"الثنائي" يقاطع الحكومة ويدرس الإستقالة
لم تأتِ الإندفاعة الحكومية الحاصلة والمتمحورة حول سلاح «حزب الله» من العدم. فقبل ساعات معدودة من ظهور هذه الحماسة اللبنانية، تلقّى لبنان عبر البريد العاجل ما يشبه التحذير الأميركي الصارم، والذي جاء مرفقاً بتنبيه سعودي. التحذير الأميركي جاء إثر إبلاغ بيروت بالجواب الإسرائيلي على طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي حمله الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك.
وحمل التحذير مدة زمنية لا تتجاوز الأسبوع الأول من آب لإعلان لبنان بنحو رسمي وواضح وصريح خطة ببرنامج زمني حول طريقة تطبيق حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية فقط لا غير. وصحيح أنّ التحذير لم يتحدث عن العواقب التي يمكن أن ينالها لبنان في حال تخلّفه عن القيام بالخطوة المطلوبة منه، إلّا أنّ هنالك من تبرّع بالشرح بدءاً من رفع مستوى التصعيد الإسرائيلي ووصولاً إلى استمرار الضغوط الإقتصادية والمالية على لبنان. وشرح هؤلاء، أنّه يكفي إدراج لبنان على اللائحة السوداء بدل الرمادية حيث هو الآن، ما سيعني توجيه ضربة قاضية للمشاريع المطروحة لإعادة استنهاضه إقتصادياً. وعلى سبيل المثال، ستتوقف نهائياً التحويلات المالية من لبنان وإليه.
وترافق هذا التحذير مع الكلام الذي أدلى به السفير الأميركي الجديد إلى لبنان ميشال عيسى خلال جلسة الإستماع في الكونغرس، وجاء فيه: «في حال لم يتمّ التصرف حالياً لسحب السلاح فثمة شيء سيحصل».
ومما لا شك فيه أنّ شهادة عيسى خلال جلسة الإستماع قد تمّ تنسيقها مسبقاً مع الدوائر المعنية بالوضعين في لبنان والمنطقة، خصوصاً أنّ عيسى تمّت تسميته سفيراً في لبنان خلافاً للسلوك المتبع عادة، وحيث كانت فترة عمل السفيرة ليزا جونسون لا تزال في حدودها الطبيعية. والمعلوم أنّ عيسى كان خيار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه، وهو ما يعطيه زخماً مختلفاً عن الذين سبقوه. في المحصلة فإنّ شهادة عيسى حملت بدورها تهديداً «مبطناً». كذلك جاءت تغريدات برّاك المتلاحقة ما إن وطأت قدميه أرض باريس.
لذلك لمست السلطة اللبنانية أنّ هامش المناورة أصبح ضيّقاً جداً، لكي لا نقول إنّ الباب أغلق بالفعل أمام «ترف» النقاش. وإذا كان البعض يبدو مندهشاً إزاء منحى الأوضاع في لبنان، فإنّ نظرة سريعة إلى التطورات الإقليمية تجعل هذه الأوضاع أكثر وضوحاً.
هو النزاع العريض الذي يتمّ استكماله في كل الساحات بما فيها الساحة اللبنانية. الواضح أنّ إيران باشرت سلوكاً هجومياً في محاولة لتعويض خسائرها، في وقت تعمل واشنطن ومن خلفها العواصم الخليجية على منعها من استعادة أي موقع متقدّم مجدداً.
فعدا المراوحة التي يشهدها الملف النووي الإيراني على رغم من الحركة الناشطة في الكواليس، فإنّ سلوك حلفاء إيران في ساحات الشرق الأوسط استعاد نكهته الهجومية. ووفق الأوساط الديبلوماسية، فإنّ الإتفاق حول وقف النار في غزة تمّ إجهاضه هذه المرّة بعد رفع حركة «حماس» سقف مطالبها في اللحظات الأخيرة. وقرأت واشنطن في ذلك إشارة تصعيد إيرانية. وفي موازاة ذلك استعاد الحوثيون في اليمن «مزاجهم» الهجومي، وليس فقط بالإكتفاء بإستهداف إسرائيل بالصواريخ البالستية، ولكن عبر تهديد السفن التي تمرّ في بحر الخليج وعلى أساس أنّها متّجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. وهو تحرك كان قد غاب منذ إعلان واشنطن الإتفاق ووقف عملياتها الجوية ضدّ المواقع الحوثية.
