البديل عن الودائع "القديمة": الشيكات "الفريش" تتوسّع بقوة
قبل أكثر من عامين، وتحديدًا في بدايات حزيران 2023، أطلق مصرف لبنان التعميم رقم 165، بغية استحداث منظومة جديدة لتداول الشيكات المقوّمة بالشيكات "الفريش". الجديد في ذلك التعميم، كان تمكين المصارف من تبادل السيولة "الجديدة"، التي دخلت القطاع المصرفي نقداً أو عبر تحويلات من الخارج، بعد حصول الأزمة الماليّة. وكما هو معلوم، ظلّت هذه السيولة مستثناة من القيود التي فرضتها المصارف على الودائع "القديمة"، التي لا يمكن استخدامها إلّا في إطار سحوبات محدودة جداً، وفقاً لتعاميم مصرف لبنان. ومنذ البداية، كان من الواضح أنّ مصرف لبنان يستكمل، عبر التعميم رقم 165، بناء نظام مالي بديل، بعيداً عن أزمة الودائع العالقة حاليًا في المصارف.
أرقام النصف الأوّل من العام 2025 تُظهر أنّ رهانات مصرف لبنان كانت في محلّها، لجهة استجابة التجّار والأسواق للمنظومة الجديدة التي استحدثها. فخلال هذا العام، شهدت تداولات هذا النوع من الشيكات أقوى قفزاتها، مقارنة بجميع الفترات السابقة، من ناحية حجم السيولة التي مرّت بالمقاصّة الجديدة. وهذا ما دلّ على أنّ التجربة نجحت في استقطاب جزء من الحركة المالية، التي كانت تجري عبر الاقتصاد النقدي.
أرقام 2025
وفقاً لأرقام المصرف المركزي، ارتفع عدد الشيكات "الفريش" التي جرى تداولها بالعملات الأجنبيّة، خلال النصف الأوّل من العام 2025، إلى قرابة 26.16 ألف شيك، مقارنة بنحو 7.41 ألف شيك فقط خلال النصف الأوّل من العام السابق. وبهذا الشكل، يكون عدد الشيكات، بالعملات الأجنبيّة، التي مرّت بالمقاصّة الجديدة قد تضاعف بأكثر من 3.5 مرّات خلال العام الراهن.
من ناحية قيمة التداولات، لم يختلف الأمر، إذ ارتفع حجم السيولة بالعملات الأجنبيّة، التي مرّت بالمقاصّة الجديدة، إلى 353.7 مليون دولار أميركي خلال النصف الأوّل من العام 2025، قياسًا بنحو 101.4 مليون دولار أميركي فقط خلال الفترة المماثلة من العام السابق. وبذلك، تكون قيمة التداولات بالعملات الأجنبيّة قد تضاعفت أيضًا بنحو 3.48 مرّات بين الفترتين.
ومن المهم الإشارة إلى أنّ مبدأ تمييز الودائع، بين "قديمة" و"فريش"، قد شمل السيولة بالليرة اللبنانيّة أيضاً. وعلى هذا الأساس، ارتفع عدد الشيكات المتداولة بالليرة اللبنانيّة، والتي مرّت بالمقاصّة الجديدة، إلى قرابة 8.49 ألف شيك خلال النصف الأوّل من العام 2025، مقارنة بنحو 3.63 ألف شيك فقط خلال النصف الأوّل من العام السابق. ومن حيث القيمة، ارتفع حجم الشيكات "الفريش" المتداولة بالعملة المحليّة إلى 15.38 ترليون ليرة لبنانيّة، خلال النصف الأوّل من هذا العام، قياسًا بنحو 5.89 ترليون ليرة لبنانيّة فقط خلال الفترة المماثلة من العام السابق.
بهذا الشكل، تنامى حجم الاعتماد على هذا النوع من الشيكات، رغم كل الانتقادات التي تم توجيهها إلى خطوة استحداث هذه المقاصّة، بوصفها "تطبيعًا" لاحتجاز الودائع القديم، واستحداثًا لنظام مالي جديد يقفز فوق الأزمة القائمة والمستمرّة. ويبدو أنّ حاجة الأسواق للمرونة في التعامل بالشيكات، قد طغت -حتّى اللحظة على الأقل- على مشاعر الريبة من المصارف اللبنانيّة، مع استمرار أزمتها للسنة السادسة على التوالي.
التداول بالودائع "القديمة"
في مقابل زيادة التداول بالشيكات "الفريش"، كان ثمّة انحسار واضح في التداول بالشيكات المرتبطة بالودائع "القديمة"، أي السيولة الموجودة في النظام المصرفي منذ ما قبل تشرين الأوّل 2019. فخلال النصف الأوّل من عام 2025، انخفض حجم هذه التداولات بالعملات الأجنبيّة بنسبة 51%، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق. ولم يبلغ حجم تداولات المقاصّة القديمة -بالعملات الأجنبيّة- أكثر من 31 مليون دولار أميركي، خلال شهر حزيران الماضي، مقارنة بنحو 55 مليون دولار أميركي خلال الشهر السابق.
ولم يختلف الحال بالنسبة للودائع "القديمة" المقومة بالعملة المحليّة. إذ تراجع حجم تداولات المقاصة القديمة بالليرة بنسبة 28%، خلال النصف الأوّل من هذه السنة، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق. ولم يتجاوز حجم تداولاتها مستوى 3.98 ترليون ليرة لبنانيّة خلال شهر حزيران، مقارنة بنحو 4.45 ترليون ليرة لبنانيّة خلال الشهر السابق.
ضمور التداولات بالدولارات المحليّة أو "القديمة" لم يرتبط فقط بالأزمة المصرفيّة، أو القيود التي تفرضها المصارف على سحب أو تحويل هذه الأموال. بل ارتبط أيضًا بنوع آخر من الإجراءات التي فرضتها المصارف، مثل منع إيداع هذا النوع من الشيكات في حسابات زبائنها، لتقليص حجم التزاماتها بهذا النوع من الودائع. وهذا ما قلّص، مرّة أخرى، من قدرة المودعين على استعمال أموالهم، حتّى في نطاق تداول الشيكات أو التحويلات الداخليّة.
في النتيجة، أراد مصرف لبنان من المقاصّة الجديدة محاولة الحد من نطاق الاقتصاد النقدي، الذي بات يُنظر إليه خارجيًا كبيئة خصبة لتبييض الأموال، ما ساهم في إدراج لبنان على القائمة الرماديّة. غير أنّ هذه الخطوة مثّلت متنفّسًا للمصارف، من خلال تمكينها من البحث عن أدوار جديدة في السوق، قبل أن تُعاد هيكلتها بشكلٍ منصف وعادل. وتوسّع هذه المقاصّة، جاء بالتوازي مع تقديم المصارف قروضًا جديدة بالدولارات "الفريش"، ومنحها فوائد مقابل الودائع "الجديدة". وهذا ما شكّل نظامًا ماليًا جديدًا مستقلًا عن النظام السابق، الذي ما زال يعيش أزمته حتّى اليوم.
علي نور الدين - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|