متري: الجيش لا يريد استعمال القوة ضد أي فئة وسيقدم تقريرا شهريا عن تنفيذ الخطة
عام على المذبحة... قرار سياسي بالصمت "لا تحقيق ولا توثيق"!
لو أنّ جريمة ضدّ الإنسانية كتفجير أجهزة الـ«بايجرز» حدثت عن سابق إصرار وتصميم، في إطار هجوم ممنهج وواسع استهدف مئات المدنيين، خارج ساحة المعركة، وقعت في أي مكان آخر، لما مرّت مرور الكرام، من دون فتح تحقيق لتحديد ما جرى في 17 و18 أيلول 2024، وضمان حقوق الجرحى وذويهم وتعويض المجتمع عن الخسائر الطويلة الأمد، ومحاسبة المرتكبين.
بعد عام على الجريمة، ماذا فعلت الدولة على صعيد التوثيق وتوصيف الجريمة والمحاسبة؟ الجواب: لا شيء.
لم تعيّن الحكومة فريقاً من الأطباء الشرعيين لتوثيق ما حصل مع كل ضحية في ذلك اليوم المشؤوم، عبر تقارير تتضمّن نوع الإصابات، ووصفاً مفصّلاً للجروح، ونتائجها على المدى البعيد، بما في ذلك الإعاقات الدائمة. ولم تُكلّف فريقاً قانونياً قضائياً لتوصيف عناصر الجريمة وملابساتها، وتحليل ما جرى بدقّة، وتحديد أماكن وقوعها وتسلسل الأحداث التي أدّت إلى التفجيرات، وهل كانت الجهة المُرتكِبة على دراية بتوزيع الأجهزة ومن استُهدف بها؟ ولم يتطرّق التحقيق إلى النية الجرمية: هل كانت تهدف إلى القتل المباشر أم إلى إحداث أضرار محدّدة؟ وإذا كانت النية الأخيرة، فما نوع الإعاقات المُخطّط لها؟
كذلك، لم تستعن الحكومة بأيّ فريق تقني أو تكنولوجي، محلي أو دولي، لتقديم إجابة مفصّلة حول طبيعة المواد المتفجّرة، حجم العبوات، وطريقة تفجيرها، وهل حصل التفجير من تلقاء نفسه من دون تدخّل الضحية، أم بعد الضغط على زر أو فعل محدّد، أي هل وقع الجرم عن بُعد أم عبر إرسال إشارات مشفّرة؟
لم تتّخذ الدولة أي خطوة لتوثيق الجريمة، سواء بالاعتراف بها أولاً أو بمحاسبة مرتكبيها ثانياً. وبقي موقفها تجاه تفجيرات الـ«بايجرز»، الذي اعتبرته «ملفاً حساساً»، على حاله: «لا تقترب، خطر انفجار». وينسحب هذا أيضاً على إهمال كل ما يتعلّق بشؤون الجرحى، إذ اكتفت وزارة الشؤون الاجتماعية بتوزيع بطاقات «معوق» للراغبين، فيما تُركت العبء كلّه على عاتق «مؤسسة الجرحى» التابعة لحزب الله. وعزت تقصيرها إلى قلة الحيلة وضعف الإمكانات، وهي حجة لم تعد تقنع حتى أصغر المصابين سناً، إذ إنّ الجرحى المعوقين بصرياً كانوا بحاجة إلى دعم نفسي، وتدريب على استخدام التكنولوجيا، والتوجيه نحو المهن المتاحة والمتوافقة مع وضعهم الجديد، وغيرها من الأمور التي لا تتطلّب موازنات ضخمة.
إذاً، كان القرار سياسياً بالدرجة الأولى. ومن أسوأ ملامحه وأكثرها لاإنسانية، عدم الضغط لفكّ الحصار المفروض على الدولة، والذي حال دون استيراد القرنيات. كما لم يخرج في المجلس النيابي من يقترح قانوناً معجّلاً مكرّراً يساوي الجرحى بجرحى الجيش اللبناني، كما هي الحال مع المصابين بانفجار المرفأ الذين لا يزالون ينتظرون إقرار قانون مساواتهم بجرحى الجيش.
بالعودة إلى الجانب القضائي، خسر لبنان فرصة متابعة ملف جنائي مكتمل الأركان على المستوى الدولي، إذ كان من الممكن تعيين فريق من المدّعين العامّين للتحقيق الجنائي، يحدّدون الدوافع الجرمية وطريقة دخول الأجهزة المتفجّرة ووصولها إلى الضحايا، بالتنسيق مع حزب الله وتحت إشراف قضائي مستقلّ.
والمحكمة الجنائية الدولية مُطالَبة، بعد تحضير ملف كهذا محلياً، بمحاسبة إسرائيل التي اعترفت بالجريمة، وملاحقة الأفراد الذين خطّطوا ونفّذوا وشاركوا من ضباط وتقنيين ومساعدين في غرف العمليات. ويشير خبراء في القانون الدولي إلى أنّ «لبنان لم يوقّع على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية، لكن إذا وُجد ضحايا من رعايا دول موقّعة يمكن أن تتدخّل المحكمة، كما يمكن للبنان نفسه طلب اختصاصها للنظر في القضية».
ويبقى مجلس الأمن المرجع الأول الذي يفترض أن تلجأ إليه الدولة اللبنانية، بوصفه الجهة المسؤولة عن إقرار الأمن والسلم الدوليين. ورغم أنّ إسرائيل لا تزال ترتكب أفظع المجازر في المنطقة، ولا سيما في غزة، من دون أي احترام للقانون الدولي، ورغم أن سفيرها لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، سبق أن مزّق ميثاق الأمم المتحدة أمام العالم، يبقى توثيق جرائم العدو أمراً بالغ الأهمية لحفظ حقوق الضحايا ولو بعد حين.
لكن في لبنان، وفق الخبراء القانونيين، «لا يزال هناك من يظن أنّ أجهزة البايجرز فُجّرت حصراً بعناصر حزب الله، وأن جميعهم مقاتلون، متجاهلاً أنّ هذه الأجهزة مدنية وغير عسكرية، وتُستخدم في المستشفيات، ويحملها مدنيون في المنازل والشوارع والمتاجر. لذلك، حصدت مدنيين بينهم نساء وأطفال، وكان يمكن أن تصيب أيّ لبناني يحملها أو يقف إلى جانب من يحملها، إضافة إلى أنّها فُجّرت في دبلوماسيين، في تجاوز واضح لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961».
زينب حمود - الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|