لا تتّكلوا على هيئة إدارة الكوارث واللواء خير
حفظنا الله من كل مصيبة وكارثة. فلنردد ذلك. فليس لنا سوى التمني والصلاة والتضرع والوقاية، أما اليقين الوحيد فهو أننا نعيش في القعر، حيث مجموعة مسماة دولة تعِد ولا تفي، وتتركنا لحالِنا في الكوارث، نتخبط في الطوفان، بين براثن الإرهاب، بين براثنها، وهي تتلذذ في حياكة أفكار وضرائب ومصائب تقصم ما تبقى من أعمارنا!
لا يمكننا إيقاف الكوارث الطبيعية لكن يمكننا تسليح أنفسنا بما يكفي من التأهب للكوارث. هذا في المنطق، في الواجب، وفي الضرورة. لكن، بين الحق والواجب ضاع اللبنانيون وتساقطوا، كما العصافير، في ويلات تأتيهم من كلِ حدب وصوبٍ.
نعم، ما إن نستفيق من كبوةٍ كارثية حتى تلطمنا كارثة جديدة. وما إن نعود ونستفيق نتذكر أسماء: هيئة إدارة الكوارث. ويمرّ سريعاً إسم اللواء محمد خير. ونتذكر سقوط مبنى ومبنيين وثلاثة وأكثر في طرابلس. نتذكر تفجيرات بيروت وشلال الدماء. ونتذكر الناس المحجوزين في القمقم، في الطوفان، في مركبات يقودها الطوفان في كلِ اتجاه. ونتذكر رامز مخول، الأب والجد، الذي جرفته الأمطار عصر يوم أحد...
غريبٌ ما نتعرض له. غريبٌ هو وقوعنا مرة ومرتين وعشر وعشرين وأكثر في الكوارث وفي كل مرّة نسمع سيمفونية: ما خلونا... ومش الحقّ عليي... وهكذا مرّ ما حصل أول الأسبوع، في منطقة كسروان، مرور الكرام، مثل صدى الطبل، ينتهي مع آخر ضربة. فهل نحن شعبٌ أدمته الكوارث وصار معجوناً بها وأصبحت طبقه اليومي؟ وهل نتذكر- أو يجب أن نتذكر- أن في البلد هيئة إغاثة؟
فلنبحث عن أجوبة. سمعنا أن هناك من كانوا يفكرون في دولتنا المصونة باستخدام الأموال المرصودة لإدارة الكوارث من أجل إتاحة مشاهدة المونديال أمام اللبنانيين. أتتخيلون؟ كوارث.
نحاول الإتصال مراراً وتكراراً برئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير عبثاً. هو «مش ع الخط». هو «ما عمبلحّق» كوارث منذ العام 2019. أتتذكرون حرائق المشرف؟ أكثر من ستين ساعة استعرت النيران في منطقة نموذجية. يومها وصل محمد خير من قِبل رئيس الحكومة وتوجه الى البلديات قائلا: لماذا لم تأخذوا الإحتياطات اللازمة قبل وصول تشرين - وهبات تشرين. وختم يومها: قرار التعويض عن المتضررين يصدر عن مجلس الوزراء». مرّ تشرين ومرّت تشارين عديدة والبلاوي كثيرة ومجلس الوزراء يتلهى بتفاصيلِهِ هو لا تفاصيل المواطنين. تفجيرات وسقوط مبان وحرائق متجددة وطوفانات وفي كل مرة يطلّ محمد خير ليقول نفس الكلام. وهناك مناطق لا يطل منها بالمطلق. لا نلومه بالطبع، فالعين بصيرة واليدّ قصيرة. لكن، هل علينا والحال هكذا أن ننعي هيئة الكوارث؟ يقولون في الهيئة إن الهموم كثيرة. الكوارث تأتي من كل حدب وصوب. واللواء خير له في كل عرس قرص. في كورونا كان عليه أن يكون حاضراً. في بولندا، خلال عملية إجلاء لبنانيين من أوكرانيا، كان عليه أن يكون حاضراً. في الأرز، بعد قطع سلك محطة التزلج حضر. في كل مرة تصل مساعدات وهبات من الخارج يحضر... هو لديه ربما نخوة لكن ألا يحمل الرجل أكثر من طاقته؟ بمجرد إصراره على إغلاق هاتفه الخليوي ليلاً ونهاراً في وجه المتصلين هو تأكيد على أن ثقل الكوارث أصبح أكثر من قدرته على التحمل.
في كل حال، لمن لا يعرف هناك في لبنان هيئة إدارة الكوارث، لا شخص إدارة الكوارث، فالكوارث أكثر من قدرة أي شخص على تحملها. لكن، على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟ ثلاثة مشاريع قوانين قُدمت، على مدى 21 عاماً، من اجل إنشاء هذه الهيئة، التي لبنان بأمس الحاجة إليها. أول مشروع قدّمه الشهيد بيار الجميل. المشروع الثاني قدمه النائب (السابق) محمد قباني. أما المشروع الثالث فقُدم من قِبل نواب «القوات اللبنانية». لكن، دولتنا لا تبالي بهذا النوع من القوانين، ناهيكم عن أن في البلد، بحسب عضو تكتل التنمية والتحرير النائب ميشال موسى «وجهات نظر مختلفة وتضارب في الصلاحيات وعدم إتفاق على التنظيم».
قال الرجل كلمته. و»أهل الدولة»- كما يسمونهم خطأ - آخر همهم نحن وأنتم.
ماذا عن معلومات العارفين «بالبير وغطاه»؟ يتحدث العارفون عن إشكالات كبيرة حدثت في مجلس النواب من أجل عدم تمرير المشروع لأنه يتسبب بتضارب في المصالح ويستتبع إلغاء عدد من المصالح والمكاتب التي أنشئت على مدى عقود سابقة ولُزمت الى قوى سياسية، لذلك، وكما في كل مرة، قرروا أن «يفضّوا المشكل» بين تلك القوى بإنشاء وحدة إدارة الكوارث ذات المهام المحدودة عوض إنشاء هيئة واسعة المهام.
العارفون، ممن شكلوا مفاصل المشروع في تلك المرحلة، يقسمون بأن القوى السياسية تعاملت مع الموضوع سياسياً وهذا ما اعاق التنفيذ «فهناك من رفض منذ البدايات ان تتولى رئاسة الحكومة إدارة الكوارث مع العلم أن المادة 64 من الدستور تنص على «أن رئيس مجلس الوزراء يتابع اعمال الإدارات والمؤسسات العامة وينسق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامة». في كل حال، كُتبت خطة إنشاء الهيئة بدقة، وفق معايير دولية، باتت مؤجلة بعد ان ضرب تسونامي، في العام 2005، المحيط الهادئ. يُحكى هنا، ان اللواء فرانسوا الحاج هو من ساهم في العام 2005، بعد التفجيرات التي حصلت واستشهاد الشيخ رفيق الحريري، في وضع مسودة الإستجابة الأمنية السريعة في هكذا نوع من الكوارث، محدداً الجهات والأجهزة التي يفترض أن تكون حاضرة. رحم الله فرانسوا الحاج الذي استشهد هو أيضاً في مشهد آخر كارثي ولم تولد الهيئة.
إقرار خطة إنشاء الهيئة كان ضرورياً ليس في مواجهة الكوارث الطبيعية فقط بل الأزمات الكارثية الحالية أيضاً. فقد أعدّت في تفاصيلها سيناريو لأزمة إنقطاع الطحين وفقدان الخبز، كما لأزمة فقدان الدواء والمياه والكهرباء وخطط الأمن الغذائي. هي قادرة، لو أقرّت، على وضع رؤية للأزمات واتخاذ القرار في وقته وإقرار الخطط الأمنية، والطوق الأمني، في لحظات حدوث الكوارث الأمنية. فلنأخذ مثلا إنفجار المرفأ الذي كان يفترض أن تتشارك في استيعابه كل المؤسسات لكن ما حصل، بغياب إقرار الهيئة، أن مجلس الوزراء أوكل العمل الى مؤسسة الجيش وحدها. هي قامت طبعاً بما تستطيع لكن، في المقابل، نزلت كل الجمعيات الخاصة، بشكل عشوائي، على الأرض، لأن الجيش لا يمكنه القيام بدور كل المؤسسات. وفي حين كانت الجثث غرقى بدمائها كان اللصوص، الذين تذرعوا أنهم يساعدون، يسرقون المصاغ والأثاث وكل ما تيسر أمامهم. إنه غياب التنسيق مع غياب وجود هيئة إدارة الكوارث.
