الصحافة

إعادة تدوير رمزية حسن نصرالله بين النبوّة والإمامة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أعاد «حزب اللّه» تأطير هويته المذهبية – السياسية، عبر صياغة سردية تمزج الموروث الشيعي بعناصر مقدسة فوق بشرية، للحفاظ على تماسك «مجتمع المقاومة»، و «أمة حزب اللّه» المتصلة بـ «الولي الفقيه». واستفاد من تشبّث الشعوب والجماعات الكلاسيكي بالملاحم والأساطير حينما تعصف المحن، ولا سيّما التي تتمتع بطابع ديني أخروي، لأنها تجد فيها الوتد الهوياتي الجامع، والقادر على حماية الجماعة من التفسّخ.

وظف «الحزب» الهالة الأسطورية لأمينه العام، السيد حسن نصراللّه، معيدًا تدوير رمزيته لإسباغ هالات من القداسة المتدرّجة. فجاوَزَ به 9 أئمة، ليجاور الحسين، إنما بصفات نبوية تجعله في منزلة بين المنزلتين: النبوّة والإمامة. إذّاك يصبح أقرب إلى «الخَضِرْ»، المذكور في القرآن الكريم، والمختلف عليه من قبل العلماء والمؤرخين، بين قلّة تقول إنه نبي، وأكثرية تقول إنه من الأولياء.

وبينهما فضاء شاسع عامر بحكايات وردت في بعض كتب التراث الإسلامي. ومن المعروف أن «الخَضِرْ» يحظى بالتبجيل من قبل المدرسة الصوفية كما الشيعة، ما خلق مساحة مشتركة قيل عنها الكثير. وينسب «دعاء الكميل» الذي يُؤنس به المهدي المنتظر إلى «الخَضِرْ» نفسه. كما تنسب له كرامات هي المقصودة بالضبط، مع رمزية أضرحة «آل البيت». وإلى جانبه أولياء آخرون بهالات أقل من القدسية، حيث جرى لي عنق اللغة لجعل هاشم صفي الدين وليًا «هاشميًا»، ومن بعده نبيل قاووق، وآخرون على الطريق.

واختير مصطلح بالغ الدلالة الدينية في إحياء توقيت اغتياله وهو «العُروج»، أي العلوّ والارتقاء، والمرتبط في العقل الجمعي الإسلامي بـ «معراج» النبي إلى السماء. و»العُروج» حسب الصوفيين هو مقام خاص للمجاهدين لا يمكن أن يكون لكل مسلم، بل لمن اصطفاهم الله ليترقوا في درجات المعرفة الروحية. وفي كتابه «الفتوحات المكية»، يعرّف أحد أعلام الصوفية، ابن عربي، المعراج الحق بـ «عروج الأرواح إلى موطنها الأول، حيث لا أين ولا كيف، إنما هي أنوار تتلقى الفيض من الحضرة القدسية».

في لحظة وجودية فُقدت فيها الرموز وهالاتها، ويصعب إنتاج نماذج جديدة في وقت قصير، أعاد «الحزب» تدوير التمذهب السياسي حول شخصية «المقدّس» حسن نصراللّه، فحوّل قبره بشكل مدروس إلى مزار تحجّ إليه الجموع وتستمدّ منه الصبر والقوة. ولذلك ابتيعت له أرض في الطريق بين «مطار رفيق الحريري» والعاصمة، لتكون عنوانًا لتشبّث الشيعة بمقامهم هذا، وكذلك عنوانًا لاستمرارية هيمنة هذه الهوية المخصوصة على الفضاء العام.

وتستحضر روحه، وأحيانًا شخصه، من قبل الجماعة، كما حدث ويحدث منذ اغتياله حتى اليوم، على وقع تأثير الدعاية التي يبثها «الحزب»، وربما يدخل ليقاتل مع جموع المؤمنين حينما تحدث معركة. ليس في ذلك مبالغة أو ازدراء، بل هو توصيف لحالة موجودة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنزعة «الكربلائية» الطاغية في خطاب «الحزب»، والذي يستلهم روحية الطليعة الشيعية الاستشهادية، السابقة لتفرّقهم إلى «إثنا عشرية» و «إسماعيلية» وغيرها، المقصود بها «ثورة التوابين»، وهي حركة ثارت على الحكم الأموي خلال اضطرابه بعد وفاة يزيد وابنه معاوية، بزعامة سليمان بن صرْد الخزاعي، يقال إنها أول من رفعت شعار «يا لثارات الحسين».

وسمّيت بـ «التوابين» لأنها قامت على الشعور بالندم من خذلان الحسين. فجمعت بضعة ألوف بكوا حول قبر الحسين يومًا وليلة، وعزموا المضي في دروب الشهادة «لأنها وحدها الكفيلة بالتكفير عن خذلانهم الحسين». والتحموا مع الجيش المرسل إليهم في قتال معروف النتيجة بالنظر إلى الفوارق الهائلة.

نسخ «حزب اللّه» خطاب ثورة «التوابين» وهدفها القتال حتى الشهادة في سرديّته، جاعلًا من «أمّته»، بمختلف تلاوينها، مثقفين وسياسيين ومؤثّرين وعوامًا، قنبلة موقوتة، تستمدّ من نصر الله «قبس» نور مقدس، معززًا تماسكها الأيديولوجي وارتصافها خلفه. الأمر الذي يصعّب مهمة الدولة في التعامل معها واحتوائها، ويفسّر السلوكيات غير العقلانية، ويزيد من احتمالية حصول صدام معها في ظل صدقية الخيارات الانتحارية التي تزنر نفسها بها. وهذا ما استشرفه الشهيد لقمان سليم قبل سنوات.

ورغم معرفته مآل «ثورة التوابين»، وثورات لحقتها تدثر بعضها برداء عدد من الأئمة و «آل البيت»، إلّا أن «الحزب» يصرّ على المضي في طريق نهاية معلومة، ورفض أي تفاهمات تنقذ ما تبقى. ما كان مطروحًا بالأمس لم يعد كذلك، وما هو معروض اليوم لن يكون متاحًا في الغد، لكن أحدًا لا يتعلّم من دروس التاريخ.

سامر زريق-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا