ساعات دامية في السويداء: إعدامات ميدانية وجثث في الطرقات وسط حصار خانق
كيف تحوّل حكمت الهجري من مرجع ديني إلى خصم لحكومة الشرع؟
كتبت "BBC عربي": وصف الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، البيان السابق الصادر باسمه صباح الثلاثاء والذي أبدى فيه ترحيبه بـ"تدخل" الحكومة السورية في السويداء، بأنه "بيان مذل فُرض علينا".
اتهم الهجري السلطات السورية بـ"نكث العهد والوعد" بسبب "استمرار القصف العشوائي على المدنيين العزل".
وجاءت تصريحاته عقب التصعيد في محافظة السويداء، نتيجة الاشتباكات الدامية بين مقاتلين دروز وعشائر بدوية، التي خلفت نحو 100 قتيل، معبراً عن أن الدروز "يتعرضون لحرب إبادة شاملة".
من فنزويلا إلى مشيخة العقل
في هذا السياق، يبرز اسم الشيخ الهجري كأحد أبرز الأصوات المعارضة للحكومة في الجنوب السوري، فمن هو هذا الشيخ وكيف تطورت مواقفه خلال السنوات الأخيرة؟ وإلى أي مدى تعكس مواقفه الراهنة المزاج العام للطائفة الدرزية في السويداء؟
وُلد الشيخ حكمت الهجري في فنزويلا عام 1965، حيث كان والده يعمل هناك، ثم عاد إلى سوريا ليكمل تعليمه في السويداء، قبل أن يلتحق بكلية الحقوق في جامعة دمشق ويتخرج منها عام 1990.
نشأ الهجري في بيئة دينية محافظة وتدرّج في سلم المرجعيات الدينية حتى خلف شقيقه أحمد في رئاسة مشيخة العقل عام 2012 بعد وفاته في حادث سير غامض.
من التحفظ إلى المعارضة الصريحة للنظام السوري
تميّز الهجري في بداياته بموقفه المتحفظ تجاه نظام
الأسد، لكن مع مرور الوقت، بدأ الهجري يبتعد تدريجياً عن تأييد النظام، خاصة بعد تعرضه لما قال إنه "إهانة لفظية" من قبل ضابط أمني عام 2021 خلال اتصال هاتفي، مما فجّر موجة احتجاجات في السويداء ورسم نقطة تحوّل في علاقته بالنظام السابق.
وفي مقابلة أجرتها بي بي سي مع الزعيم الدرزي في كانون الثاني، عبّر الشيخ حكمت الهجري عن موقف "منفتح" تجاه المرحلة الجديدة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. قال إنه قبِل بالتغيير بهدوء، وأبدى استعدادا للتعاون مع الحكومة الجديدة لتأمين انتقال سلمي، مشدداً على أن "الإيجابيات تفوق السلبيات رغم بعض التحفظات".
كما دعا إلى تشاركية حقيقية بين السوريين وصياغة دستور جديد، وتشكيل حكومة وجيش وطني يمثل الجميع، معلنًا استعداد الدروز للاندماج في الجيش السوري على أسس وطنية، وشدد على أهمية وحدة سورية جامعة ورفض منطق الأغلبية والأقلية.
لكن منذ ذلك الحين، تغيّر موقفه تجاه الحكومة الحالية بشكل كلي، وذلك بعد المواجهات الدامية التي بدأت في ريف دمشق وتحديداً في جرمانا وأشرفية صحنايا، والتي أوقعت عشرات القتلى من المدنيين ورجال الأمن المسلحين. حمّل الهجري الحكومة مسؤولية ما جرى، ودعا إلى توفير حماية دولية لأبناء الطائفة، في تصريحات أثارت جدلاً واسعاً.
وفي آذار الماضي، وصف الشيخ حكمت الهجري مشروع
الدستور السوري الجديد بأنه "غير منطقي"، داعياً إلى إعادة صياغته على أسس ديمقراطية تضمن التشاركية الحقيقية. وفي بيان رسمي، انتقد إدارة المرحلة الحالية التي "تتم بطريقة أحادية الجانب من دون مشاركة حقيقية من مختلف مكونات الشعب".
وعن الأحداث الدامية في الساحل السوري، وصفها الهجري بأنها "مجازر بحق الأبرياء تُعيد إلى الأذهان فظائع تنظيم داعش". وأضاف: "عندما سُئل عن المسؤول، قيل إنها أعمال فردية، لكننا نؤكد أن فصائلكم تُمثّلكم، وأنتم تتحملون المسؤولية كاملة".
واستمرت لهجة الشيخ حكمت الهجري في التصعيد ضد الحكومة السورية، خاصة بعد الاشتباكات التي اندلعت في منطقتي جرمانا وصحنايا ذات الغالبية الدرزية، حيث صعّد من نبرته في بيان دعا فيه المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل، قائلاً: "لسنا بحاجة لأقوال بل لأفعال"، ومؤكداً أن أبناء الطائفة الدرزية "ليسوا دعاة انفصال، بل يطالبون بمشاركة حقيقية في بناء دولة فيدرالية ديمقراطية تصون كرامة السوريين وتضمن أمنهم".
وأضاف أن فقدان الثقة بالحكومة بات كاملاً، قائلاً إنها "تقتل شعبها عبر ميليشيات تكفيرية تابعة لها"، وشدد على أن ما يحدث هو "قتل ممنهج وموثق"، يستدعي "تدخلاً دولياً عاجلاً" لحماية المدنيين ووقف فوري للانتهاكات.
وفي مقابلة أجرتها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في شهر أيار الماضي، عبّر الشيخ حكمت الهجري، عن موقف لافت تجاه إسرائيل، مخالفًا بذلك المواقف التقليدية التي تبنتها الحكومات السورية المتعاقبة. قال الهجري: "إسرائيل ليست العدو"، مشيرا إلى أن ما عاشه السوريون لعقود من شعارات معاداة إسرائيل لم يكن يخدم مصلحة الشعب. وأضاف: "عشنا تحت هذه الشعارات لعقود. في سوريا، يجب أن نهتم فقط بالقضية السورية."
الكاتب والباحث السوري جمال الشوفي، قال في حديث مع بي بي سي، إن دعوة الشيخ حكمت الهجري للتدخل الدولي جاءت "دون تمحيص سياسي كافٍ، وافتقرت إلى قراءة دقيقة لتعقيدات المشهد السوري"، واصفاً التصريحات بأنها "غير موفقة".
بين الوحدة الوطنية والانقسامات الداخلية
وأوضح الكاتب الشوفي أن تدويل القضية السورية أمر بالغ الصعوبة، بغض النظر عن الجهة المطالبة به، مشيراً إلى أن "التجربة السورية منذ عام 2012 وحتى اليوم أظهرت بوضوح أن المجتمع الدولي ليس في وارد تدويل الأزمة، نظراً لتضارب المصالح الدولية حول سوريا، والاتفاق الضمني على الإبقاء على الوضع الراهن."
وأضاف الشوفي أن موقف الطائفة الدرزية من الحكومة الحالية ليس موحداً، بل يتّسم بالتباين، إذ تميل بعض الأصوات إلى ضرورة التهدئة ووقف الخطاب التحريضي ضد أبناء السويداء، في حين تتبنى أطراف أخرى مواقف أكثر حدة، لكن القاسم المشترك بينها هو القلق من الانفلات الأمني والرغبة في تجنيب المنطقة مزيداً من التصعيد.
تصريحات القيادي الدرزي الشيخ حكمت الهجري لا تعكس بالضرورة موقف باقي القيادات الدينية في الطائفة. فقد أكد الشيخان حمود الحناوي ويوسف الجربوع، في بيان صدر عنهما مؤخراً باسم "مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، ومرجعيات ووجهاء وعموم أبناء الطائفة"، على "ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية ونبذ الفتنة"، وذلك في أعقاب الاشتباكات المسلحة التي وقعت جنوب دمشق. وشددا في بيانهما على أن أبناء الطائفة يشكّلون "جزءاً لا يتجزأ من الوطن السوري الموحّد"، رافضين أي دعوات للتقسيم أو الانفصال.
وفي هذا السياق، يرى الباحث السوري إسماعيل أبو عساف أن التناقضات في المشهد الديني الدرزي "ليست ناتجة عن خلافات جوهرية داخلية بقدر ما هي نتيجة تراكمات غذّاها النظام السابق بهدف فرض السيطرة وإضعاف استقلالية القرار الديني".
ويشير إلى أن التناحرات بين القيادات "ليست جديدة، بل تظهر في بيئات معينة وتختفي في أخرى بحسب الظروف، وهي لا تعكس بالضرورة موقفًا وطنيا جامعا." ويحمّل أبو عساف المسؤولية الأساسية في ما يجري للمسؤولين، موضحاً أن "الدولة التي تخلّت عن دورها في بناء مؤسساتها وتركت الحاجات الوطنية تتقاذفها المصالح الضيقة، هي السبب في تأجيج المواقف".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|