تبييض الأموال يتواصل بالـ "كاش" خارج البنوك

في المشاورات التقنية التي يجريها بشكل دوري في الخارج حول الحوكمة والسياسات النقدية وإدارة الأزمات وضبط تدفقات رأس المال، يؤكد حاكم مصرف لبنان كريم سعيد التزام لبنان الكامل بالمعايير الدولية للامتثال والشفافية والتقيّد بجميع المعاهدات الدولية المتعلّقة بالقطاع المالي. ما هي المعايير الدولية المطلوبة، وكيف يعتبر القطاع المصرفي اللبناني في ظلّ الأزمة النظامية التي يتخبّط بها البلد، ملتزماً بتلك المعايير؟
المجتمع الدولي على دراية بأن المصارف اللبنانية ملتزمة بالمعايير الدولية مثل الامتثال ومكافحة تبييض الأموال وقواعد إعرف عميلك ومراقبة العمليات المصرفية التي تتمّ عبرها ولو كانت خجولة... بعيدًا من سائر المعايير المطلوبة من بازل 3 مثل رأس المال المطلوب توفّره والخدمات التي تقدّمها وركب التطور العالمي لناحية الـ Digital banking بشكل كبير. وبذلك يعتبر الخبراء أن الالتزام ليس دقيقًا أو شاملاً حاليًا، لكنه يعكس توجهًا سياسيًا ورسميًا حديثًا في محاولة الوصول إلى الالتزام الكامل وبشكل تام وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
تلك المفارقة في التزام لبنان بالمعايير الدولية أوضحها وزير الاقتصاد السابق والمصرفي رائد خوري لـ "نداء الوطن"، فأكّد أن "المصارف اللبنانية ملتزمة بالمعايير الدولية لناحية KYC "إعرف عميلك"... والامتثال المعروفة بالـ Compliance العالمية، من ناحية برنامج الـكومبيوتر software التي تكشف أي عملية مشكوك بأمرها، بالإضافة إلى تمتّع الموظفين العاملين في البنوك بالمعرفة لناحية تتبّع العمليات التي يقوم بها العميل منذ فتح الحساب، مرورًا بحركة الحساب، حتى الحصول على المستندات المطلوبة وتسمى supporting documents للتأكد من مصدر الأموال لأي عملية تتمّ من خلال المصارف كوسيلة لمحاربة تبييض الأموال.
والولايات المتّحدة على علم بتلك الإجراءات المتّخذة من قبل المصارف فهي لا تواجه أي مشكلة مع البنوك بل لديها معضلة بالنقد أو الـ "كاش إيكونومي" مع بعض شركات تحويل الأموال في ظلّ غياب الرقابة والرؤية. فكلّما أصبحت البلاد تعتمد على "النقد"، كلّما زادت مخاطر تبييض الأموال.
لا إشكالية مع البنوك
يضيف: جلّ ما تريده "الدولة العظمى" من المصارف اللبنانية استرجاع ثقة المجتمع الدولي والمودعين بها، "فنخرج من التداول بالـ "كاش" وتدخل الأموال إلى القطاع المصرفي بطريقة نظيفة. حتى أن وزارة المالية الأميركية أشادت بالتزام المصارف اللبنانية بالمعايير المطلوبة، وليس لديها أي إشكالية بالتعامل معها. فعندما تمّ إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لم يكن السبب عدم التزام المصارف بالمعايير المطلوبة وإنما بسبب عدم التزام لبنان بتلك المعايير وخاصة بعض الصرّافين وشركات تحويل الأموال تحديداً بمواضيع الامتثال وتبييض الأموال، فالمصارف اللبنانية إذًا تسير على الخط الصحيح في هذا المجال". إلى ذلك يريد المجتمع الدولي من لبنان إقرار القوانين الإصلاحية الضرورية في عمل المصارف مثل قانون إعادة الهيكلة وسدّ الثغرة المالية.
