سعيد: كل الترحيب بزيارة مفتي الجمهورية وصحبه الى الرئيس الشرع
"مكافأة"مالية لمن سطا على أرض الدولة أو أرض الغير...سلبطة تعويضات متضرّري الحرب تجاوزت حدود الوقاحة
اعتقد المواطن، بعد طول انتظار، أن البلد دخل أخيرًا عصر الإصلاح، عصرٌ لا مكان فيه لهيمنة قوى سياسية على مفاصل قرارات الدولة. عصرٌ لن نشهد فيه مخالفات قانونية في فتح الاعتمادات الإضافية وإقرار إعفاءات لمصلحة فريق الثنائي الشيعي، الذي أدخلنا في الحرب من دون الرجوع إلى الدولة، وكل ذلك خارج إطار موازنة 2025 ومن دون تأمين التمويل اللازم.
وما زاد الطين بلّة، أن تلك الإعفاءات من الرسوم والضرائب "مفتوحة زمنياً" لمتضرّري الحرب الإسرائيلية من دون تقدير قيمتها وتأمين الواردات لها وهنا قمّة الوقاحة! ما يجعلنا نعود لطرح علامات استفهام مجدّداً حول جدّية الالتزام بالإصلاح المالي الحقيقي؟
لا أرقام دقيقة أو رسمية حول إيرادات الدولة المحقّقة للنصف الأول من العام الجاري، ولا تقديرات لقيمة الإعفاءات الجمركية والرسوم التي أقرّها مجلس النواب للمتضرّرين من حرب إسرائيل على "حزب اللّه"، التي ستحرم الخزينة من هذه العائدات لسنوات غير محدّدة. بالإضافة إلى التعويضات التي سيكون على الدولة أن تدفعها إلى متضررين سبق وخالفوا القانون، وتسلبطوا على أراضي الدولة أو المشاعات، وبنوا عليها، بحكم قوة الأمر الواقع، منازل. بل أكثر من ذلك تمّ فتح اعتمادات إضافية "عن بو جنب" بموجب مشاريع قوانين و"الحبل على الجرار"... بعيداً عن أي دراسة حول تأثير ذلك على عجز الموازنة ومن دون معرفة قيمة الواردات الفعلية، ما يؤشّر إلى أنّ عواقبها ستكون كبيرة على الاقتصاد والإصلاحات المنشودة.
في الحكومات السابقة، كانت عملية تغطية النفقات الإضافية أو النفقات من خارج الموازنة تتم عبر سندات خزينة، أما اليوم صحيح أن الحكومة، "شرعنت" تلك الاعتمادات من خلال إحالتها على شكل مشاريع قوانين، إلا أنّها عادت وخالفت الأصول من زاوية عدم توفير الأموال التي تحتاجها من الواردات قبل إقرارها، من هنا إن تداعيات تلك التدابير المتوافق عليها من الثنائي الشيعي و"التيار الوطني الحرّ" وبعض النوّاب الـ"مسايرين" لهما، ستكون وخيمة على الاقتصاد وعلى المالية العامة.
انطلقت الأخطاء عندما صدرت موازنة 2025 بمرسوم من دون أن تتمّ مناقشتها في مجلس النواب بعد انتهاء حرب الشهرين وتشكيل حكومة جديدة، مع كلّ عوراتها والتي تمّ التحذير منها مراراً وتكراراً في لجنة المال والموازنة. فتقديرات تلك الموازنة للنفقات أو الواردات غير صحيحة أصلاً، وعادة إذا وجدت الحكومة أن النفقات غير كافية يحقّ لها فتح اعتمادات إضافية ولكن بناء على دراسة حول مصدر الأموال لتمويل الاعتمادات الإضافية.
قوانين فتح الاعتمادات
والالتزام بالقوانين هذا لم يحصل في زمن الإصلاحات، إذ أقرّت الهيئة العامة لمجلس النواب، خلال الجلسة التي انعقدت يوم الثلثاء المنصرم التي بقي نصابها مؤمنًا رغم انسحاب عدد من النوّاب من عدة كتل نيابية، اعتراضًا على عدم ادراج القانون المعجل المكرر لتعديل قانون الانتخاب، مشروع القانون المعجّل الوارد بالمرسوم 385، والرامي لفتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لعام 2025 في باب وزارة التربية والتعليم العالي، لإعطاء مساهمة لصندوق التعاضد لأفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية، تغطية للمساعدات الاجتماعية والصحية بقيمة 1300 مليار ليرة وتغطيته خلافًا للقانون من "زيادة تقدير الواردات العادية لعام 2025".
