صحيفة إسرائيليّة تتّهم دولة عربيّة: لا تعترض المسيّرات والصواريخ التي تستهدفنا
في فنّ تحصين المُجرمين... وليد عبّود هدفاً
ورقة ممهورة بتوقيع مريب لـ "جماعة أنصار الله الحوثية" تتوعد الإعلامي ومدير أخبار قناة MTV وليد عبود بالخطف والتعذيب والقتل، قد تساوي في أثرها دبابة في الشارع. تخلق رهبة خفيّة وأثرًا معنويًا هائلًا وتُدخل الترهيب إلى الحيّز الشخصي، البيت والزوجة والعائلة والرفاق ثم الزملاء، وتعيد تعريف ميزان القوى النفسي، فارضةً الغموض أداة ردع توسّع دائرة الخوف لتشمل أحبّة من يتجرّأ على التعبير.
ورقة... تجمع بين سهولة التنفيذ واستسهال النفي، ترسم واقعًا أبلهَ يركن التهديد جانبًا ويزدري الإبلاغ عن الواقعة، انطلاقًا من ذريعة واهية أنّ "الحوثي مشروع أممي إسلامي واسع لا يحصر نفسه ولا يوقّع هكذا".
ورقة... تُسخّف النقاش من جوهر أزمة الصحافة السيادية في لبنان، إلى جدل عقيم حول شكل التوقيع، فيما منصّات التحريض تواصل استهدافنا، وتؤمن الغطاء المعنويّ الداعم لكل محاولة من محاولات كمّ الأفواه.
التحريض حشدًا للجماعة
كم من مرّة تصفّح فيها مؤدلج، جريدة صفراء، ووجد أوراق نعوتنا المُسبقة في عنوان كالشواهد على قبورنا المفتوحة؟... كم مرّة رُسم علم MTV جنبًا إلى جنب علم بني صهيون بلا حسيب أو رقيب؟ كم من مرّة رُفعت "فاشونيستاز" على الأكتاف بعد قدحنا وذمّنا بحيث يُبرّر أي تعدّ جسدي علينا مُسبقًا؟ كم مرّة استساغ مُتحسس الرقاب رسمنا امتدادًا لقتلة الأنبياء حتى يلمس القارئ مدى الجهد البحثي المبذول في انتقاء صفاتنا، بين "قناة إسرائيل"، "منبر العملاء"، "نداء الصهاينة"، "المرّ أدرعي"، وغيرها من مصطلحات تجريدنا من الإنسانية التي تطمس عمدًا الفوارق بين معارضة لبنانية مشروعة نمثلها وعدوّ خارجي يتربّص بنا أصلًا؟!
ما المستغرب إذًا؟ عبّود رأس الهرم التحريري الذي يُحدّد الخطاب العام لقناة MTV ويقرّر طبيعة التغطية السياسية والانتقادات الموجّهة للسلطة بشقيها الأصلي والعميق المسلّح... من يُهدّد عبّود لا يُهدّد شخصًا بعينه بل يضرب العقل المحرّك للخطاب الإعلامي المعارض. والرسالة الموجّهة إليه ليست فقط تخويفًا لشخصه بل هي تحذير ضمني لكلّ العاملين في القناة وخارجها: "المسّ بسلاح الآلهة، يُراق دمه فداءً لها" و... "ما غريب إلا الشيطان!".
الهدف شفاف وواضح: أن يُساوى الناقد الداخلي مع الإسرائيلي حشدًا للجماعة، فلا يعود الطرح السيادي مشروعًا للبحث أو التفكّر أو حتى النقاش، بل تتحوّل النشرة الإخبارية التي يشرف على مضمونها عبّود تهديدًا لأمن أمة السلاح. كلّ اختلاف خيانة، كلّ شحنٍ مقاومة، وكلّ معارض يحتمل كمّ الفاه، حتى يُفرغ التعايش من أسسه. في ألمانيا النازية، كل معارض يهوديّ، وفي الاتحاد السوفياتي كل ناقد للسياسات الحزبية عميل إمبريالي، وفي المربّع الأمني المُوسّع، جميعنا أدوات لمؤامرة كبرى.
كلّما تراجعت شرعية سادة القوّة المُفرطة، زادت حاجة المجاهدين العاطلين عن السلاح إلى العنف الرمزي تلذذًا بشعورٍ سوف يُفقد قريبًا. إبقاء صورة محور الطاعة كفاعل فوق القانون حاجة نفسية، لن يتخلّى عنها من أدمنها بسهولة. وما أكثر الأصوات المأزومة التي تشدّ رحال استعادة هيبة فُقِدَت. أما توزيع المنشورات أمام منزل عبود، وليس عبر "إيمايل" أو تواصل إلكتروني فيوحي بقدرة لوجيستية، وتصميم بأن المهدّد قادر على الوصول له ولا يخشى العقاب.