وفي العراق، ظهر تطوران لافتان: الأول ويتعلق بالإشتباكات التي حصلت في بغداد وأطرافها بين الميليشيات الموالية لإيران وقوات الشرطة. والثاني ويتعلق بمشروع قانون يُعمَل عليه لتنظيم «الحشد الشعبي» ومنحه إطاراً حكومياً وعلى أساس جهاز رسمي مهمّته حماية الدولة والوطن وله موازنة مستقلة وهرمية وقيادة مستقلة كلياً عن أي جهاز أو تنظيم آخر، باستثناء ارتباطه فقط برئيس الحكومة. وهذا المشروع يلقى رفض الأطراف العراقية المعارضة لإيران، بالإضافة إلى معارضة أميركية.
وفي سوريا تعمّدت دمشق الإعلان عن اكتشاف ومصادرة شحنات أسلحة إلى «حزب الله» في لبنان. أرادت السلطات السورية القول إنّ إيران وعبر طرق مختلفة مستمرة في مشروعها لاستعادة أوراق قوتها في لبنان، والسعي إلى تكريس ممرات لها عبر الساحة السورية، وربما الرهان على متغيّرات في المستقبل.
ووفق هذه القراءة السريعة، كان مفهوماً أن يلفح التصعيد الواقع اللبناني، ونقطة الإرتكاز هنا سلاح «حزب الله». فالمطلوب وقف لعبة «تقطيع الوقت» التي تعتقد واشنطن أنّ «الحزب» يمارسها عبر إغراق الحوارات في التفاصيل، لمنع الوصول إلى أي نتيجة.
وفي المقابل، وانسجاماً مع التموضع الهجومي لإيران في كل أنحاء المنطقة، سيرفض «حزب الله» القرار المطلوب، وسيعمد أولاً وبالتفاهم الكامل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى مقاطعة جلسة الحكومة المخصصة لسلاح «حزب الله» الثلاثاء المقبل، وسيعمد أيضاً إلى التلويح بخطوة الإستقالة من الحكومة. وتصبح المعادلة هنا أكثر وضوحاً: ضغط أميركي تدعمه السعودية لفك الإرتباط نهائياً بين إيران ولبنان من خلال حسم مسألة سلاح «حزب الله»، وفي المقابل تعمل إيران على شن هجوم معاكس عبر تهديد استمرارية الحكومة، ركيزة التركيبة الجديدة التي رعت واشنطن والرياض ولادتها بعد نتائج الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان. والخطورة هنا أنّ هذه المنازلة الجديدة ستنزلق بسرعة في اتجاه التسخين العسكري والخنق الإقتصادي. فالقرار الأميركي ووفق المشهد العريض، لن يحتمل أي عودة إلى الوراء، لا بل العكس. وأما إيران والتي تلقّت ضربات عسكرية كبيرة طاولت برنامجها النووي وهيبتها كدولة إقليمية كبرى، تبدو كمن يلعب «صولد»، وهي التي تريد تعويض خسارة ردعها النووي بإعادة إحياء ما أمكن من مخالبها الإقليمية لا العكس.
في أيلول المقبل تستعد إدارة ترامب لاستكمال تعييناتها، خصوصاً في وزارة الخارجية والأمن القومي في المواقع الأساسية المتعلقة بالشرق الأوسط. وهذه التعيينات والتي من المقرر أن تُستكمل قبل نهاية تشرين الأول المقبل، ستشهد وصول شخصيات تنتمي إلى الصقور، وستتركز على إتمام إنجاز المهّمة في الشرق الأوسط، ومن البديهي أنّ لبنان هو إحدى ساحاتها. وستجد حكومة نتنياهو أنّ الفرصة تلوح مجدداً للسير قدماً في مشروعها القائل: «تغيير وجه الشرق الأوسط». ولا بدّ من الإشارة هنا إلى كلام وزير المال الإسرائيلي سموتريتش، بأنّ إسرائيل لن تنسحب من النقاط الخمس التي تحتلها في جنوب لبنان، وأنّ لا إعمار للقرى المهّدمة. سموتريتش كان يتحدث عن أهداف إسرائيلية ثابتة، ولم يكن في موقع المناورة أو الضغط والتهويل.
الصيف حار بلا شك، لكن الخريف سيكون أكثر سخونة على ما يبدو.
جوني منيّر- الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|