امتحانات تحت الضغط… غياب “الاختياري” يعمّق أزمة الطلاب
مع اقتراب موعد الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية العامة بفروعها الأربعة، والمقرّرة في التاسع من تموز المقبل، يعيش طلاب البكالوريا مرحلة من التحضير المكثّف، وسط ضغوط نفسية وتعليمية فرضها عام دراسي لم يكن عادياً، لا على الطلاب ولا على الوطن.
وفي وقت أُلغيت فيه امتحانات الشهادة المتوسطة لهذا العام، وأُجريت الامتحانات المهنية، بدا المشهد التربوي منقسماً حول مطلبٍ تصدّر واجهات الاحتجاجات الطلابية: إقرار نظام المواد الاختيارية.
طلاب نزلوا إلى الشارع، عبّروا عن معاناتهم، وطالبوا بمرونة في النظام الامتحاني تتناسب مع الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي انعكست على تحصيلهم العلمي. إلا أن موقف وزيرة التربية والتعليم العالي ريما كرامي، جاء حاسماً برفض هذا التعديل، مؤكدة أنّ “الاختياري” لم يعد مطروحاً بأي شكل من الأشكال.
مع ذلك، لم تُقفل كرامي الباب تماماً في وجه مطالب الطلاب، بل أشارت في تصريحاتها الأخيرة إلى أنّها مدركة تماماً للظروف القاسية التي مرّ بها العام الدراسي، وأنّ هذه المعطيات ستؤخذ في الاعتبار أثناء إعداد أسئلة الامتحانات.
الوزيرة لم تفصح عن تفاصيل، لكن حديثها عن “احتمالات واردة” فتح باب التكهّنات حول طبيعة الامتحانات، ما إذا كانت ستأتي ضمن مستوى سهل أو متوسط يراعي واقع الطلاب، من دون أن يُفرّط بمعايير الشهادة الرسمية.
وفي حديث سابق لموقع “لبنان الكبير”، شدد نقيب المعلمين نعمة محفوض على رفضه مبدأ المواد الاختيارية في الامتحانات الرسمية، معتبراً أن “الشهادة يجب أن تبقى موحدة وشاملة، لأنها المعيار الحقيقي لقياس مستوى الطالب، وضمانة لعدالة التعليم بين الجميع.”
وأوضح محفوض أن تقليص المناهج حصل بصورة متكررة خلال السنوات الماضية، تحديداً في مواد كالرياضيات والعلوم، وقال: “أنا كأستاذ رياضيات، أؤكد أن المناهج اليوم باتت مختصرة بصورة كبيرة مقارنة بالسابق”.
ورأى أن المرحلة الحالية تتطلب توازناً بين دعم الطلاب نفسياً وأكاديمياً، وبين الحفاظ على مستوى الشهادة الرسمية، مشيراً إلى أن “التراجع عن المعايير بحجّة الأزمات قد يضرب قيمة الشهادة اللبنانية محلياً ودولياً.”
ضغط نفسي واستياء طلابي من غياب الخيار
رئيسة إتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لمى الطويل عبّرت لموقع “لبنان الكبير” عن قلقها من تداعيات القرار التربوي الرسمي بعدم اعتماد نظام المواد الاختيارية هذا العام، مؤكدة أن “الوضع التربوي والنفسي لا يسمح بالتعامل مع الامتحانات وكأن الأمور طبيعية”.
ورأت الطويل أن “العام الدراسي لم يكن عادياً بأي شكل، حتى لو تمكّن بعض المدارس الخاصة من إنهاء البرامج الدراسية، إلا أن الأذى النفسي الذي لحق بالطلاب، خصوصاً في المناطق غير الآمنة، كان كبيراً ومؤثّراً”، لافتة إلى أن “هناك تلاميذ ما زالوا يعيشون في ظل ظروف أمنية صعبة حتى اللحظة”.
وأضافت: “نحن لسنا في وضع طبيعي، وأقله في هذه السنة كان من الأفضل اللجوء إلى نظام المواد الاختيارية. أنا لا أطالب بتخفيض المستوى أو ضرب الشهادة اللبنانية، فنحن حريصون على جودة التعليم، لكن كان يمكن اعتماد حلول وسطية، مثل السماح بالاختياري هذا العام مقابل أن تقوم الجامعات بتكثيف بعض المواد في أول فصل دراسي”.
قرار متأخر وظروف لم تُراعَ
وعلى الرغم من تفهّمها لنية الوزارة في الحفاظ على هيبة الشهادة، اعتبرت الطويل أن “اعتماد النظام الاجباري حالياً ظلم فئة من الطلاب، بينما سينجو منه آخرون. كنا أمام فرصة لاتخاذ قرار أكثر عدلاً يراعي واقع البلد الذي لا يزال يغرق في أزمات متراكمة”.
وتمنت الطويل أن تراعي وزارة التربية هذه المعطيات عند وضع أسئلة الامتحانات، “فلا تكون تعجيزية أو خارجة عن مستوى التحصيل العام”، داعية في الوقت نفسه إلى اعتماد “منهجية تصحيح عادلة تأخذ في الحسبان ما مرّ به الطلاب من ضغوط وتحديات غير مسبوقة”.
وعن أولياء الأمور، قالت الطويل: “المعنويات منخفضة، والضغط النفسي كبير. الأهل يعيشون في قلق دائم منذ بداية العام. التعليم بدأ عن بعد، والظروف الاقتصادية أرهقت العائلات. لكن على الرغم من كل شيء، فإن معظم المدارس الخاصة قام بواجباته، خصوصاً في المناطق الآمنة، وساعد تلامذته قدر المستطاع”.
وأشارت إلى أن “الخشية الأكبر تبقى على طلاب المناطق التي لم تنعم بالهدوء، وهؤلاء لا يجب أن يُقارنوا بغيرهم في ظروف مختلفة”.
وختمت الطويل حديثها لـ “لبنان الكبير” بالتشديد على ضرورة الإنصات لأصوات الطلاب والأهل، متمنية من وزيرة التربية “أن تنظر بواقعية إلى ما يمر به الطلاب، وتحرص على مصلحة الجميع، لأن أي قرار اليوم لا يجب أن يُبنى على معيار الأداء وحسب، بل على مبدأ العدالة”.
“كان يجب مراعاة ظروف الطالب”
الواقع التربوي الحالي يشهد أزمة نفسية خانقة يعيشها الطلاب والأساتذة على حدّ سواء، نتيجة الضغوط المتعددة التي تفرضها الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد، بحسب الأخصائية التربوية والمعلمة ملاك يونس التي قالت لموقع “لبنان الكبير”: “نعلم جميعاً أن الامتحانات الرسمية تشكّل محطة أساسية ومفصلية في حياة الطلاب، ولكن ما نعيشه هذا العام هو ظروف استثنائية بكل المقاييس، انعكست سلباً على الجهوزية النفسية والأكاديمية للتلامذة”.
وأوضحت أن “غياب قرار اعتماد المواد الاختيارية زاد العبء على الطلاب، الذين باتوا مضطرين الى التحضير المكثّف لكامل المواد، في وقت يعانون فيه من التعب الذهني والتشتّت. حتى بعض الادارات التربوية، كما أخبرتني إحدى المنسّقات، اضطر إلى تكثيف الدروس في الأيام الأخيرة بصورة غير مدروسة، بسبب اعتقاد البعض أن المواد الاختيارية ستعتمد في اللحظة الأخيرة، وهو ما لم يحدث”.
وأكّدت يونس أنّ من غير المنطقي التعامل مع التعليم كعملية تلقين فقط، معتبرة أن “التعليم ليس مجرد إنهاء منهج، بل هو فهم للواقع وإدارة له. كان يجب أن نراعي الظرف الذي يمر به الطالب، لا أن نحمّله أكثر ممّا يحتمل”.
ورأت أن “إعطاء الطالب خيار التقدّم فقط في المواد التي تمكّن من دراستها بعمق، كان ليخفّف كثيراً من الضغط النفسي عنه، ويساعده على تقديم أفضل ما لديه، خصوصاً في ظلّ هذه الأزمة المعقّدة. لا نقول إن المواد الاختيارية يجب أن تُعتمد دائماً، ولكن في هذا العام تحديداً، كان اعتمادها خياراً واقعياً وإنسانياً في آنٍ معاً”، مشددة على أن “حماية الشهادة الرسمية لا تعني تجاهل معاناة الطلاب، بل تكمن في إيجاد توازن بين الحفاظ على المستوى الأكاديمي، ومراعاة الواقع القاسي الذي يواجهه الطالب اللبناني اليوم”.
الطلاب: “بالكاد خلصنا المنهج”
ورصد موقع “لبنان الكبير” تحضيرات طلاب الشهادة الرسمية للامتحانات، وقالت رنا ح (فرع علوم الحياة): “بصراحة كنا نأمل اعتماد المواد الاختيارية، لأننا بالكاد خلصنا المنهج، وكل الظروف كانت ضدنا. تعبنا نفسياً وذهنياً، خصوصاً مع الضغط في المدرسة وتكثيف الدروس في آخر لحظة. بس شو بدنا نعمل؟ منكمّل رغم كل شي.”
أما جاد ن (فرع الاجتماع والاقتصاد) فأكد “أنا في الأساس كنت مع المواد الاختيارية، لأننا لسنا كلنا لدينا القدرة نفسها على درس كل المواد في ظل الأزمة. نزلنا الى الشارع وطالبنا، ولكن للأسف لا أحد سمعنا. التحضير عم يكون تحت ضغط، وعم جرّب ركّز على قد ما فيّي.”
وأعربت نور ع (فرع علوم الحياة) عن جهوزيتها، قائلة: “الحمد لله، خلصت دراستي من زمان وراجعت كل شيء. لا فرق لدي إذا كانت هناك مواد اختيارية أم لا، المهم أن نعمل ما علينا ونبرهن أننا قدّها. متفائلة ومصمّمة على أنجح وأحصل على علامة جيدة.”
وفي إطار الاستعدادات الادارية الخاصة بالامتحانات، أعلنت “قناة طلاب لبنان” عن بدء تسليم بطاقات الترشيح لامتحانات الشهادة الثانوية العامة للعام الدراسي 2025، اعتباراً من صباح يوم الجمعة 27 حزيران، عبر مندوب تعيّنه المدرسة لتسلمها، وذلك بموجب كتاب رسمي موقع من إدارة المدرسة، على أن تُرفق مع المندوب لائحة بأسماء المرشحين للتأكد من دقة عملية التسليم.
أما الطلاب المتقدمون بصفة حرة لامتحانات الشهادة الثانوية والمتوسطة، فيمكن لهم أو لذويهم تسلم بطاقاتهم من المنطقة التربوية في بعلبك يومي الجمعة والسبت، وذلك في الفترة من الساعة الثامنة والنصف صباحاً وحتى الثانية بعد الظهر.
عمر عبد الباقي - لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|