برسم القاضي كمال نصار…أوقح فضيحة في القطاع المصرفي بطلها الأخطبوط
راية الحُسين في معراب؟
الكلمة سلاح حين تتعثّر البنادق. وأيلول هو شهر الكلام المُباح. فيه قضى الأمين العام الذي ظلّ يلدغ بالراء حتّى خِلنا أن اللدغ هو الصواب. وفيه انطوت صفحة بشير. ذاك الساحر الرشيق الذي قفز بسرعة البرق من فتوّة الكتائب إلى رأس الدولة. بين الحالتين وقف سمير جعجع في الذبيحة الإلهيّة. يشدّ بيديه على ما استقام من تجربة “الباش”. ويضيف إليها ما بقي من رايات الحُسين.
يقول صديق لمّاح: ما كان ينقص سمير جعجع في قدّاس معراب سوى أن يرفع قبضته ويردّد أمام الجماهير: هيهات منّا الذلّة. فهو استحضر في خطابه الشيعيّ الطويل كوكبة تاريخيّة من أحجار الزوايا. يتقدّمهم إمامهم الأكبر عليّ بن أبي طالب، وصولاً إلى موسى الصدر ومحمّد مهدي شمس الدين وحتّى جبل عامل. ما كان ينقص ذلك كلّه سوى استحضار الشاعر طلال حيدر. حيث خاطب الشيعة بلسانه البديع: “ما تقولوا طوّل هالليل، قولوا بكرا جايي نهار”.
يدرك سمير جعجع في عميق عميقه أنّ الكثرة الكاثرة من الشيعة لا يستمعون إليه. وإن استمعوا فلا يُصدّقون. وإن صدّقوا فإنّ مكاسبه الحزبية والسياسية والانتخابية تكاد تكون صفراً. فلماذا يُخاطب الرجل من لا يسمع؟ لماذا يُخصّص جُلّ خطابه السنويّ الأهمّ لفتح كوّة في جدار قد يستفيد منه كلّما تصلّب أو ارتفع، لا كلّما ترهّل أو سقط؟
جراحٌ لا تندمل
يبدأ سمير جعجع رحلته المضنية فوق الزجاج المطحون تماماً من حيث انتهى بشير الجميّل. ذاك الذي وقف ذات يوم ليدعم وصول مسلم سنّي إلى حاكميّة مصرف لبنان. ثمّ حين همس له أحد المقرّبين عن خطورة تنازل مماثل في توازن المعادلة اللبنانية. رد بحكمة منقطعة النظير: يكفي المسلمين قهراً أنّني أصبحت رئيساً للجمهورية.
يكفي عوامّ الشيعة قهراً أن يُشطب سيّدهم في وضح النهار. أن تتهاوى أساطيرهم التي نشأوا عليها منذ نعومة أظفارهم. أن يتجرّعوا الهزيمة بعدما ظنّوا أنّها ولّت إلى غير رجعة، وأنّهم افتتحوا أزمنة الانتصارات. يكفي الشيعة قهراً أن يناموا على سيّد كان محور المحور ويستفيقوا على الشيخ نعيم. أن يناموا على بلاد كانت طوع بنانهم. ويستيقظوا على محمّد رعد وهو يستشيط غضباً من على منبر القصر الجمهوري، بعدما صار نوّاف سلام واقعاً لا فكاك منه.
يعرف سمير جعجع هذا كلّه. ويعرف أيضاً أنّ ثمّة جراحاً في ذاكرته لا تندمل. جراح الهزيمة. وجراح العزل. وجراح السجن. وجراح الاغتيال. حين قتلوا بشير ظنّ ناسه أنّ القيامة قد قامت. وأنّ الأحلام قد اندثرت. وأنّ هذه البلاد مجبولة بالقهر حدّ الموت. فلا سبيل لعيش. ولا سبيل لكرامة. ولا سبيل لخلاص. هذه ذاكرة مريرة. حملها سمير إلى زنزانته. وحملها المسيحيون إلى مخادعهم. عرفوا العزلة في أبشع صورها. واختبروا القهر في أرذل تجلّياته. وعايشوا اليأس العميم. حتّى صارت حياتهم صنو الموت. بل صنو الهروب من بلاد الظلمة والظلام.
يعرف سمير جعجع أنّ الغالبيّة الغالبة من الشيعة هم أناس طيّبون. ساقهم المايسترو إلى حتفهم. إلى أوهام أيديولوجيّة وعدميّة. ظنّ الواحد فيهم أنّه قادر على اجتياح الكون. لكنّه ما لبث أن اصطدم بواقع شديد المرارة. حين اكتشف أنّه بات عارياً من كل شيء. وأنّ أولئك الذين استثمروا في ورم الروؤس أشاحوا النظر عنهم وهم يُقتلون. ثمّ تُركوا لمصيرهم. لا حضن ولا احتضان. لا أصدقاء ولا حلفاء. لا جيران ولا من يبلسم القلب أو يجبر الخاطر. يقفون فوق أطلال بيوتهم وقراهم التي استحالت برمّتها أثراً بعد عين. لا شيء في جعابهم سوى الحسرة والوجع.
الشّيعة قبل الحزب وبعده
يريد سمير جعجع أن يُحاكي هذا الهدوء الذي يعقب الزلزال. أن يقول لهؤلاء الذين أصابتهم الفجيعة أنّنا أهلكم وناسكم وحضنكم. وأنّنا لا نريد لكم أن تشربوا من الكأس التي شربنا منها على مدى عقود. لن نريد لكم أن تنزلوا المنزلة ذاتها. لا نبحث خلف كسركم. ولا سحقكم. ولا حشركم في زاوية اللايقين. بل نمدّ لكم اليد الصادقة نحو منتصف الطريق. ونحو دولة قادرة وعادلة نستظلّها جميعاً. لا قهر فيها ولا مقهورين. ولا سلاح فيها ولا مسلّحين. لا جنون فيها ولا مجانين. دولة طبيعية. عاديّة. محترمة. تحترم الإنسان وترفع شأنه وكرامته كمواطن في بيته، لا كبيدق أو أداة أو حقل تجارب في معارك الآخرين.
هو كلام للتاريخ. يقوله سمير جعجع حين تعثّرت البنادق. وهو كلام يستحقّ الكثير من النقاش والكثير من التأمّل. لا بعين الحقد ولا الضغينة ولا التشفّي. بل بعيون الحرص والرغبة بطيّ صفحات وفتح صفحات. الشيعة كانوا قبل الحزب. والشيعة يبقون بعده. يذهب الطارئون إلى تقاعدهم. ويُكمل أهل الأرض حكايتهم في بلاد ليس ينفع معها كسر ولا خلع ولا جنون. بل الكثير الكثير من الهدوء والوطنيّة والعقل الذي لا ينضب.
قاسم يوسف -أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|