تقرير لـ"Middle East Eye": لماذا تعهد إسرائيل بـ"حماية" الدروز فارغ؟
لا تعبثوا مع "Daddy"
غالبًا ما يُستخدَم مُصطلح "Daddy" في الخطاب الإعلامي الأميركي لِوصف نمط الهيمنة الأدائية الذي يتبنّاه دونالد ترامب، ورفضه التساهل إزاء التحدّيات التي تواجه سياساته. وقد تجلّت هذه الهيمنة في العبارة التي أشار إليها مازحًا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، بقوله: "على الأب أن يستخدم أحيانًا لغة قويّة"، مُلمِّحًا بذلك إلى الضغوط التي مارسها ترامب على حلفاء الناتو لزيادة الإنفاق الدفاعي.
وفي هذا السياق، يتصوّر ترامب السياسة الخارجية كتسلسل هرميّ تكون فيه الولايات المتحدة، بزعامته، في موقع القمّة، مع التأكيد على أنّ قوتها تكمن في الهيمنة وليس الدبلوماسية. هذا المنطق بالتوازي مع قرار الكونغرس HR 2297، يحكم إدارته الملف اللبناني.
وقد نصّ القرار المُشار إليه على أنّ "الحكومة الأميركية تُطبّق سياسة صارمة في عدم تقديم تنازلات تجاه "حزب اللّه"، باعتباره منظمة إرهابيّة أجنبيّة مسؤولة عن مقتل أميركيين، ولن يحصل "الحزب" على أيّ مشاركة دبلوماسية أو مزايا أو إعانات مالية حتى ينزع سلاحه بالكامل، وينبذ العنف، ويخضع لِسلطة الدولة اللبنانيّة. وقد تمّ التأكيد على هذا المبدأ في جلسات الاستماع التي عقدها الكونغرس، والتشريعات التي أصدرها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، مثل قانون منع التمويل الدولي لـ "حزب اللّه" لعام 2015".
من جهة أخرى، لم يُخفِ ترامب انحيازه لأهداف إسرائيل الإلغائية تجاه "حزب اللّه"، ولم يدّعِ الحياد كما فعلت إدارات أميركية سابقة. وقد شهد الخطاب الصادر عن مراكز الأبحاث المُقرّبة من إدارته تحوّلًا لافتًا، من لغة الردع التقليدية إلى تبنّي مفردات "القضاء الاستراتيجي" على القدرات العسكرية لـ "حزب اللّه". مع العلم أن التنسيق مع إسرائيل عبر القنوات الخلفيّة قد انطلق فعلًا، كذلك التعاون الاستخباراتي الموسّع.
ومن المفارقات اللافتة، أن الضربة التي وجّهها ترامب ضد إيران جعلت احتمال نزع سلاح "حزب اللّه" أكثر بُعدًا على المدى القصير.
فهذا السلاح لا يزال يُمثّل أحد أعمدة الموقف الدفاعي الإيراني، حتى ولو رمزيًّا. كما أسهمت الضربة في تأجيج عقلية الحصار داخل طهران، ورسّخت في أذهان قادتها ضرورة التمسّك بالأصول غير المُتماثلة. فبالنسبة لِطهران، يُمثّل "حزب اللّه" آخر أدوات الردع الموثوقة، حتى وإن كانت فعاليّته آخذة في التآكل، واقع تُدركه جيّداً إيران. ومع ذلك، فإنّ رفض طهران التخلّي عن سلاح "حزب اللّه" ينبع من قناعة راسخة بأنّ تقديم هذا التنازل قد يفتح الباب أمام مشروع أوسع يستهدف تغيير النظام.
ولأنّ الضربة ضد إيران كشفت عن استعداد ترامب لاستخدام القوّة الساحقة حين تتعثّر الدبلوماسية، رأى مراقبون في مهمّة توم برّاك تكرارًا لنمط مألوف: الضغط أوّلًا، يتبعه التصعيد عند الحاجة. ويبدو أنّ الجدول الزمنيّ الضيّق الذي قيل إن مهمته محصورة ضمنه، يعكس قناعة لدى الإدارة بأنّ فرص الدبلوماسية محدودة، وأنّ الهدف من هذه الخطوة هو ترسيخ شرعيّة إجرائيّة تُمهّد لدعم مُحتمل لأيّ تحرّك عسكريّ إسرائيليّ. وتُشير التقارير الصادرة عن الاجتماعات الداخلية في البيت الأبيض إلى أنّ الموقف اللبناني "المُعرقل"، يخضع لفيتو يفرضه "حزب اللّه"، لا سيّما أن الردّ الرسميّ على المُقترح الأميركي جاء مُنتهكًا عرضها المشروط.
وعلى الرغم من إشادة برّاك بهذا الردّ، إلّا أنّ الإشارات الرسمية من الإدارة الأميركيّة ظلّت غائبة. ولم يكن هناك أي مؤشر علنيّ على أنّ ترامب أيّد أداء مبعوثه الدبلوماسي، ما ترك تقييم المهمّة خاضعًا للتأويل. ويُمكن تفسير صمت الإدارة بأنه ناتج عن موقف وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي المنزعج من لهجة برّاك، التي ساهمت في إضفاء الشرعية على "حزب اللّه"، من خلال الاعتراف العمليّ بمكانته في السياسة اللبنانية. وهو ما اعتُبر تقويضًا للسياسة الأميركية الرسميّة، لا سيّما أنه وصف مسألة نزع السلاح بأنها شأن لبنانيّ، لا أولوية أمنيّة عالميّة.
في هذه الأثناء، تستمرّ إسرائيل بتنفيذ عمليات استباقية، في حين يواصل "حزب اللّه" مسار التسلّح. وقد ذكرت تقارير استخباراتية نقلتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 10 تموز 2025، إلى أن مسؤولين أميركيين أبلغوا إسرائيل، قبيل تنصيب ترامب في كانون الثاني 2025، بأنهم يتوقعون التزامًا بوقف إطلاق النار، وسمحوا لها ضمنًا بالاحتفاظ بخياراتها العسكرية في حال عدم امتثال "حزب اللّه". وقد فُسّر ذلك بحسب تحليل صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، على أنه تمهيد لاحتمال التصعيد العسكري عند الضرورة، وهو ما يبدو أنه يتحقّق تدريجيًا.
بالتالي، يبقى الخيار المُستبعد أن ينزع "حزب اللّه" سلاحه "طوعًا". أما في ما يخصّ فشل مهمة برّاك، ومع أنّ ترامب لم يتطرّق إليه علنًا، يبدو أن إدارته قد ضاقت ذرعًا بالغموض الدبلوماسي الذي تبديه السلطات اللبنانية، والتي إن لم تتحرّك، فسيُفسح المجال أمام إسرائيل لإنهاء المهمة بمباركة واشنطن. ألم يؤكد ترامب مرارًا حقّ إسرائيل المُطلق في الدفاع عن نفسها، واصفًا "حزب اللّه" بالتهديد الوجودي، ومُحذّرًا الدولة اللبنانية من عواقب وخيمة إذا لم تنزع سلاحه بالكامل؟
في المحصّلة، لم يعد نزع سلاح "حزب اللّه" مطروحًا للنقاش. "Daddy" رسم الخطوط الحمراء، وعلى الجميع الامتثال.
جوسلين البستاني - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|