الحامي المُنتظر
ليس ثمّة ما يحول بين صدورنا وبين تلك النماذج من المتذاكين المتواطئين، شريطة أن يُنقل صوتنا وخوفنا المشروع. الأسف يملأ فراغ عدم ملاحقة ومساءلة الفاعلين. لا قضاء يردع، ولا أجهزة أمن تحمي، اللهم تضامنٌ من الزملاء والأصدقاء، فيما تتحوّل يومياتنا مع الترهيب إلى "ترندات" عابرة، سرعان ما يطويها التجاهل والنسيان.
لا يسير الزميل عبود أعزلَ في ميدان رماية، بل يحميه توثيق التهديد الذي يُشبه في مفرداته ومضامينه ما سبق أن طاول الشهيد لقمان سليم، ولهذا رفعنا الصوت، لأننا سئمنا زفّ الرفاق على أكتاف حرية آرائهم، سئمنا العوم في دماء الأحبّة ولو افتراضًا.
لا حاجة لأن يكون "حوثي" قد كتب الرسالة بيده. يكفي أن البيئة الحاضنة للحوثي وأسلوبها العقائدي في تخوين كل معارض خلقا مناخًا يسمح لمجهولين باستعمال اسم الحوثي بأريحية ونية جرمية لا تحتمل الأخذ والرّد.
ونفي الجهة المتهمة لا يُسقط التهديد، بل يضاعف الشبهة... إذا لم يكن الحوثيون، فمن إذًا؟ الجواب يبقى في الداخل اللبناني، حيث ثمّة من يحتاج إلى تخويف الإعلام واستعارة أسماء إقليمية لإضفاء هيبة على ورقة مريبة أمام منزل إعلامي مخضرم... نسخة "خفيفة الكلفة" تحقق الأثر النفسي المطلوب لرصّ الصفوف واستصغار الخصوم، من دون الحاجة لذرف الدم فعلًا. لنقتل ونقتل ونقتل عشرات المرّات... تباعًا. المهم ليس العنف الواقعي بل الخيال الجماعي الذي يزرعه النص في ذهن خصوم السلاح... فهل تنفع المحاولة؟ أشكّ صراحةً!
لافتة كانت عبارة "الوليد بن العبّود" في مضمون الرسالة، إذ تعمّد المرسل إظهار الإعلامي وليد عبّود وكأنه مُنتسب لغويًا إلى الثقافة الخليجية أي أنه ليس لبنانيًا مستقلًا بل "بن" بيت مرتهن للسعودية أو الإمارات أو الخليج، في خانة العمالة للعرب خصوم ميدان أمة السلاح الإلهي، في إسقاط لهويته الوطنية وإعادة تعريف لها جيوسياسيًا، تجعل منه رأس حربة مشروع خارجي، وبالتالي مصيره بحسب المنطق المُهدّد "مقاومة". وهو منطق نقرأ إعداده على صفحات أوراق "الجريدة إياها"...!
لم يكتفِ المرسِل بتوجيه تهديد، بل عمد إلى لغة كراهية نمطية، إلى إهانة الأسرة والأصل، علّه يخلق جرحًا اجتماعيًا يتجاوز السياسي، ضمن أسلوب تقليدي في حملات الترهيب الطائفية، حيث يدمج الشخص بخلفيته العائلية ليجعله هدفًا جماعيًا. وكلمات مثل "الخطف"، "التعذيب"، "التصفية الجسدية" لا تترك مجالًا للتأويل. نص يعلن بوضوح أنّ العقاب سيكون دمويًا.
استخدام جملة "أحقر حيوانات الأرض" وإقصاء عبود دينيًا إلى جهنّم، يعكس محاولة تبرير أخلاقية لما يمكن أن يطال عبود لاحقًا، على معيار الشهيد الأقدس "أنا الله مكلّفني ليش إنت إنسان؟" يكاد الفاعل يدلّل على جهة واضحة.
حين يسخر أبواق الممانعة من أي تهديد بالقتل، لا يُخففون من وطأة الترهيب بل يُضاعفون أثره، خطاب يضاعف الإهانة، ينفي التهديد من جهة، ويُسفّه الضحية من جهة أخرى، يقولون للصحافيين جميعًا "لن نكتفي بالتهديد، بل سنجعل من خوفكم مادة للضحك". كالعادة، كل تطاول على الكرامات يُقابل بتكذيب وتبرؤ وإنكار. فنّ تحصين المجرمين. أما السلاح فسلاح الإمام، وديعة إلهية، خارج عن كل رقابة بشرية أو دستورية. أما رقاب الزملاء فوديعة الصحافة، خارجة عن حدود التأويل والتكذيب.
مريم مجدولين لحام -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|