عدم الالتزام بمعايير رأس المال
لكن كيف تستوفي البنوك المعايير الدولية وهي لا تلتزم بمعايير رأس المال ولا تواكب التطوّر التكنولوجي ولا تقوم بعملها كمصارف؟
البنوك تستوفي المعايير لناحية الامتثال ومكافحة تبييض الأموال يجيب خوري كما أكّد سابقاً وهذا ما قصده حاكم مصرف لبنان في تأكيداته للمجتمع الدولي أنّ القطاع المصرفي اللبناني ملتزم بالمعايير الدولية.
أما في ما يتعلق بالعمل المناط بالمصارف والبنك المركزي لناحية تقديم خدمة الإقراض لشراء منزل... وإيداع الأموال فيها بهدف الإدّخار مقابل فائدة... فهي محدودة وخجولة جداً. حتى أن المصارف يضيف "لم تعد ملتزمة بمعايير بازل 3 لناحية رأس المال المطلوب توفّره في البنوك المعروفة بالـ Capital adequacy ratios والسيولة الـ Liquidity ratios. وهذا أمر طبيعي ويدركه المجتمع الدولي في ظلّ الأزمة التي تتخبّط بها البلاد منذ 5 سنوات والتي صنّفت بالنظامية والكبيرة، فخرجت المصارف عن معايير بازل المطلوبة.
الـ "كاش" وتبييض الأموال
أما حول السبل التي على لبنان اعتمادها للحدّ من التداول بـ "الكاش" واعتماد المصارف الرقمية banking Digital التي لا بدّ من اعتمادها في القطاع المصرفي، قال خوري: "يجب "تقوية" القطاع المصرفي وإعادة الثقة به، عندها تعود التعاملات النقدية إلى التداول ولكن بشكل محدود جدًا ومعظمها تتمّ من خلال المصارف وليس عبر شركات تحويل الأموال والصرّافين فقط.
أما لناحية المصارف الجديدة التي ستصبح مع الوقت "ديجيتال"، فبدأت المصارف إعداد العدّة لمباشرة العمل المصرفي الرقمي بوضعها الراهن، حتى أن هناك مصرفين بدآ اعتماد الصيرفة الرقمية.
ومن خلال المصارف الرقمية يمكن إنجاز المعاملات المصرفية عبر تطبيق ينزّل على الهاتف الخلوي بدلاً من تكبّد عناء التوجّه إلى فرع المصرف. فيتمّ تقديم طلب للحصول على قرض، فتح حساب مصرفي، تلقي أموال، واذا احتاج صاحب الحساب إلى أموال "نقدية" فيمكنه السحب من خلال الصرّاف الآلي التابع للمصرف. وفي هذا السياق تمّ إقرار القوانين اللازمة للعمل المصرفي الرقمي في مجلس النواب حتى المراسيم التطبيقية أيضاً تمّ إقرار معظمها.
نفض غبار الأزمة
إذًا، ما يحتاجه لبنان والقطاع المصرفي لينفض عنه غبار الأزمة المالية والاقتصادية والسير على طريق النهوض هو إقرار قوانين مثل قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة القطاع ثقة المودعين بعد تحديد مصيرهم، والآلية المتبعة لإعادة الودائع وسدّ الثغرة المالية. وفي الوقت نفسه على المصارف بعدها أن تحدّد رأسمالها وما إذا كانت هناك ضرورة لزيادته، فيعود القطاع المصرفي لممارسة عمله، فتطرح مسألة التزام المصارف ببازل 3 ومصير الأموال التي تعود للمصارف الموجودة في البنك المركزي وآلية التعاطي في مسألة سندات الـ"يوروبوندز".
أما الدولة اللبنانية فعليها بالتوازي أن تلتزم بإصدار القوانين الإصلاحية ووضع حدّ للتداول بالكاش وتبييض الأموال من خارج البنوك بهدف إخراج لبنان من لائحة "فاتف" الرمادية، باعتبار أن إدراج اسم لبنان ضمنها يعني وجود قصور في مكافحة غسل الأموال، والذي يبرز بشكل أساس من خلال شركات تحويل الأموال والصرّافين. عدا عن التزامها بالشفافية المالية وتقديم قطوع حسابات الموازنة غير المقدّمة منذ العام 2020.
باتريسيا جلّاد
نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|