محليات

حزب الله يتحرّك في هذا التوقيت!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في الساعات الأولى للهجمات الإسرائيلية على مواقع داخل إيران، تحركت الدولة اللبنانية سريعاً عبر قناة رسمية وازنة لاستطلاع موقف حزب الله، وما إذا كان ينوي الدخول على خط المواجهة. الرد أتى مقتضباً لكنه عميق: “ما يحصل عدوان إسرائيلي مباشر على إيران، وطهران قادرة على التصرف”. مع ذلك، أبقى الحزب لنفسه هامش تحرك محتمل في حال قرر الإسرائيلي توسيع عملياته نحو لبنان، وخصوصاً إذا شملت هجوماً برياً.

بمعزل عن الموقف العلني، كان لبنان ينقل رسائل دولية وإقليمية، تلقّاها حزب الله بمرونة واضحة، مجدداً التزامه الصارم باتفاق 27/11 وبالقرار الدولي 1701. وكل ما قيل عن تهديد أو إنذار لبناني للحزب لا أساس له من الصحة، بحسب مصادر مطلعة، بل إن مناخ التهدئة بقي هو الحاكم للعلاقة بين الطرفين. وهنا، يُدرك الحزب جيداً عمق التبدلات السياسية التي طرأت في الداخل اللبناني بعد الحرب الأخيرة.

عملياً، ما انفكت بعض المصادر، وآخرها ما نقل عن سفير غربي وازن، تُحذّر من أن إسرائيل بصدد التحرّك عاجلاً أم آجلاً صوب لبنان، حيث لا تسقط من بالها مسألة التقدم البري. مبعث هذا الكلام يرتبط، على الأغلب، بمدار الحرب الجارية في إيران والرهان على إضعاف النظام ما قد ينعكس إطلاق يد إسرائيل بشكل كامل، وأيضاً على إبقاء تل أبيب على حالة العسكرة قائمة شمالي الأراضي المحتلة. وبمعزل عن كون هذا الكلام يُنقل كنوع من الحرب النفسية أم خلاف ذلك، من الواجب التعاطي معه كإنذار قابل للتنفيذ.

يدرك حزب الله أن ميزان القوى تغيّر. وإذ يتصرف بواقعية ميدانية، فهو يعي أن إيران، في هذه المرحلة، ليست بحاجة لدعمه العسكري، بل على العكس، المطلوب منها – وأكثر من أي وقت مضى – أن تنجح في فرض توازن ردع أو إعادة خلق توازن مع إسرائيل في أعقاب الضربات الهائلة التي تعرّض لها “المحور”. من ضمن هذا التوازن، يُتاح للحزب، كما لسواه من حلفاء طهران، التنفّس في ظل هامش أوسع للمناورة والتعافي.

الضربات الإسرائيلية التي طالت إيران كانت موجعة، بل تُقارن في بعض أبعادها بما تعرض له الحزب بين 17 و23 أيلول الماضي. لكن المفارقة اللافتة أن طهران استوعبت الصدمة بسرعة، وتحركت برشاقة استراتيجية لاحتواء الضربات والرد عليها، خلافاً لما جرى مع الحزب الذي بدا، حينها، وتحت هول الضربات السريعة والمستمرة، متأثراً ويرزح تحت ثقلها بعدما بدا أن رصيدها يفوق حجمه بأضعاف.

الخطة التنفيذية الإسرائيلية للهجوم الابتدائي على إيران، اعتمدت على استهداف القادة والخبراء وعلماء الذرة والنوويين. بالموازاة، شن هجمات واسعة على البنى العسكرية الدفاعية والهجومية، وزجّ طهران في حالة “عدم يقين” و”انهيار إدراكي”. لكن الجمهورية الإسلامية خرجت بسرعة من هذا الجو، وردت بضربة مركّزة أولية وفي نفس الليلة على إسرائيل ألحقت ضرراً غير مسبوق. طهران بدت وكأنها فعلت نظرية “الإيلام”، إذ قابلت الاستهدافات الأمنية بضربات عسكرية نوعية تطال العمق الإسرائيلي، في محاولة لإعادة رسم ميزان الردع.

في المقابل، تعرف تل أبيب – ومعها واشنطن – أن طهران تسعى إلى تثبيت معادلة ردع جديدة بما يشمل إعادة رسم ميزان القوى. لذا يراهنون على مواصلة الضربات والاغتيالات، وربما التوسّع إلى ضرب منشآت حيوية كمخازن الطاقة والمصافي النفطية والغازية، بهدف إرغام طهران على التنازل تحت النار. غير أن إيران تتبع مقاربة مزدوجة، تقوم على انخراط عسكري مدروس، ومرونة دبلوماسية محسوبة. فهي لم تعلن الحرب رسمياً بعد، وتؤكد أن ما تقوم به يندرج تحت عنوان “الدفاع المشروع”، لكنها في الوقت نفسه، لا تبدو مستعدة لأي تسوية لا تعكس الوقائع العسكرية الجديدة، ولا تعيد التوازن الاستراتيجي على الأرض، بمعنى أنها تعتبر نفسها مقبلة على تسوية معينة، لكن لن يحصل ذلك وفق قواعد ما قبل 13 حزيران إنما ما بعده، ولن تخطو خطوة في هذا الاتجاه إلا عندما تتأكد بأنها قامت بصيانة التوازن العسكري مع تل أبيب.

في العمق، تدرك طهران أن نتائج هذه المواجهة ستحدد معالم المرحلة المقبلة في الإقليم. وإذا نجحت في كسر مشروع تل أبيب فستكون النتيجة إيجابية على صعيد حلفائها وعلى رأسهم حزب الله الذي سيجري حتماً إعادة تقييم شاملة لكامل المسار، وإذا ما كانت سلبية فإن النتائج والتداعيات لن تبقى محصورة داخل إيران.

تبدو الرهانات الإسرائيلية – الأميركية واضحة: إضعاف النظام، وضرب الـ”نتليجنسيا” الإيرانية، وإفقاد الدولة أوراق القوى، ووقف تقدمها عسكرياً، وتدمير البنية التحتية للقدرة الدفاعية والهجومية الإيرانية. المشروع لا يهدف فقط إلى ضرب البرنامج النووي، بل إلى شلّ منظومة القوة الإيرانية المتكاملة، وتهيئة الأرضية لاحقاً لنشر الفوضى داخل الأراضي الإيرانية.

ولعلّ اختيار تل أبيب “الأسد الصاعد” عنواناً لحربها، بما فيه من دلالات لتحقيق مشروع “الصعود والهيمنة”، يُختزل بعد هذه الاستراتيجية. فالصراع يتجاوز الحسابات النووية، ويتصل بمشروع إقليمي أوسع: تطويع إيران، وشلّ أذرعها، وإعادة النظام الإيراني إلى داخل حدوده، ورسم خارطة النفوذ بما يتناسب مع موازين قوى جديدة. لكن حتى اللحظة، لا تزال طهران ترفض وتقاتل وتُخفي مفاجآت. وخلافاً للمزاعم، ورغم شدّة الضربات التي وُجّهت إليها، ما تزال تستخدم من ترسانتها الصاروخية الأحجام والأنواع التقليدية غير الاستراتيجية.

عبدالله قمح- ليبانون ديبايت

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا