الصحافة

البحر في لبنان لمن يدفع أكثر... حتى اشعار آخر!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مع ارتفاع درجات الحرارة، يبحث اللبناني عن أي فرصة للهروب من روتين الانهيار الاقتصادي ووطأة الأخبار السيئة. البحر لطالما كان خيارا طبيعيا من دون كلفة، الا انه في لبنان صيف 2025، تحوّل إلى سلعة مترفة تتطلب ميزانية خاصة، هذا إن وجد المواطنون شاطئا نظيفاً أو مسبحا لا يستنزف دخلهم الشهري في يوم واحد.

البحر المتنفس الأخير... بات ملوثًا!

في جميع الاحوال، ليس أغرب من صمت الجهات الرسمية أمام انفجار الأزمات البيئية المتراكمة، سوى هذا التواطؤ المستتر مع الفوضى. ففصل الصيف في لبنان، بدلا من أن يكون موسم انتعاش واستجمام، تحوّل إلى واجهة تُعرض فيها مشاهد النفايات المتناثرة، والمياه الملوثة، وروائح الصرف والنفط والبلاستيك المنبعثة من كل شاطئ عام، من دون حسيب أو رقيب.

ومع ارتفاع أسعار المسابح الخاصة وتحولها إلى نوادٍ مقفلة على الميسورين فقط، باتت الشواطئ العامة، المتاحة للطبقات الأضعف، أسيرة الإهما، ومسرحا للنفايات الكيميائية والصناعية، وللممارسات غير القانونية التي تعبث بصحة الناس وتهدد الحياة البحرية برمتها.

فإلى متى تبقى الجهات المعنية تكتفي بالبيانات؟ وما الذي يمنع من اتخاذ خطوات عاجلة في ضبط الفوضى، وتكليف فرق ميدانية بمراقبة الشواطئ، ومنع كل من يحوّلها إلى مكبّ خلفي لمصانعه أو وسيلة للتخلّص من نفاياته؟

صحيح أن لبنان عاش ظروفاً أمنية ضاغطة، وربما تعطّلت مشاريع بيئية كان يُفترض أن تُبصر النور، لكن هل يُعقل أن تمرّ التقارير الصادرة مؤخرا عن المركز الوطني للبحوث العلمية، والتي تصنّف عدداً كبيراً من الشواطئ المحلية على انها مناطق محظورة بسبب التلوث، من دون أي تحرّك عملي أو قانوني أو حتى توجيهي؟

أين هي خطط وزارة البيئة؟ وأين هي الهيئات الرقابية؟ وأين نحن من الحدّ الأدنى من الحفاظ على ما تبقّى من صورة هذا البلد الذي لطالما تغنّى بساحله؟

تقرير "مخيف"!

لعله من المفيد ان نذكر التقديرات الحديثة التي تشير إلى أن مصادر التلوث البحري في لبنان تتخطى 75 نقطة متغيرة باستمرار، وفقا للمركز الوطني للبحوث العلمية. اذ تكشف الأرقام هشاشة الوضع البيئي على السواحل اللبنانية، حيث لا تتوفر ضمانات كاملة لسلامة مياه السباحة. وخلص التقرير الى ان نحو ثلث الشواطئ اللبنانية تُظهر مستويات تلطّخ تتراوح بين الخطرة والشديدة، مما يجعلها غير ملائمة للسباحة، خصوصا في المناطق الشعبية التي يعتمد عليها كثيرون كملاذ ترفيهي منخفض الكلفة.

وقد شملت التقييمات الميدانية 38 موقعا ساحليا، وأظهرت أن 24 منها فقط تتمتع بمياه صالحة، بينما تعاني المناطق الأخرى من تدهور متسارع في جودة المياه. وقد انضمت في العاصمة، منطقة المنارة إلى لائحة المواقع الملوثة، كما سجلت مناطق مثل طرابلس وضبيه والرملة البيضاء معدلات متزايدة من التلوث.

رغم ان نتائج الاختبارات التي اجراها مركز البحوث ترسم جوا من التشاؤم والحذر، وتبين خطورة واقع الشواطئ البحرية في البلاد، الا ان الباب لا يزال مفتوحا أمام الوزارة لتثبت حضورها وجدّيتها في هذا المجال، انما ليس عبر المؤتمرات، بل عبر تفعيل رقابتها على الشواطئ العامة، وتأمين فرق تنظيف مستدامة، وملاحقة كل من يرمي في البحر أوساخه أو نفاياته السامة. هذه ليست مطالب شعبوية، بل واجب دولة تحترم نفسها، وتحمي ما تبقى من بحرٍ، صارَ على شفير الاختناق.

يوم واحد يحتاج الى "ميزانية"!

من زاوية أخرى، وفي جولة ميدانية قامت بها "الديار" على أبرز المسابح والشواطئ الممتدة على طول الساحل اللبناني، تبيّن أن أسعار الدخول إلى المسابح الخاصة بلغت مستويات غير مسبوقة، تعكس انفصالاً تاما عن القدرة الشرائية لدى المواطن العادي. ففي حين كانت التسعيرة في الأعوام الماضية تتراوح بين 15 و20 دولارا وكحد أقصى 30، قفزت اليوم إلى معدلات تلامس الـ 50 دولارا، بل تفوقها في بعض الأماكن. وفي ما يلي نبذة عن أسعار بعض الأماكن:

- في Kempinski Summerland، الواقع في شارع الأخطل الصغير، تبدأ تعرفة الدخول للكبار من50 دولارا ، وتصل في نهاية الأسبوع إلى 60، فيما يدفع الأطفال فوق الاربع سنوات 20 $، في حين ان من هم دون هذا العمر يدخلون مجانا.

- تتراوح رسوم الدخول في Mövenpick ، بين 35 و50 دولارا للكبار، و25 إلى 30 للصغار، دون أن تشمل هذه الأسعار أي خدمات إضافية من طعام وشراب.

- التعرفة في Lancaster Eden Bay عند الرملة البيضاء، تتراوح بين 40 و45 دولارا.

- الكورال بيتش في بيروت يتقاضى في الأيام العادية 30 دولارا للكبار و15 للصغار، وفي نهاية الأسبوع للكبار 40 والصغار 20 دولارا. ووفق إدارة المسبح، فإن التعرفة تتغير في أيام معينة، اذ تصبح للكبار 15 وللصغار 10 دولارات.

الى جانب كل ما تقدم، فان تسعيرة المسابح ذات التصنيف الأقل رفاهية مثل San George في الزيتونة باي، لا تعتبر مقبولة بالنسبة الى الكثير من الاسر، اذ بلغت تعرفة الدخول في الأيام العادية للكبار 25 دولارا، وترتفع الى 35 في نهاية الأسبوع، وتبلغ للصغار في منتصف الأسبوع 15 دولارا، وفي نهاية الأسبوع 25$ ، ما يضع العائلات ذات الدخل المتوسط أمام معضلة: يوم سباحة قد يكلّفها ما يزيد عن 100 دولار كحدّ أدنى، إذا أُضيفت كلفة المياه والطعام.

وفي نفس الصدد، انتقد السيد موسى كرم الذي التقيناه عند مدخل أحد المنتجعات، رسوم الدخول التي اعتبرها خيالية قائلا: "لقد بتنا نشعر وكأننا نعيش في موناكو وليس في بيروت. نحتاج أنا وزوجتي وولدان الى راتب صغير لكي نمضي نهارا في مسبح". وأضاف وهو يتأمل في لائحة الأسعار: "حتى قنينة الماء العادية ثمنها 3 اضعاف السعر المتعارف عليه في الدكاكين". وختم "ما في شي داخل بالتسعيرة"".

تدنيس الشواطئ العامة "مزلزل"!

وفي مقابل هذه الكلفة المرتفعة، يلجأ عدد كبير من العائلات إلى الشواطئ العامة، لكن المفارقة أنّها تحوّلت إلى مكبّات مفتوحة للنفايات، ومصدر خطر صحي لا يقلّ فتكًا عن الأزمات الاقتصادية. فشواطئ مثل "عين المريسة" و"المنارة" و "الضبيه" باتت مغطّاة بالبلاستيك وبقايا المخلّفات الصناعية واكياس النايلون حتى حفاضات الأطفال، وفق ما وثقته "الديار".

فوق الطين بلّة!

على المستوى الاجرائي، اكدت وزارة البيئة في بيان لها صدر بتاريخ 27 حزيران 2025، وجود بقع نفطية سوداء إلى بنية على سطح المياه والصخور المجاورة في منطقة الجية، بالإضافة إلى انبعاث روائح كيميائية كثيفة، مرجّحةً أن يكون التسرّب ناجما عن "تفريغ أو غسل غير قانوني لخزانات النفط قرب المعمل". وأشارت الوزارة إلى نيتها اللجوء إلى القضاء، وفتح تحقيق موسّع لمحاسبة الجهة المسؤولة.

فشل اداري مزمن!

استنادا الى ما سبق، يوضح مهندس في مجال الطاقة، يشرف على أحد المطامر لـ "الديار" ان "ما نشهده اليوم هو فشل إداري وبيئي على حد سواء، على اعتبار ان الشواطئ العامة بمثابة ثروة وطنية، والتعامل معها بهذه الخفّة جريمة بيئية موصوفة". كاشفا ان "التسرّب النفطي في الجية ليس الأول ولن يكون الأخير، إذا لم يُطبّق القانون ويُفرض الردع".

ويضيف: "بموجب قانون حماية البيئة رقم 444/2002، فإن التسبب بتلويث البحر بأي مواد كيميائية أو نفطية، يندرج ضمن الجرائم البيئية التي تستوجب ملاحقة جزائية وغرامات، ويمكن حتى الوصول إلى الحجز على المنشأة المتسببة إذا ثبتت مسؤوليتها".

خلاصة القول: مع المقارنة بالسنوات الماضية، يتضح أن ما يجري هذا العام تجاوز مجرد ارتفاع الأسعار أو غياب النظافة، بل تحوّل البحر من مساحة عامة إلى امتياز خاصّ، ومن نعمة طبيعية إلى عبء مادي وصحي، وسط غياب أي خطة واضحة من الجهات الرسمية.

فهل يُعقل أن تكون كلفة يوم واحد على البحر تقارب نصف الحد الأدنى للأجور؟ وهل يُترك المواطن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الإنفاق فوق قدرته، أو المخاطرة بصحّته؟

حتى إشعار آخر، يبدو البحر في لبنان... لمن يدفع أكثر.

ندى عبد الرزاق -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا