ساعات دامية في السويداء: إعدامات ميدانية وجثث في الطرقات وسط حصار خانق
السويداء.. بين فخ إسرائيلي وتواطؤ حكومي

تعيش محافظة السويداء السورية على وقع تصاعد أمني خطير، وسط اشتباكات عنيفة وقصف متبادل، في وقت يشهد الوضع تدهوراً واضحاً في العلاقة بين دمشق والطائفة الدرزية التي لطالما تمسكت بالخصوصية والانضباط في موقفها من الصراع السوري.
جاءت الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت بين أبناء المدينة وقوات موالية للسلطة، تتويجا لفترة طويلة من التوتر والاحتقان الشعبي. ومع دخول الجيش السوري إلى المدينة، سجل قصف عشوائي على الأحياء السكنية، ما أدى إلى مقتل وجرح عدد من المدنيين، وأثار موجة غضب شعبي دفع الزعيم الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في سوريا الشيخ حكمت الهجري، إلى التراجع عن بيان سابق أيّد فيه دخول القوات الحكومية، واصفًا ذلك البيان بأنه "فرض عليهم من دمشق وتحت ضغط خارجي". وفي بيان مصور شديد اللهجة، اتهم الشيخ الهجري الحكومة بنكث العهود وقصف المدنيين، معتبراً أن ما يحدث هو خيار وجودي: "إما الذلّ أو الرفض"، داعياً إلى مقاومة الحملة التي وصفها بـ"البربرية".
ما تكشفه الأحداث المتسارعة هو وجود شرخ كبير في الثقة بين أهالي السويداء والحكومة المركزية في دمشق. ورغم إعلان وزير الدفاع السوري وقفاً لإطلاق النار بعد مفاوضات مع وجهاء المنطقة، فإن الوضع على الأرض لا يزال هشاً، خصوصاً مع الانسحاب الجزئي للجيش وتسليم بعض النقاط الأمنية لقوى الأمن الداخلي.
السويداء اليوم في لحظة مفصلية تهدد بتحولها إلى ساحة مواجهة مكشوفة، ليس فقط بين الأهالي والسلطة، بل بين قوى إقليمية تتصارع على النفوذ جنوب سوريا. وأخطر ما حملته التطورات الأخيرة كان في البيان الصادر عن مكتب رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي أكد أن "إسرائيل ملتزمة بحماية الدروز في سوريا"، وأعلن أن الجيش الإسرائيلي تلقى أوامر بضرب القوات السورية في جبل الدروز. هذا التدخل المباشر يعيد فتح ملف جنوب سوريا كمنطقة نزاع دولي، تحت ذريعة حماية الأقليات. لكن هذا التدخل يهدد بتحويل الطائفة الدرزية إلى ورقة ابتزاز سياسي في صراع إقليمي يتجاوزها، خاصة وأن إسرائيل تسعى لاستخدام هذه الورقة للضغط على دمشق من جهة، ولتعميق الانقسام داخل الجبهة الداخلية السورية من جهة أخرى. وفي لبنان، انقسمت المرجعيات الدرزية حول الموقف مما يجري. فقد حذّر الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من "الفخ الإسرائيلي" ودعا إلى "حل سياسي شامل يضمن وحدة الدولة السورية"، بينما ذهب رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان إلى المطالبة بـ"حماية دولية لدروز سوريا"، في موقف يُقرأ باعتباره تصعيدًا غير مسبوق في الخطاب الدرزي تجاه دمشق.أما رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب فدعا إلى تشكيل ما سماه "جيش التوحيد".
وفي السياق، يرى العقيد المتقاعد أكرم سريوي في حديث لـ"لبنان24" أن ما شهدته محافظة السويداء مؤخراً من تصعيد دموي لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة ترتيبات إقليمية خطيرة بدأت باللقاء الذي جمع ممثل الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بمسؤولين إسرائيليين في العاصمة الأذربيجانية باكو. وبحسب سريوي، فإن إسرائيل، التي لطالما زعمت حرصها على حماية الدروز، غضت الطرف عن تحركات قوات الشرع نحو السويداء، بعكس ما فعلته سابقاً حين قصفت محيط قصر الشعب في دمشق لمنع توغل مماثل باتجاه مناطق درزية كجرمانا وصحنايا.
ويؤكد سريوي أن إسرائيل أوقعت حكومة الشرع في فخ محسوب، ودفعت بالدروز إلى مواجهة مباشرة مع قوات حكومية وفصائل تكفيرية دخلت معها إلى قرى السويداء، وارتكبت تجاوزات وجرائم بحق المدنيين، ما أدى إلى سقوط الثقة تماماً بين الدروز وحكومة دمشق.
ويشير سريوي إلى أن إسرائيل تستثمر بذكاء في الانقسامات السورية، وتستفيد من تأجيج التوترات الطائفية والعرقية، بهدف الإبقاء على حكومة الشرع ضعيفة ومقسمة، ما يخدم مشروعها الأكبر بتقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة هشة، تتيح لها توسيع نفوذها وضم مزيد من الأراضي.
ويضيف أن إعلان وقف إطلاق النار في السويداء لم يكن كافياً لضبط الأرض، إذ استغلت بعض الفصائل التكفيرية الظرف، ونفذت عمليات سلب وقتل بحق مدنيين، ما استدعى عودة الاشتباكات، ودفع إسرائيل إلى التدخل عسكرياً على خط المعارك، في محاولة لإرضاء الدروز داخل إسرائيل واستمالة دروز سوريا، وتقديم نفسها كـ"الحامي".
لكن، كما يذكر سريوي، فإن إسرائيل لا تهتم إلا بمصالحها، وكل ما تفعله لا يخرج عن سياق الاستثمار السياسي والعسكري في بيئة مأزومة.
ينتقد سريوي بشدة تعاطي حكومة الشرع مع الأقليات، قائلاً إنها لا تزال تتصرف كما لو أنها في إدلب، متجاهلة التنوع العميق للمجتمع السوري، إذ فرضت دستوراً لا يراعي تمثيل الأقليات ولا يضمن مشاركتها الحقيقية في الحكم، بل تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية دون توافق وطني.
ويتابع أن هذه الحكومة لم تنجح في ضبط الفصائل المتطرفة، بل سُجّلت بحقها مجازر ضد العلويين، وتفجير كنائس للمسيحيين، وصولًا إلى محاولات فرض السيطرة على السويداء، ما أدى إلى مشاعر خوف ورفض وتصعيد درزي واضح.
أما عن الارتدادات على الساحة اللبنانية، فيرى سريوي أنها طبيعية، نظرًا للارتباط العميق بين البلدين على المستويات السياسية والاجتماعية والأمنية. ويحذر من أن ما يجري في السويداء يجب أن يكون درساً لكل القوى اللبنانية بعدم الثقة بإسرائيل التي تسعى لإشغال المقاومة وإشعال الفتنة، كما حصل حين حاولت فتح جبهة في شمال البقاع، لكن الجيش اللبناني أفشل المخطط، ورد على مصادر النيران الآتية من الأراضي السورية.
وحول الدعوة التي أطلقها الوزير السابق وئام وهاب لتشكيل ما سماه "جيش التوحيد"، يعتبر سريوي، أن هذه الخطوة لا تتعدى كونها استعراضاً إعلامياً، يفتقر لأي مقومات جدية. فوهاب، بحسبه، لا يملك القدرة العسكرية ولا الموارد اللازمة لتأسيس جيش فعلي، كما أن علاقاته مع قيادات درزية في السويداء لم تعد كالسابق.
الأكيد أن الحل في سوريا لا يمكن أن يقوم على الإقصاء أو الإذلال، وأن استمرار الحكومة السورية الحالية في تجاهل مكونات المجتمع سيؤدي إلى تعميق الشرذمة ودفع الأقليات نحو الانفصال، وهو تماما ما يخدم المشروع الإسرائيلي.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|