وأقرّ 1500 مليار ليرة لصندوق تعاضد القضاة وفق الصيغة التي أقرّتها لجنة المال والموازنة بعدما تمّ خفضها من 2000 مليار ليرة.
وفي المقابل، أقرّ مجلس النواب أيضاً مشروع القانون المعجل الوارد بالمرسوم 410 الرامي لمنح المتضرّرين من الحرب الإسرائيلية على لبنان بعض الإعفاءات من الضرائب والرسوم، وتعليق المهل المتعلقة بالحقوق والواجبات الضريبية معدلاً تقابلها تعويضات لإعادة البناء.
تكون بذلك الحكومة خلال أسبوع واحد أقرّت ثلاثة مشاريع قوانين لفتح اعتمادات إضافية بقيمة 210 ملايين دولار إذا أضفنا اليها، إلى المذكورة آنفاً، مشروع قانون فتح اعتماد للعسكريين البالغة قيمته نحو 15800 مليار ليرة (والذي كانت الحكومة قد ربطت تمويله من زيادة سعر المحروقات السائلة والمطعون به أمام مجلس شورى الدولة).
لا جدول بالأرقام الفعلية
كلّ ذلك يأتي مقابل عدم إفصاح أو تقديم جدول أو كشف رسمي من وزارة المالية عن قيمة الإيرادات المحصّلة لغاية اليوم، وما إذا كان لدينا فائض في موازنة 2025 من الإيرادات، وما إذا كانت التقديرات بالموازنة صحيحة أو خاطئة.
فمبلغ الـ 210 ملايين دولار، يشكّل نفقات إضافية لموازنة قدّرت نفقاتها بـ 5 مليارات دولار. ما يطرح سؤالين على طاولة البحث:
أوّلاً، هل هناك فائض في الواردات في الأشهر الستة الماضية؟ وهل تمّ تحصيل كل الأموال المفترض جبايتها أو كان تقديرها خاطئاً، نتيجة الحرب وتوقف المؤسسات عن العمل وتهدّم الجنوب والحرب الإيرانية- الإسرائيلية التي أثّرت على السياحة في لبنان؟
"لا جواب حتى الساعة"، تقول النائبة غادة أيوب، التي كانت ضمن النواب الذين انسحبوا من جلسة الثلثاء، على تلك التساؤلات إذ في مقابل زيادة الإنفاق أقرّ مجلس النوّاب مراسيم قوانين إعفائية من الضرائب، كما تمّ إقرار مشروع قانون تصحيحي يرمي إلى تخفيض الرسوم على المشروبات الكحولية وغيرها، ومشروع قانون الإعفاءات من كل أنواع الضرائب والرخص للمتضررين من الحرب الإسرائيلية، لفترة لا تقتصر على سنة بل تمتد إلى 5 سنوات وأكثر. والأخطر ما تمت إضافته في الجلسة من إعفاء المتضررين وغير المتضررين في الأقضية الأربعة الحدودية، دون أية معايير أو ضوابط سواء كانوا مقيمين أو غير مقيمين…".
الإعفاءات الضريبية لمتضرّري الحرب
وفي تفاصيل الإعفاءات الضريبية لمتضرّري الحرب، تقول أيّوب لـ "نداء الوطن":
- تمّ إعفاء من تضرّرت سيّارته بسبب الحرب من الرسوم الجمركية إذا أراد أن يشتري سيارة جديدة.
- فضلاً عن إعفاءات من تسديد رسوم المياه والكهرباء والهاتف وضريبة الأملاك المبنية...
- وفي ما يتعلّق بمن تهدّم منزله، إذا أراد المتضرّر الذي يمتلك منزلًا كان قد أنشأه على أرض الدولة أو في مشاعات الدولة، أو على أرض الغير أي بطريقة غير شرعية ولم يُمنح رخصة لإعادة إعمار منزله من الدولة وهذا أمر طبيعي، يترتّب أن تمنحه الدولة اللبنانية تعويضاً لإيجاد مسكن ثان له.
وتسأل النائبة: "من أين سيتمّ تمويل تلك التعويضات غير المحدّدة حتى اليوم؟ وفضلًا عن كل ذلك تبقى التغطية التي تمّ إقرارها في القانون سارية لجميع الأضرار وللمتضررين "مفتوحة"، طالما أنّ الحرب قائمة وتتسبّب بالأضرار، وبالتالي لا يمكن معرفة الأثر المالي لتلك الإعفاءات من الرسوم والتعويضات".
عجز الموازنة إلى أين؟
من هنا، سيقابل تخفيض الإيرادات وزيادة النفقات وإن كانت بموجب قوانين هاجس أساسي وهو كم سيبلغ عجز الموازنة ومن أين سيتمّ تغطيته ومن سيغطيه؟
لم يقدم وزير المال جوابًا شافيًا على تلك التساؤلات، إذ عندما وجّه النائب راجي السعد سؤالًا إلى الوزير عن الأثر المالي لقانون الإعفاءات الضريبية على عجز الموازنة، كان ردّ الوزير: "مش مهم فهو أمر إنسانيّ وكلفته أقل من كلفة إعادة الإعمار". فالحكومة، استناداً إلى أيّوب، غير ملزمة تمويل كلفة إعادة الإعمار من الضرائب والرسوم التي يدفعها جزء من الشعب اللبناني، بعد سلّة الإعفاءات التي طالت شريحة واسعة من المكلفين، بل عليها تحديد المعايير والآلية المعتمدة والجهات الرسمية المخولة القيام بالمسح الشامل والكلفة النهائية، بعد وقف الاعتداءات الإسرائيلية وبشكل شفاف ومن صندوق مستقل عن الموازنة العامة وتحت إشراف دولي.
هل للإعفاءات أثر ماليّ؟
إزاء تلك المشهدية أكّدت النائبة أيوب أنها ليست "ضدّ فتح اعتمادات إضافية من قبل الحكومة، ولكن لا يوجد جواب عن سبب عدم إعداد جدول أو تقرير رسمي من وزارة المالية، يفيدنا بوجود وفر بالإيرادات مقابل زيادة النفقات التي تمّ إقرارها. وسألت هل هناك تأكيد بشكل دقيق أن الإعفاءات الضريبية لن تؤدي إلى عجز في الموازنات؟".
وبالتالي، تقول أيّوب: "مقابل زيادة الإنفاق وعدم وجود أثر مالي للإعفاءات التي أقرّها مجلس النواب للمتضرّرين وغير المتضرّرين، تكون الحكومة مسؤولة عن عدم وجود رؤية وشفافية، وعن زيادة عجز الموازنة الذي لم تعد تغطيته ممكنة من سندات خزينة.
ولا تخفي أيّوب أن "من حقّ العسكريين والقضاة والأساتذة الجامعيين والإدارة العامة الحصول على امتيازات إضافية وزيادات، لكن ألم يكن من الأفضل إعداد سلسلة رتب ورواتب جديدة مدروسة ومقسطة على خمس سنوات من دون أن تشكّل عبئًا على الموازنة، والكفّ عن سياسة "الترقيع" التي اعتمدتها الحكومة السابقة وتستمر بها الحكومة الحالية؟
وشدّدت على "ضرورة حصول توازن ما بين زيادة الإنفاق وتخفيض الواردات، وأن تتجنب الحكومة من خلال خطة واضحة تضعها عدم الوقوع في العجوزات". هل هكذا يتمّ الإصلاح بفتح اعتمادات وإلغاء واردات؟ وماذا عن موظفي سائر الإدارات العامة الذين بدأوا يرفعون الصوت من خلال الإضرابات مطالبين أن تشملهم الزيادات؟
من سيّئ إلى أسوأ
مع إقرار مشاريع القوانين من قبل مجلس النواب لفتح اعتمادات إضافية وإعفاءات ضريبية، نصبح في مرحلة عود على بدء في الهرطقات القانونية، إذ تمّ تبرير تغطية الاعتمادات الإضافية التي ستفتح للجامعة اللبنانية بزيادة تقدير الواردات العادية للعام الجاري في موازنة 2025 التي تمّ إقرارها. ويعتبر ذلك هرطقة دستورية في ظلّ غياب المساءلة والمحاسبة وقطع الحساب منذ سنوات. فإذا استمرّت الحكومة بهذا النهج سيكون المسار القانوني والمالي متّجهًا إلى الأسوأ ولن ننجز أية إصلاحات.
باتريسيا الجلاد - "نداء الوطن"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|