موجة ارتدادية قياسية تلتف حول سلام
ما دفع في اتّجاه التزكية الواسعة لموقف سلام أن رئيس الحكومة وضع حدّاً حاسماً وسريعاً لما أوحى بأنّه اعتكاف حين بادر بعد الظهر إلى ترؤس اجتماع وزاري تشاوري في السرايا الحكومية لبحث تداعيات إضاءة صخرة الروشة
بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على التظاهرة التي انتهك فيها وعبرها “حزب الله” الترخيص القانوني الذي حدّد لها شروط الموافقة عليها، بدأ المشهد السياسي الناشئ عن تداعياتها ينقلب إلى وجهة أخرى ستترك أثرها على مسار السلطة وتعاملها مع هذا التطور في قابل الأيام. ذلك أن تردّدات العصيان السافر والتحدّي اللذين طبعا سلوكيات “حزب الله” راحت تشكّل عاصفة إدانة واسعة للغاية للحزب وتشهّر به كحزب وفريق مارق على النظام من جهة، وفي المقابل تسبّبت تردّدات العاصفة السياسية بأوسع احتضان وتأييد ودعم غير مسبوق لرئيس الحكومة نواف سلام الذي ارتفعت أسهم تأييده والالتفاف حوله إلى ذروة قياسية.
ولعل ما زاد موجة التأييد لسلام في موقفه الثابت والجريء من تنفيذ القانون على الذين اخترقوا شروط الترخيص بالتجمّع في الروشة أن رئيس الحكومة أظهر صلابة في المضي في تنفيذ القانون في وقت اهتزّت فيه بقوّة مقلقة للغاية الثقة بالقوى العسكرية والأمنية التي كان يفترض بها أن تحول دون تحدّي الحزب للدولة بالشكل السافر الذي حصل. ولذا اكتسبت اللقاءات والمواقف التي تلاحقت في ساعات قبل ظهر أمس دلالات لافتة بدت كأنّها تعيد تصويب المشهد لمصلحة الانتصار لموقف رئيس الحكومة وهو ما سيكون برسم جميع المسؤولين والمراجع المحلية أيّا تكن وجهات نظرهم مما جرى.
وما دفع في اتّجاه التزكية الواسعة لموقف سلام أن رئيس الحكومة وضع حدّاً حاسماً وسريعاً لما أوحى بأنّه اعتكاف حين بادر بعد الظهر إلى ترؤس اجتماع وزاري تشاوري في السرايا الحكومية لبحث تداعيات إضاءة صخرة الروشة، وحضر الاجتماع نائب رئيس الحكومة طارق متري ووزراء: المال ياسين جابر، الثقافة غسان سلامة، الدفاع الوطني ميشال منسى، السياحة لورا الخازن، الشؤون الاجتماعية حنين السيد، الاقتصاد والتجارة عامر البساط، المهجرين وشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمال شحادة، الداخلية والبلديات أحمد الحجار، العدل عادل نصار، الاتصالات شارل الحاج، التربية ريما كرامي، الصناعة جو عيسى الخوري، العمل محمد حيدر، الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، الزراعة نزار هاني، والإعلام بول مرقص، والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية. وسبق الاجتماع لقاء لسلام مع وزراء الدفاع ميشال منسى والعدل عادل نصار والداخلية أحمد الحجار.
ووفق المعلومات، فإن وزراء الصحة ركان ناصر الدين والبيئة تمارا الزّين والتنمية الإدارية فادي مكي لم يحضروا لارتباطات مسبقة كما قالوا وليس من باب مقاطعة الجلسة.
بعد الاجتماع، أدلى نائب رئيس الحكومة طارق متري بالبيان الآتي: “تداعينا لعقد لقاء وزاري حول دولة الرئيس نواف سلام تأكيداً لتضامن الحكومة، رئيساً وأعضاء، وللتشديد على السياسة التي التزمت بها في بيانها الوزاري والقائلة ببسط سيادة الدولة اللبنانية بقواها الذاتية على أراضيها كافة. وأكّدنا أيضاً أهمية تطبيق القوانين على جميع المواطنين من دون استثناء، وهو ما ترتّب على الأجهزة الأمنية مسؤولية كبيرة في تحقيق ذلك، فاللبنانيون سواسية أمام القانون، والدولة لا تميز بين مواطن وآخر، ولا بين مجموعة مواطنين وأخرى. وإن ما جرى بالأمس من مخالفة صريحة لمضمون الترخيص المعطى للتجمّع في منطقة الروشة يدعونا إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على هيبة الدولة واحترام قراراتها. وغني عن القول إن الحكومة حريصة على استقرار البلاد ووحدة أبنائها، وقطع دابر الفتنة ووقف حملات الكراهية التي تسيء إلى عيشنا الوطني”.
وكان سلام الذي ألغى كل مواعيده في السرايا وأجرى من دارته في قريطم، سلسلة اتّصالات لمتابعة ما حصل، لقي موقفُه الصلب تأييداً واسعاً شعبياً وسياسياً، وقد استقبل عدداً من النواب الداعمين في منزله.
ووسط معلومات عن تحرّك قضائي كلّف الأجهزة بجمع المعلومات وتوقيف الذين تورّطوا في خرق الترخيص القانوني تحدّثت معلومات أخرى عن توجّهٍ لسحب رخصة الجمعية التابعة لـ”حزب الله”، لعدم التزامها بالشروط المطلوبة في التجمع. أما الرئيس سلام، فأكّد لزواره أنه ليس في وارد لا الاعتكاف ولا الاستقالة، وأنه لن يتراجع عن قراره وهو يريد أن يعرف لماذا تم تجاوز قرار الحكومة في ما خصّ إضاءة الصخرة. أما وزير العدل عادل نصار فأشار إلى أن النيابة العامة تحرّكت بناءً لمراجعته. وقال “القضاء لا يعمل في السياسة بل في القانون والقانون يطبّق على الجميع من دون استثناء”.
واعتبر رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميّل بعد زيارته لسلام أن “المواجهة هي بين منطق الدولة ومنطق اللادولة ولا يراهن أحد على انقسام داخل السلطة السياسية والأمور قيد المعالجة”، أضاف: “على الدولة أن تتّخذ قرارات لاستعادة هيبتها ومعركتنا هي حصر السلاح وليس إضاءة الروشة والأهم هي القرارات التي اتخذتها الدولة بشأن حصر السلاح. وأكّد أن “مسار بناء الدولة “ماشي” ويجب ألا نقع في فخّ “الإسفين الذي يدقه حزب الله” وعلينا أن نكون يداً واحدة في هذه المعركة.
وأصدر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بياناً حيّا فيه “رئيس الحكومة على مساعيه المستمرّة لقيام الدولة المنشودة”، وتمنّى عليه أن “يواصل جهوده، التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الهدف، وقال في بيان: المطلوب من الوزراء الأمنيين المعنيين إجراء التحقيقات الداخلية اللازمة كلّ في وزارته، لتحديد المسؤوليات وسدّ الثغرات”.
وانتقد “حزب الله” قائلاً “أظهرت أحداث صخرة الروشة، أمس، أنّ “حزب الله” لم يتعلّم شيئاً من كل ما جرى، ولم يأخذ عبراً ودروساً من المآسي التي أوقع لبنان واللبنانيين فيها. إن الإصبع الذي ارتفع أمس على صخرة الروشة، ارتفع في وجه من؟ فالاعتداءات الإسرائيلية على لبنان لا تُعدّ ولا تُحصى، فهل ارتفع هذا الإصبع لمواجهتها؟ أم ارتفع في مواجهة أكثرية سكان بيروت واللبنانيين عموماً؟ إن ما جرى على صخرة الروشة يشكّل نقطة سوداء إضافية في سجل “حزب الله”، إذ في الوقت الذي تعمل أكثرية اللبنانيين، ممثَّلةً بحكومة الرئيس نواف سلام التي نالت ثقة مجلس النواب مرتين خلال ستة أشهر، على إقناع اللبنانيين أولاً، والعرب ثانياً، والعالم ثالثاً، بأن لبنان ليس أرضاً سائبة وأن هناك إمكانية فعلية لقيام دولة حقيقية فيه، يصرّ الحزب على إظهار العكس، لا عبر ردّ الاعتداءات الإسرائيلية، بل عبر إثبات جديد أمام العالم أجمع أنّه لا مكان لدولة فعلية في لبنان.
أضاف جعجع “لكن هذا كله لن يمرّ، إذ إن دولة فعلية بدأت تتشكّل في لبنان خلال الأشهر الماضية، ولن يقف شيء في وجه اكتمال قيامها”. واعتبر أن “الأسوأ من ذلك أنّ الأجهزة الأمنية، أمس، تصرّفت وكأن لا علاقة لها بالقوانين ولا بتطبيقها، وكأنها مجرّد عابر سبيل لا ناقة لها ولا جمل بما يحدث”.
في المقابل، أثار رد وزير الدفاع ميشال منسى على منتقدي “تقصير الجيش والاجهزة الأمنية”، استغراباً واسعاً إذ بدا من باب لزوم ما لا يلزم ومزايدة في غير مكانها. وقال في بيان “إن المهمة الوطنية الأساسية التي يضطلع بها الجيش اللبناني دائما هي درء الفتنة ومنع انزلاق الوضع إلى مهاوي التصادم وردع المتطاولين على السلم الأهلي وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية”.
أضاف “لقد بذل الجيش اللبناني الدماء والأرواح والإصابات والإعاقات في سبيل الأرض والعلم والكرامة وشرف الانتماء لهذا الوطن ولم ينتظر شكوراً ولا زهوراً من أحد، لكن كرامة عسكرييه وضباطه الفخورين الجسورين الميامين تأبى نكران الجميل وتأنف التحامل الظالم وتأسف لإلقاء تبعات الشارع على حماة الشرعية والتلطّي وراء تبريرات صغيرة للتنصّل من المسؤوليات الكبيرة”.
وختم “إن للجيش اللبناني وطناً يصونه ورئيساً يرعاه وقائداً يسهر عليه وشعباً يحبه ويرى فيه الامل الباقي بعد الله ولبنان”.
وسط هذه الأجواء يُحيي “حزب الله” اليوم ذكرى اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله. وأفيد بأن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني سيزور لبنان للمشاركة في الذكرى. وقد طلب لاريجاني مواعيد من مسؤولين رسميين.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|