أن يرتاح ميقاتي إلى البطريرك... إنها رسالة حمّالة أوجه
قبل بيان الوزراء التسعة مساء الاحد، الرافض انعقاد جلسة لحكومة تصريف الاعمال، والذي انفرط عقده، ولو جزئيا، في اليوم التالي، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يحمل نسخة من عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي التي تلاها في بكركي، قبل ان يحزم البطريرك حقائبه ويسافر في رحلة عمل الى الأردن.
وعندما أثار أحد زوار رئيس الحكومة شكوكا حول احتمال عدم انعقاد الجلسة، رد من خلال قراءة ما ورد في العظة مما له علاقة مباشرة به (أي ميقاتي)، ليخلص الى إبداء ارتياحه وتاليا ثقته بأن الجلسة ستنعقد في اليوم التالي وهكذا كان.
ماذا جاء في العظة كي يبدي ميقاتي ارتياحه؟ قال البطريرك: "إن الإستخفاف في انتخاب رئيس للدولة يضع الحكومة ورئيسها بين سندان حاجات المواطنين ومطرقة نواهي الدستور"، متمنيا على رئيس الحكومة "الذي لطالما نأى بنفسه عن الانقسامات الحادة، أن يصوّب الأمور وهو يتحضر مبدئيا" لعقد جلسة للحكومة.
ما لم يرد في عظة الاحد وكلام ميقاتي أمام زواره هو أهمية الاتصال الذي أجراه الأخير للمرة الأولى بعد عودة البطريرك من رحلته الى روما التي كانت منصة للراعي لإطلاق مواقف من استحقاق الانتخابات الرئاسية، من خلال مقاربة لم يسبقه احد اليها سواء من الناحية الدستورية والقانونية، أو من الناحية الوطنية وموقع الرئاسة الأولى المجسد لواقع الطائفة المارونية المؤسس للكيان.
إختصر رئيس الحكومة موضوع المكالمة في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي. وقد جاء فيه: "... ان رئيس الحكومة اتصل بالبطريرك الماروني للتشاور في الوضع، وشرح له الظروف التي حتمت الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء...ان دولة رئيس الحكومة يأخذ في الاعتبار هواجس البطريرك وموقفه وسيسعى بالتأكيد الى ان تبقى الحكومة بعيدة عن تأثيرات من هنا وهناك لتحافظ على استقلاليتها كسلطة تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال".
أما خارج بيان المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة وعظة بكركي الاحد الفائت، فهو موقع رئاسة الحكومة بشخص ميقاتي الذي يحظى بتغطية الآن في الشرق والغرب على السواء. فها هو يستعد للسفر الى القمة العربية - الصينية بدعوة من الرياض، وهي اول مناسبة رسمية يزور رئيس الحكومة المملكة. كما ان ميقاتي هو على خط مباشر مع الثلاثي الكاثوليكي الأهم في العالم والذي يضم البابا فرنسيس والرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. في المقابل، يبدو الخصم المباشر لميقاتي، أي "التيار الوطني الحر" مؤسساً (الرئيس ميشال عون) ورئيساً (النائب جبران باسيل) معزولا عن هذه المشروعية الكاثوليكية العالمية. فهو من ناحية الفاتيكان، لم يعره اهتماما كما بدا في إلغاء زيارة البابا ل#لبنان بعدما صرّح الرئيس عون عندما كان في قصر بعبدا بأنها ستتم. ومن ناحية الإدارة الأميركية، فتؤكد المرة تلو المرة ان العقوبات الصادرة بحق باسيل باقية بقرار قضائي ولا تزول إلا بقرار مماثل وهو ما يبدو بعيد المنال. أما علاقة الرئيس ماكرون بالرئيس السابق عون فلم تكن في يوم من الأيام في وضع سويّ، لا بل على العكس، كان قصر الاليزيه يوجه الانتقادات بلا هوادة الى قصر بعبدا على التقصير الفادح في تحمّل المسؤوليات وبخاصة بعد انفجار مرفأ بيروت الهائل في 4 آب 2020.
من هنا، تتحدث أوساط قريبة من رئيس الحكومة انه لم ولن يخلّ ابدا في علاقاته مع الصرح البطريركي إنطلاقا من الموقع الوطني الذي تمثله بكركي. وهي تعلم ان انعقاد جلسة للحكومة في ظل الاشتباك السياسي الذي يخوضه التيار العوني منذ شهور ضد ميقاتي شخصيا، لا يمكن التعامل معه بما يؤدي الى عدم أخذ الهواجس المارونية في الاعتبار بعيدا من التوظيف السياسي كما فعل"التيار"، ولا يزال.
ماذا عن "القوات اللبنانية" التي تماهت مع "التيار الوطني الحر" في رفض انعقاد جلسة الحكومة امس؟
بحسب الأوساط نفسها، فإن هناك فارقا بين التيارين المسيحيين لا يمكن إغفاله. ثم ان "القوات" التي تطرح موضوع انعقاد جلسات الحكومة، هي غير مشاركة في الحكومة أصلا، ما يعني ان طرح ميثاقية انعقاد حكومة تصريف للاعمال يكتسب طابعا مبدئيا، وليس كما هو حال "التيار" الذي كان ولا يزال يفتش عن حصته، ولن يبقى موقفه الراهن على حاله في حال نيل الحصة التي يسعى اليها.
في المقابل، لا يمكن القفز فوق الاعتبارات المتصلة بحسابات الثنائي الشيعي عموما و"حزب الله" خصوصا. والأخير يهمه ان تبقى الأمور تحت سقف عدم إفلات ورقة الانتخابات الرئاسية التي أمسك بها على نحو لم يسبق له مثيل عندما أوصل الجنرال ميشال عون الى قصر بعبدا عام 2016.
لكن تبقى هناك قضية جوهرية لا يمكن تغييبها في غمرة الجدل حول مشروعية انعقاد الحكومة، ألا وهي واقع اللبنانيين المزري معيشيا وماليا واقتصاديا. وسواء أتى الالتفات الى هذا الواقع عبر مراسيم جوالة أو عبر جلسات طارئة للحكومة فإن هذا هو المطلوب ريثما يجري إطلاق سراح إرادة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وفي تقييم مراقبين من ذوي الخلفية الاقتصادية ان أحوال الكثرة الساحقة من اللبنانيين تشبه "قنابل موقوتة" لا أحد يعلم متى تنفجر في وجه مَن يعتبرون أنفسهم ذوي قدرة على الإمساك بأوضاع لبنان.
مَن لديه صورة شاملة، يستطيع فهم موقف البطريرك من جلسة الحكومة وما تضمنته من رسالة متعددة الوجه في الداخل والخارج على السواء.
"النهار"- أحمد عياش
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|