الصحافة

حزب الله بعد عماد مغنية: تعافى أم فاقدٌ للبوصلة الأمنية؟!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كشفت الحرب الأخيرة عن اختراقٍ واسعٍ داخل صفوف حزب الله، أدّى إلى استهداف عددٍ كبير من قادته الميدانيين والأمنيين. ومنذ ذلك الحين، يواصل الحزب تحقيقاته الداخلية الموسّعة في محاولةٍ لتحديد مصدر الخلل الأمني الذي أصابه في العمق.
الحزب الذي أحاط عمله لعقودٍ بسريّةٍ صارمة وانضباطٍ عسكري، بدا في الأشهر الماضية أكثر انكشافاً من ذي قبل. فالتفاصيل التنظيمية التي كانت تُحجب حتى عن بعض كوادره، باتت تتسرّب إلى العلن، ويجري تداولها على نطاقٍ واسعٍ داخل بيئته وخارجها.
هذا الانكشاف لا يُختصر بضعفٍ أمنيّ ظرفي، بل يعكس فقداناً لمنهجٍ كاملٍ كان يحكم الحزب. إذ يرى كثيرون أن غياب عماد مغنية ترك فراغاً لم يُملأ حتى اليوم. فالرجل الذي كان يُلقَّب "العمود الفقري" للمنظومة الأمنية، لم يكن مجرّد قائدٍ ميداني، بل صمّام أمانٍ فكري وتنظيمي. بغيابه، فقد الحزب الشخص الذي كان يضبط الإيقاع ويمنع الفوضى داخل بنيته الداخلية.
لم يكن عماد مغنية قائداً عادياً في حزب الله. كان العقل الأمني الأكثر تركيباً وتعقيداً في تاريخه، الرجل الذي عاش في الظل أكثر مما ظهر، يخطط بصمتٍ ويفكر بعقلية من يعرف أن الخطأ، ولو لمرة واحدة، قد يساوي النهاية. بالنسبة إليه، لم يكن الأمن لحماية الأشخاص بقدر ما هو لحماية الفكرة. كان يؤمن بأن الثقة تُبنى على الشك، لا العكس. لذلك كان يرسل عنصراً لمراقبة نقطة محددة، ثم آخر لمراقبة الأول، وثالثاً ليراقبهما معاً. تلك كانت فلسفة مغنية: أن الأمان الحقيقي لا يصنعه الولاء، بل يقظة العيون التي لا تنام.

هندسة الخطر قبل وقوعه
عام 2002، حين قرر مغنية إدخال أجهزة "البيجر" إلى لبنان، لم يتعامل معها كوسيلة اتصال فحسب، بل كخطر محتمل. لم يطلبها دفعة واحدة، بل جمعها قطعةً بعد قطعة من بلدان مختلفة، وأخضعها لاختبارات ورقابة أمنية استمرت نحو عام كامل قبل أن يسمح باستخدامها. كان يريد أن يتأكد أنها غير مخترقة، وأن لا إشارة إسرائيلية يمكن أن تتسلل عبرها. وهذا ما أكده النائب إيهاب حمادة في إحدى مقابلاته، مشيراً إلى تلك الصرامة التي طبعت مدرسة مغنية.

عام 2006، كان يُقال إن مغنية هو من يتولّى أمن نصرالله شخصيًا، وأنه بنى حوله شبكة معقّدة تتبدّل باستمرار. وقد روى قاسم سليماني، في إحدى مقابلاته عن حرب تموز، أنه اجتمع مع نصرالله ومغنية، وحين بدأت الطائرات الإسرائيلية تحلّق فوقهم، طلب مغنية منهم الجلوس تحت شجرة، ثم ذهب وأحضر سيارة نقلتهم من النقطة بأمان.

وحدات الأمن والعسكر في حزب الله كانت تصنف على أنها امتداد لعقل مغنية. فقد قال مسؤول وحدة الاستخبارات والأمن الحاج مرتضى، في إحدى شهاداته، أن "الحاج رضوان (وهو لقب مغنية) هو مؤسس هذه الوحدة ومرشدها". هذا التصريح يؤكد أن عماد مغنية لم يكن مجرد قائد ميداني أو إداري، بل كان العمود الفقري الأمني والفكري للحزب.

"عشرات آلاف المقاتلين"... بلا عقل أمني؟

عام 2008، بعد اغتيال مغنية في سوريا، قال السيد نصر الله جملته الشهيرة: "لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات آلاف من المقاتلين المدربين المجهزين، الحاضرين للشهادة". كانت العبارة وعداً بالاستمرارية، وإشارة إلى أن المؤسسة العسكرية والأمنية للحزب قادرة على تعويض والمواصلة وحماية نفسها حتى مع استشهاد الحاج رضوان.

ومنذ حرب تموز 2006، لم يتعرض الحزب لاختبار أمني كبير مع إسرائيل، حتى العام 2024، الذي بدا فيه مكشوفاً أمنياً كما لم يحدث من قبل. لم تكن المشكلة في ضعف الإمكانات، بل في غياب المنهج نفسه: ذلك النظام الذي كان يعتبر التفاصيل الصغيرة أساس البقاء، والشكّ فضيلة لا خطيئة.

أما اليوم، فالأجهزة نفسها دخلت إلى الحزب بالآلاف بطريقة وُصفت بالمستهترة، لتتحول لاحقاً إلى بابٍ واسعٍ للاختراق الأمني، ساهم في سلسلة اغتيالات متتالية، طالت الصف الأول والثاني وبعض من الصف الثالث.

إذ إن ما تكشفه الوقائع بعد سبعة عشر عاماً، وخصوصاً خلال عدوان أيلول، يوحي بالعكس: من بين أولئك عشرات آلاف المقاتلين، لا أحد يشبه مغنية، ولا أحد ورث منطقه الأمني.

تعافينا ونحن جاهزون؟

في ذكرى استشهاد الأمينيين، خرج الشيخ نعيم قاسم ليعلن أن المقاومة وصلت إلى مرحلة "التعافي الجهادي"، مؤكداً أن الحزب "يتقدّم ويُرمّم وحاضر في أي دفاع لمواجهة العدو الإسرائيلي". لكن خطابه لم يكن تقريراً تنظيمياً بقدر ما بدا رسالة تطمين لجمهورٍ أنهكته الحرب والخسائر. فالحديث عن "الإنجازات" منذ توليه منصب الأمين العام لا يتصل حصراً بإعادة بناء البنية التنظيمية أو المالية، بل بمحاولة لإقناع القاعدة بأن الحزب تجاوز مرحلة الانكسارات، سواء كانت بشرية أم بنيوية.

غير أن خلف هذا الخطاب الواثق، يطلّ سؤالٌ جوهري: هل تعافى حزب الله فعلاً بعد كل ما أصابه؟
قد يكون الجواب "نعم" على الهواء، لكن الواقع يروي شيئاً آخر. فالوعد الذي أطلقه السيد حسن نصرالله بعد اغتيال عماد مغنية لم تثبته تجربة العام 2024، يوم بدا الحزب مكشوفاً أمنياً كما لم يحدث من قبل. واليوم، يعيد الشيخ نعيم قاسم تكرار الخطاب نفسه، لكن بلغةٍ مختلفة.. وفي الختام، إذا كانت خسارة رجلٍ واحد مثل عماد مغنية قد أربكت مؤسسةً بأكملها، فكيف يمكن لحزب الله أن يتعافى وقد خسر معظم قيادته؟

نغم ربيع - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا