الصحافة

ملك الحروب قائداً للسلام: المكتوب يُقرأ من سجلّ بلير

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

وصل توني بلير، «بطل» خطة دونالد ترامب الأخيرة لإنهاء الحرب في غزة، إلى السلطة في عام 1997 كرئيس لـ«حزب العمال» البريطاني. آنذاك، أكّد أنّ طموحه هو أن يكون من «الجيل الأول القادر على التفكير في إمكانية أن نعيش حياتنا بأكملها من دون الذهاب إلى الحرب أو إرسال أطفالنا إلى الحرب». لكن مع نهاية فترة ولايته التي امتدّت لعقد كامل، بعد انتخابه لدورتين، كان بلير قد أرسل القوات البريطانية إلى القتال أكثر من أي رئيس وزراء بريطاني آخر منذ الحرب العالمية الثانية، بعدما لم يتردّد في خوض صراعات شائكة داخلية وخارجية، حتى وإن كانت قراراته غير شعبية في بعض الأحيان، وذلك طبقاً لتقرير في مجلة «تايم» الأميركية.

ففي عام 1998، شنّت المملكة المتحدة والولايات المتحدة حملة قصف استمرت أربعة أيام ضد نظام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، على خلفية «عمليات تفتيش الأسلحة». وفي عام 1999، شاركت المملكة المتحدة في حملة القصف التي شنّها «حلف شمال الأطلسي» ضد يوغوسلافيا. ثمّ في عام 2000، أرسل بلير القوات البريطانية للتدخل دعماً لحكومة سيراليون في حربها الأهلية، قبل أن ينضم في عام 2001 إلى الغزو الأميركي لأفغانستان عقب هجمات الـ11 من أيلول.

أمّا أكثر ما طبع فترة حكم بلير البالغ من العمر اليوم 72 عاماً، بلا منازع، فهو قراره قيادة المملكة المتحدة إلى الحرب في العراق إلى جانب الولايات المتحدة عام 2003، استناداً إلى ادعاءات كاذبة بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل. ووفق ما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، في تقرير عام 2017 يلخّص إرث بلير، فقد استنفد الأخير «كل ما يملكه من مهارة ليقنع النواب والجمهور الأوسع بضرورة الانضمام إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة».

على أنّه في عام 2009، أطلقت لجنة يقودها الموظف الحكومي جون تشيلكوت تحقيقاً خلص، في عام 2016، إلى أن بلير لم يكن لديه أساس قانوني «مُرضٍ بأي حال» لشن الحرب. وعليه، واجه بلير دعوى خاصة بارتكاب جرائم حرب، قضت المحكمة العليا البريطانية بإسقاطها عام 2017. وطبقاً لمراقبين، شكّلت موافقة بلير على الغزو من دون أي اعتبار لـ«مستقبل حكومة بلاده»، بداية انحداره إلى النقطة التي جعلت استقالته من رئاسة الوزراء عام 2007 حتمية، بعدما أصبح من الواضح أنه لم يعد قادراً على الفوز في انتخابات عامة أخرى.

وفي ما يتعلق بفلسطين تحديداً، وعقب استقالته من منصبه عام 2007 وسط انهيار شعبيته، تولّى بلير منصب مبعوث الشرق الأوسط لـ«اللجنة الرباعية»، كممثّل عن الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. ووفقاً لموقع اللجنة، فإن هدفها المعلن كان دعم «الشعب الفلسطيني لبناء مؤسسات واقتصاد دولة قابلة للحياة وسلمية في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية». وفي الوقت نفسه، أسّس شركته الاستشارية «توني بلير أسوشيتس» التي تمثّلت مهمتها بتقديم استشارات بشأن الإصلاح الاقتصادي والحكومي، كما انضم إلى بنك «جي بي مورغان تشيس» بصفته مستشاراً كبيراً، طبقاً لـ«تايم».

وفي هذا السياق، يشير مراقبون إلى أن بلير أشرف خلال فترة عمله مبعوثاً على التنمية الاقتصادية الفلسطينية، لكنه فشل في وقف عنف المستوطنين الإسرائيليين والاستيطان غير القانوني. كما وُجِّهت إليه انتقادات بسبب فشله في الدفع في اتجاه إقامة دولة فلسطينية، متحدّثين حتى عن «تضارب» في المصالح بين أدواره الدبلوماسية والتجارية.

فعلى سبيل المثال، كتب الصحافي البريطاني، جوناثان كوك، الذي يركّز في أعماله على قضايا العلاقات الفلسطينية–الإسرائيلية، في «مجلة دراسات فلسطين»، عام 2013، أن بلير «ليست لديه إنجازات كثيرة يَعرضها عن سنواته كممثل للجنة الرباعية، لكنه يحب أن يفاخر بإنجاز واحد على وجه الخصوص: نجاحه عام 2009 في الحصول على تردّدات إذاعية من إسرائيل سمحت بإنشاء مشغّل فلسطيني ثانٍ للهاتف الخلوي، وهو «وطنية موبايل»، في الضفة الغربية».

على أنّ الصفقة، بحسب كوك، كانت تصبّ في مصلحة «بنك جي بي مورغان»، الذي كان قد منح قرضاً للشركة الأم لـ«وطنية»، كما أنها جاءت بـ«كلفة سياسية باهظة على الفلسطينيين»؛ إذ وافقت إسرائيل على الإفراج عن بعض التردّدات مقابل أن يتخلى القادة الفلسطينيون عن مسعاهم في الأمم المتحدة لتقديم أدلة على جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة في غزة خلال عملية «الرصاص المصبوب» بين عامي 2008 و2009.

بناءً على ما تقدّم، من غير المُستغرب أن يجادل مراقبون، سواء في الغرب أو في فلسطين، في أن حظوظ خطة ترامب الأخيرة، وعلى الرغم من الترويج الغربي والعربي لها، لن تتعدى كونها «فشلاً» جديداً يُضاف إلى سجلّ بلير في الشرق الأوسط، وأنّ الهدف منها قد يكون «تنفيس» الغضب العالمي من الإبادة الإسرائيلية في غزة، مع السماح، في الوقت عينه، لحكومة بنيامين نتنياهو، باستكمال حربها. وفي هذا الإطار، تشير «وول ستريت جورنال»، في تقرير، إلى أنه وبعد ما يقرب من عامين مُرهقين من الحرب، وافق نتنياهو أخيراً على شروط لإنهاء الصراع تكون مؤاتية لمستقبله السياسي، ما يرجع إلى حد كبير إلى أن «العمل الشاق المتمثل في إقناع (حماس) بالامتثال لخطة ترامب المكوّنة من 20 نقطة لإنهاء القتال في غزة سوف يقع على عاتق جيران إسرائيل العرب، وما داموا غير قادرين على إتمام الاتفاق، فإن نتنياهو في وضع أفضل لدرء المزيد من الإدانة الدولية إذا استمر في القتال»، مضيفة أنّه «لن يتغير الكثير على الأرجح للفلسطينيين على أرض الواقع».

من جهتها، نشرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية تقريراً جاء فيه أن الخطة تربط انسحاب إسرائيل من غزة بوتيرة نزع السلاح وتجريد «حماس» من قدراتها، وهو ما يصبّ في مصلحة إسرائيل، نظراً إلى أن الأراضي التي قد تتخلى عنها الأخيرة قد دُمّرت أصلاً بفعل هجماتها المستمرة، فيما لن يكلفها «الانسحاب البطيء» أي تكلفة تُذكر. وفيما تبقى الخرائط المنشورة «غامضة»، لا يوجد أي التزام بقيام دولة فلسطينية، ما يجعل الطرح بعيداً كل البعد عن مطالب «حماس» في المفاوضات الأخيرة.

كذلك، شدّد نتنياهو وترامب على أنه «إذا لم تجرِ الأمور كما يريدان»، ولم تتمكن الدول العربية من دفع «حماس» إلى القبول بالطرح، فإن الجيش الإسرائيلي سيعود إلى التحرك بـ«دعم كامل من الولايات المتحدة». وحتى في حال تسليم الأسرى خلال 72 ساعة من بدء تنفيذ الاتفاق، فلا شيء «يضمن عدم تراجع إسرائيل عن وعودها»، كما حصل في آذار حين نكثت بالتزامها الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، التي كان يمكن أن تؤدي إلى إنهاء الصراع، طبقاً للمصدر نفسه. ويُضاف إلى ذلك، أنّه فيما تبدو فكرة إعادة مسار التطبيع الإقليمي والبناء على «اتفاقات أبراهام» جذابة، إلا أن أحداث العامين الماضيين أظهرت أنْ لا «وزن» فعلياً لهذه المسألة في حسابات صنّاع القرار الإسرائيليين.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا