشق ملف لبنان الذي فقد سيادته حتى اندلاع ثورة الأرز منذ 20 عاما، والتي جاءت بالخروج السياسي والعسكري السوري من لبنان.
على الجانب الآخر، يرى البعض أن الوضع مختلف شكلا ومضمونا، وأن سوريا ليست بالبلد المستقر الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور، مع فشل تجربة فرض السيادة على لبنان، كما أن كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والشرق أوسطية، مسعد بولس، ذا الأصول اللبنانية، لن يقبل بذلك.
"ملحق بسوريا"
الباحث السياسي قاسم يوسف، يقول إن الخوف من توسيع دور توم باراك ليشمل لبنان في حال إزاحة أورتاغوس، هو الذهاب إلى ما يخشاه اللبنانيون بأن يصير بلدهم ملحقا بسوريا.
وأشار إلى "إرهاق" واشنطن من التعاطي مع بيروت بخصوص الملفات المعقدة وعلى رأسها تسليم سلاح حزب الله، ليكون الإقدام من جانب الولايات المتحدة، مثلما فعلوا أيام حافظ الأسد، بتسليم الملف اللبناني لدمشق، على اعتبار أنها الأقدر على إدارة الشأن اللبناني.
وأضاف يوسف، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذا الخوف قائم على الرغم من وضع سوريا الحالي التي تحتاج وقتا طويلا كي تبني نفسها وتعود إلى لعب دور إقليمي مؤثر.
وأوضح أن مجرد تسليم المبعوث الأمريكي إلى سوريا الشأن اللبناني يعني أن واشنطن باتت تنظر إلى الدولتين باعتبارهما مشروعا واحدا ودولة واحدة، ولذلك فهناك خشية بعيدة المدى في المعنى العميق لهذا التعيين إذا تم.
وذكر يوسف أنه على المدى الراهن والمنظور هناك رغبة أمريكية حقيقية لإحداث خرق كبير في الملف اللبناني، وذلك بأن يتسلمه شخص مخضرم؛ لأن من الواضح أن أورتاغوس ليست متمكنة من الشأن اللبناني بما يكفي، ولم تفهم التعقيدات على النحو اللازم.
فهم التركيبة اللبنانية
ولفت إلى أن باراك يعد من المخضرمين في مجال السياسة الخارجية ولديه فهم عميق للتركيبة اللبنانية، ولكن تبقى الخشية الحقيقية لدى اللبنانيين نتيجة تجارب مريرة تاريخية بأن يضع ذلك لبنان وسوريا في بوتقة واحدة.
واستكمل يوسف بالقول إن لبنان وسوريا يتلازم مصيرهما ومسارهما السياسي، وهذه ثابتة تاريخية لا يمكن نفيها أو تغييرها، فإذا عم السلام والازدهار الاقتصادي في سوريا ينعكس ذلك على لبنان، والعكس صحيح إذا ضربت الاضطرابات والحرب سوريا فإن ذلك يتسرب إلى لبنان.
وأردف يوسف أن الخشية من ذهاب الإدارة الأمريكية نحو تلازم ملفي البلدين بالمطلق، أي أن يكون الوضع في لبنان "في الحضن السوري"، ليعود المشهد السابق الذي عاشه اللبنانيون فترة طويلة وكان باهظ الثمن على سيادة واستقلال لبنان.
وتابع قائلا: ننتظر زيارة أورتاغوس المرتقبة التي ربما تكون الأخيرة ويتضح ما ستحمله إلى لبنان وما الذي ستقوله للمسؤولين وسط معلومات عن رسالة شديدة اللهجة وعالية السقف، وبناء على ذلك يكون تحديد مسار السياسات الأمريكية تجاه لبنان في المرحلة المقبلة.
ظروف مغايرة
من جهته، يرى المحلل السياسي اللبناني داني سركيس، أن الظروف الحالية التي يمر بها لبنان مغايرة لتلك التي كان عليها وقت التدخل السوري، والأهم من ذلك أن دمشق محاصرة بالتوجس من المجتمع العربي والدولي، وبالطبع لن يكون هناك قرار بتسليمها بلدا آخر.
وبين سركيس في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الوجود السوري في لبنان مع الحرب الأهلية مرورا بفترة الثمانينيات من القرن الماضي والذي صاحبه نفوذ فرض على الدولة وسيادتها وصولا إلى ثورة الأرز في 2005 والخروج من لبنان، كانت له معطيات ليست حاضرة الآن ولن تكون حتى على المدى القريب.
وفسر سركيس ذلك بأن سوريا كانت وقتئذ مع نظام عسكري يفرض حسابات في المنطقة ولديه قوة السلاح والارتباط بالمصالح.
وأشار إلى أن القوة العسكرية من حيث التنظيمات في البلدين مختلفة في التوجهات، سواء حزب الله حاليا أو الفصائل المسلحة التابعة لسلطة دمشق.
الحدود المشتركة
ويؤكد سركيس في الوقت نفسه، أن إخضاع لبنان لسوريا من المؤكد أنه لن يكون في ظل مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والشرق أوسطية، الذي يعتبر مقربا من الفريق اللبناني الذي يعارض أي وجود سوري في لبنان منذ عقود، أو ما كان يتم العمل عليه لتكون بيروت تابعة لدمشق.
ويرى سركيس أن احتمالية ضم الملف اللبناني إلى عمل مبعوث ترامب إلى دمشق قد يكون لوجود بعض الملفات المرتبطة ببعضها بين البلدين وفي صدارتها الحدود المشتركة وفي الوقت نفسه الخبرة التي يحملها في هذا الملف والعلاقات التي يمتلكها في لبنان، بالإضافة إلى أن أورتاغوس من الواضح أنها لا تستطيع إدارة مهمتها كما هو مطلوب حتى الآن لاسيما في ملف سلاح حزب الله.