الصحافة

من قصر تشرين إلى جبل العرب: خارطة طريق يرفضها الهجري

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في تطور دراماتيكي سريع، كانت له دواعيه بالتأكيد، أعلن في دمشق يوم الثلاثاء الماضي عن «خارطة طريق» لحل الأزمة في السويداء التي وصلت إلى ذروة دموية منتصف شهر تموز الفائت، فيما الواضح من الدواعي أن الفعل كان، كما يبدو، «شرطيا»، إذا ما أرادت القيادة السورية «تكليل» زيارة الرئيس الشرع، المقررة لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستنطلق بعد أيام، بـ<الهالة» المرجوة لها داخليا وإقليميا على حد سواء، ولربما كان إعلان وكالة<سانا» الرسمية عن إن "الرئيس الشرع سيجري زيارة للولايات المتحدة يحضر من خلالها اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة»، في تأكيد هو الأول من نوعه، كافيا للدلالة على الربط بين الحدثين، فالوكالة نشرت تقريرها آنف الذكر بالتزامن، أو بعد وقت قصير، من خروج» الدخان الأبيض «من قاعات» قصر تشرين» الدمشقي حاملا معه الإعلان عن «الخارطة»، بحضور كل من وزيري خارجية سوريا والأردن، جنبا إلى جنب المبعوث الأميركي توم براك، الذي وصف الأخيرين بإنهما «من أهم وزراء الخارجية في المنطقة»، ووفقا لنيكولا ميكافيللي، مؤلف كتاب «الأمير» ذائع الصيت، فإن <على الأمير تحسس مساره إذا ما لاقى هذا الأخير مديحا من الخصم أو الشريك على حد سواء».

تضمنت «خارطة الطريق»، وفق المعلن، بنودا سبعة، أبرزها «محاسبة كل من اعتدى على المدنيين وممتلكاتهم بالتنسيق الكامل مع المنظومة الأممية»، و<تعويض المتضررين>، مع<ضمان تدفق المساعدات الإنسانية والطبية»، وصولا للـ "الكشف عن مصير المفقودين، وإعادة المحتجزين والمخطوفين، وتسهيل عودة النازحين»، لكن الأهم من بين تلك البنود كان في «نشر قوات محلية من وزارة الداخلية لحماية الطريق( المقصود طريق دمشق - السويداء) وتأمين حركة الناس والتجارة»، ثم «إطلاق مسار المصالحة الداخلية، بمشاركة أبناء السويداء بجميع مكوناتهم»، ولربما كان في تلك البنود الكثير مما يجب التوقف عنده، وخصوصا منها هذا الأخير، حيث كانت ممارسات السلطة تشي بنقيضه، ففي اليوم الذي سبق الإعلان عن «الخارطة» كان الشيخ سليمان عبد الباقي، قائد <تجمع أحرار العرب» الموالي لدمشق، قد أعلن عن إن» وزير الداخلية أنس خطاب كلفه بإدارة الملف الأمني بالسويداء»، وهو ما أكده لاحقا مصدر مسؤول بتلك الوزارة، وتراجم ذلك أن دمشق قررت «تعويم» دور هذا الأخير بما لا يتناسب مع الثقل الذي يحظى به في محافظته، ولعل ذلك سيحدث بطرق شتى، من نوع أن يتم استرجاع المخطوفين من أبناء الطائفة الدرزية عبره، الأمر الذي قد يوفر له بعضا من «بريق» الدور المفقود، لكن السؤال يطرح نفسه هنا: لماذا تحاول السلطة شرب الماء من نبع بعيد، طالما أن هناك نبعا قريبا؟ أم أن الأمر يندرج في إطار» المناكفة»، والقول بإنها هي من يوزع الأوزان والأدوار على حد سواء؟، ثم إن بعضها يحتاج للمزيد من الإيضاح، إلا إذا كان الغموض» مقصودا»، من نوع <التنسيق مع المنظومة الأممية»، ناهيك عن إن «الخارطة» تجاهلت مسائل على درجة عالية من الأهمية، من نوع مصير 33 قرية بريف السويداء الشرقي والشمالي، وهي لا تزال مهجورة، وغير آمنة وفقا لروايات العديد من النشطاء الذين تواصلت معهم» الديار»، إلا إذا اعتبرنا أن هذا الأمر جرى تضمينه في سياق العبارة الواردة في «الخارطة»، والتي تقول بوجوب <تعويض المتضررين، وترميم القرى، وتسهيل عودة النازحين»، والمؤكد أن هذا غير كاف لمعالجة مسألة بهذا الحجم، ولربما كان التصريح الذي أدلى به أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، في المؤتمر الصحفي الذي جمعه إلى جانب نظيره السوري والمبعوث الأميركي، عشية الإعلان عن بنود الإتفاق، كاف لـ«تبرير» الكثير من ذاك الغموض حين قال إن<الإتفاق يلبي احتياجات اسرائيل الأمنية»، وهذي إشارة واضحة كافية للدلالة على وجود بنود» غير معلنة» لهذا الأخير .

لم تنقض ساعات على إعلان «خارطة الطريق» السورية لحل أزمة السويداء حتى أصدرت «اللجنة القانونية العليا» بالمدينة، التي جرى تشكيلها، يوم 26 تموز، بتكليف من» الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز «برئاسة الشيخ حكمت الهجري، بيانا رفضت فيه و<بشكل قاطع خارطة الطريق لحل أزمة السويداء»، وذكر بيان اللجنة إن «بيان الخارجية السورية متناقض»، من حيث أنه دعا إلى «لجنة تحقيق دولية خاصة بسوريا، ثم حصر المحاسبة ضمن القانون السوري»، وهو ما عده بيان اللجنة «تفريغا لأي معنى للعدالة الدولية»، وألمح بيان<اللجنة القانونية العليا» في ختامه إلى «حق تقرير المصير» سبيلا وحيد لضمان أمن الطائفة في ظل هذه الحكومة، والجدير ذكره في هذا السياق أن ناشطون دروز كانوا قد أطلقوا حملة «حق تقرير المصير»، التي تهدف لـ<جمع أكبر عدد من التواقيع الخطية والإلكترونية الداعمة لذلك الحق»، وفقا لما ذكره هؤلاء، وقد انطلقت الحملة صباح يوم الثلاثاء، أي صباح الإعلان عن< خارطة الطريق»، حيث من المقدر لها أن تستمر حتى التاسعة من مساء الأربعاء، وقد ذكر الناشط جميل حاتم في اتصال مع <الديار» إن<الإستفتاء قائم وبشكل حر، ولكن الكثيرين لا يستطيعون الوصول للمراكز بسبب عدم توفر وسائل النقل أو الكلف الباهظة»، وأضاف«السويداء اليوم في حالة إجماع غير مسبوقة>، وأشار إلى إن <نحو 90 % من الدروز يرفضون أي عرض أو اتفاق تكون حكومة الشرع طرفا فيه».

لعبت مدينة السويداء، عبر زعامة سلطان باشا الأطرش الذي قاد الثورة السورية الكبرى عام 1925، دورا محوريا في بناء ملامح سوريا التي نعرفها الآن، ومن دون شك كان رفض الأطرش لمشروع «الدويلات الخمس»، التي أسس لها الإنتداب الفرنسي، دور<حجر الأساس» في ذلك البناء، واليوم يبدو أن المدينة تتحفز للقيام بدور محوري هو الآخر لكنه في الإتجاه النقيض من<البناء»، وشعاره الأمضى هو» الهدم بمعول الإصلاح»، والسؤال الأهم الآن هو: ما الذي أدى إلى هذا الإنقلاب الغريب؟ وإذا ما كانت تراكمات قرن من الزمن قد عصفت بالكثير، وفي الأمر ما يدعو إليه، حتى بات<التيه» هو علامتنا التي تميزنا عن غيرنا، ألا يستحق فعلا من نوع البحث عن<بوصلة» أن يكون خيارا صائبا؟ أليس إرث سلطان الأطرش بوصلة؟.

عبد المنعم علي عيسى -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا