بعد ساعة من التأخير...انطلاق الجلسة التشريعيّة وهذا ما تمّ اقراره
33 عامًا من الإمساك بمفتاح المجلس... هل تكسر "القوات اللبنانية" القفل؟
ثلاثة وثلاثون عاماً ونبيه برّي سيّد المجلس النيابي بلا منازع. حكَمه ولاعبه في آنٍ، وقد يصحّ فيه القول: «أبو علي المجلس والمفتاح في جيبه». يشرّع أبوابه متى يشاء، ويُوصدها حين يقرّر. يُمرّر ما يطيب له من قوانين، ويُقصي ما لا يروق له. يحصي الأصوات كما يشتهي، ويأكل بعضها عندما يشعر أنّ الطبخة باتت على وشك مغادرة مطبخه.
ثلاثة وثلاثون عاماً من الحراسة الأحادية الصارمة على باب المجلس، جعلت التشريع ملكية خاصة، لا يجرؤ أحد على الدخول إليها من دون إذنه. يُمسك بمفتاحها، كما يُمسك بمفتاح بيته. ومهما علا صراخ الفريق المناوئ له، يبقى في خانة الضجيج، بلا ترجمة تشريعيّة ولا قدرة على خرق قفل الباب.
اقتراع المغتربين في أماكن قيدهم، هو عنوان الكباش الحالي في المجلس النيابي، وبرّي هو «جون برزينك» المجلس، والملقّب بـ «أسطورة الكباش». يجلس هناك كوحيدٍ، لكنّه لا يبدو بحاجةٍ إلى ظهير. كلّ الذين يدورون في فلك «الممانعة» وأخواتها يتموضعون خلفه، من «حزب الله» إلى «التيار الوطني الحرّ»، مروراً بمن بينهما، ومع ذلك، لا ينتظرُ منهم عونًا، إذ يعرف كيف يُديرُ اللعبة وحده.
صحيحٌ أنّه الأكبر سناً، والعمر يُرهق العضلات، لكن برّي يزداد صلابةً كلّما طال عمره وعمر الكباش. خصومه كثر، من «سياديين» إلى «تغييريين»، يصطفّون في مواجهة عنيدة حول اقتراع المغتربين في أماكن قيدهم، لكن على الطاولة، لا يبدو برّي اللاعب الأضعف، رغم أحقيّة المطلب، بل هو الأكثر حنكةً. يدير النزاع بنفسٍ طويل.
ثلاثة وثلاثون عاماً على باب البرلمان، صاغت رئيس المجلس رجلاً من طرازٍ خاص. لا يشبه أحداً: الأكثر خبرة وحنكة، مدجّج بفطنة لا تُخطئ، ودهاء يصعب التقاطه، وذراع حديدية عصيّة على الكسر أو الثني أو الّلي. واليوم تعود ذراعه إلى طاولة الكباش، في مواجهة تحالف متنوّع. لكن السؤال لا يتعلّق فقط بمن سيلوي ذراع من، بلّ لماذا يرى برّي أصلاً في المشروع محاولة للي ذراعه؟ أهو اشتباك تقني على بند انتخابي، أم فصل جديد من الصراع على هوية المجلس؟ في انتخابات العام 2022، ذهب برّي طوعاً، نحو اقتراع المغتربين في أماكن قيدهم، رغم ممانعة «الممانعة». لم تكن خطوة ديمقراطية بقدر ما كانت لكمة سياسيّة أرادها أن تحطّ على وجه جبران باسيل. لكنّ اللكمة ارتدّت إليه بـ 12 نائباً خرجوا من رحم المغتربين، ومن خارج طوعه وطوع حلفائه، أحدثوا انقلابًا نيابيًا، أخلّ بتوازنات المجلس.
برّي، الملاكم العتيق، تمايل للحظة على الحلبة، ولكنّه لم يسقط. 65 نائباً فقط منحوه أصواتهم من أصل 128، في أدنى حصيلة ينالها خلال فترات ولاياته السبع. «فرقت على شعرة» في انتخابات 2022، لكنّ «الشعرة لم تنقطع... بعد». فهل يقطعها اقتراع المغتربين لـ 128 نائباً في انتخابات 2026؟
انتخابات العام 2018، كانت أوّل انتخابات يُدلي فيها المغتربون بأصواتهم. «القانون اللقيط» الذي تبنّاه أكثر من والد محتمل، من دون أن نعرف من هو والده البيولوجي، حصر حقّ اقتراع الخارج بـ 6 نواب. ولكن حقّ الاقتراع للمغتربين لم يكن وليد اللحظة، بل ورد لأوّل مرّة في العام 2008. يومها كان زياد بارود وزيراً للداخلية، واستلهم خطوته من تعاونه مع «بيت لبنان والعالم»، فأدرج في المادة 104 من قانون الانتخاب نصّاً واضحاً: «لكلّ لبناني غير مقيم على الأراضي اللبنانية أن يمارس حق الاقتراع في السفارات والقنصليات... في الانتخابات التي تلي انتخابات 2009». الحقّ سُجّل، وإن لم يُحدَّد حينها كيف.
لكن، كما العادة في جمهورية الأعذار، لم تُجرَ انتخابات 2013، إذ أصيب البرلمان بفيروس التمديد، واستمرّ المرض حتى عام 2018. هناك، جرى أول تطبيق فعلي لاقتراع المغتربين. تمّ تجاوز ما نصّ عليه القانون الجديد، وبدلًا من انتخاب ستة نواب للمغتربين، اقترع هؤلاء للـ 128 نائباً. سجّل 82,965 مغترباً أسماءهم، وصوّت منهم 46,799. لم يُحدث ذلك زلزالاً في تركيبة المجلس، فبقيت التوازنات على حالها تقريباً.
في 2022، قرّر برّي فجأة تعديل النصّ لمرّة واحدة: انتخاب النواب الـ 128 من المغتربين. قال هؤلاء كلمتهم، ولم تكن في صالح «الثنائي» وحلفائه بعد «ثورة 17 تشرين». بقي عدد الذين صوّتوا لـ «أمل» و»حزب الله» تحت عتبة الـ 20 ألفاً، من أصل 141,575 مغترباً اقترعوا، و225,277 ناخباً تسجّلوا على قوائم الاقتراع. في المقابل، وحدها قوى الثورة حصدت 36,705 أصوات، و «القوات اللبنانية» 29,002 صوت. المعادلة كانت واضحة: الثورة حازت على حصّة الصبي، «القوات» تقدّمت، «التيار الوطني الحرّ» راوح مكانه، فيما برّي وحلفاؤه خسروا توازن البرلمان.
اليوم، تشير التقديرات إلى أنّ عدد المقترعين في انتخابات 2026 قد يلامس عتبة الـ 200 ألف، أي بزيادة تقارب الـ 60 ألف صوت إضافي عن انتخابات 2022. وهذا كفيل عددًا واتّجاهًا، بإحداث تغيير يتجاوز الـ 12 نائباً الذين أفرزهم اقتراع المغتربين في 2022. والرئيس برّي مدرك أنّ الصوت الاغترابي لم يعد مجرّد صدى بعيد في بلاد الله الواسعة، بلّ تحوّل إلى قوّة صاعدة تهدّد راحة المنظومة التقليدية، وأنّ هذه القوة لا يمكن أن تقابل بالصمت أو التجاهل، بل تحتاج إلى تحجيم عبر تدخّل يُبقي القديم على قدمه، ولو استدعى الأمر تجاهل مشروع قانون معجّل مكرّر حول اقتراع المغتربين. وللمفارقة، التجاهل الذي مارسه برّي أمس، كان سابقة، بحيث لم يُسجّل عليه منذ ثلاثة عقود، إقصاء مشروع كهذا عن جدول الأعمال.
في جلسة الأمس التي لم تخلُ من رسائل سياسية واضحة، انسحب نواب «القوات» و«الكتائب» وبعض نواب «التغيير» و»المستقلين» من التشريع، اعتراضًا على مسارٍ يُصرّ برّي على تثبيته. ولكن الأهم من مشهد الأمس، هو ما سيليه: هل ستتحوّل هذه المقاطعة إلى موقف سياسي تصعيدي منظم؟ أم ستبقى خطوة رمزية تُضاف إلى أرشيف الاعتراضات التي لا تُقلق «الحرس القديم» في شيء؟ وفقاً لمطلعين على خفايا التوازنات داخل المجلس النيابي، يبدو أن «التغييريين» أكثر حاجة من «القوات اللبنانية» إلى أصوات المغتربين، ما يجعل موقفهم أكثر تصلباً في معركة اقتراع الخارج. أما «القوات»، التي ترى في تمدّدها الداخلي على حساب «التيار الوطني الحر» المتراجع، مكسبًا مضمونًا، فقد تُبدي مرونة أكبر أمام ضغوط الرئيس برّي، وتفضّل تمرير العاصفة بدل الاصطدام بها. في المقابل، تبدو «أحادية» التغييريين غير كافية وحدها لمقارعة منظومة اعتادت أن تتقن لعبة الإنهاك والاحتواء.
وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل تتطلّع «القوات» في انتخابات 2026 إلى إعادة تشكيل البرلمان على قاعدة تغيير هويته، أم أنّ طموحها سيقتصر على تعظيم كتلتها لا تغيير المعادلة؟
نورما أبو زيد - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|