وأتى البارحة، يوم الطوفان، خيرات السماء التي يفترض أن ننتظرها بالشبر والنذر، لتؤدي- بسبب غياب الدولة المتمادي- الى هلاك أملاك وبيوت ومركبات. فمن يحمي أصحاب السيارات والبيوت؟ هيئة الكوارث نرفع يدنا منها، فمساعداتها على «قدها». فلنسأل العاملين في شركات التأمين. هل تلك الشركات قادرة على التدخل في حالات الكوارث الطبيعية أم تحاول أن ترمي المسؤولية على الدولة؟ الإستشاري في مجال التأمين سليمان حبيقه يقول «كوسيط تأمين لا أنظم أي بوليصة لا تضم تأميناً ضد العوامل الطبيعية. مبلغ بسيط قد يريح بال الكثيرين ضد كوارث باتت تتزايد في بلادنا». كم يفترض أن يدفع المواطن ليحصل على هذا النوع من التأمين؟ يجيب حبيقة «يضاف عادة مبلغ مئة دولار، أو أقل، على المركبات العادية التجارية. والمواطن يفهم الهدف من هذا التأمين الإضافي إذا تمّ تنبيهه إليه. ولا يمكن بالتالي وضع اللوم على المواطن بأنه لا يعرف فحوى عقد التأمين بل يفترض بوسيط التأمين أن لا يلعب عليه - ويتلاعب به.
في التطبيق، البارحة، يوم الطوفان، رأينا عشرات السيارات عائمة وعشرات «تخبط» ببعضها البعض وعشرات معطلة، كما رأينا بيوتا تحت الطوفان. فكيف تتعامل معها شركة التأمين؟ وهل تغطية الإرهاب بات مطلوباً أيضا؟ يجيب حبيقه «هناك عقود تغطي الإرهاب والعصيان المدني وكل ما يدور حول ذلك وهناك عقود لا تلحظها. ويبدو أننا أصبحنا مضطرين من الآن وصاعدا، بعدما تشعبت أشكال الكوارث، الى الإلتفات الى هذا النوع من العقود. وهناك أمر آخر يفترض الإنتباه إليه وهو إسم الشركة التي يجري التأمين فيها. لأن بعض الشركات- كما بعض هيئات الدولة- لا فائدة منها. بالكاد تقدم التغطية الأساسية. هناك أيضا بوالص تأمين على البيوت تشمل الطوفان والحرائق والسرقات. فعلى أي أساس تحدد قيمة عقد التأمين؟ يجيب حبيقه «يحدد ذلك حسب جغرافية العقار، منطقة راقية أم لا، منطقة قريبة من بؤر الشغب أم لا وما الى ذلك من أمور. في كل حال، لا يتعدى عقد تأمين منزل يقدر بمليون دولار مبلغ 500 دولار، أما المنزل الصغير، بمساحة 150 متراً، فلا تتعدى بوليصته 250 دولاراً».
على المواطنين اليوم أن ينتبهوا الى عقود التأمين، لأن الكوارث تزداد، واتكالهم لن يكون إلا على أنفسهم وعليها. لكن، ماذا لو تهربت شركة التأمين من سداد إلتزاماتها؟ سليمان حبيقه يتحدث عن قيام شركات، بعيد إنفجار مرفأ بيروت، بالبحث عن المفقودين وسداد بوالصهم وذلك من خلال شركات إعادة التأمين، في المقابل هناك من تهرّب من هذه الموجبات. ثمة شركات بوليصتها فارغة.
بدأنا في هيئات الكوارث الرسمية فأصبحنا في هيئات التأمين الخاصة... والمواطن، عالم عليم، أن جلده لا ولن يحكه إلا ظفره.
نوال نصر- نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|