جعجع يحبط أي خرق انتخابي في البيئة الشيعية
تاريخ لبنان السياسي المعاصر حافل بالفرص الضائعة التي تحوّلت، بفعل سوء الإدارة الداخلية والتوجيه الخاطئ من بعض الرعاة الإقليميين، إلى أزمات متلاحقة أنهكت الدولة وأفقرت الشعب. واليوم، يقف لبنان أمام فرصة تاريخية نادرة لإعادة رسم مساره السياسي على أسس وطنية جامعة، لكن المؤشرات توحي بأن البوصلة قد تنحرف مجددًا نحو خيارات أثبتت التجربة مرارًا خطورتها.
إن محاولة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تسلّم قيادة المواجهة الانتخابية، وإن بدت للبعض خيارًا عمليًا أو مغريًا، إلا أنها في جوهرها استعادة لنهج جُرِّب منذ العام 2005 ولم ينتج سوى مزيد من الانقسام والأزمات. الرهان على طرف حزبي أو طائفي واحد بوصفه “مايسترو” المرحلة، ليس سوى إعادة إنتاج لخطأ استراتيجي كلّف لبنان سنوات طويلة من التوتر، وترك انعكاسات اقتصادية ومالية لا يزال البلد يرزح تحت وطأتها حتى اليوم.
لقد خاض فريق 14 آذار انتخابات 2005 و2009 بشعار مواجهة سلاح حزب الله، فكانت النتيجة تعزيز موقع الثنائي الشيعي وشدّ الصفوف خلفه. التجربة نفسها تكررت عام 2011 مع سقوط حكومة سعد الحريري إثر انسحاب وزراء الثامن من آذار. في كل مرة جرى التعامل مع حزب الله بوصفه خصمًا مذهبيًا أو حزبيًا، لا من موقع وطني جامع، كانت النتيجة تقويته لا إضعافه. فهل المطلوب اليوم تكرار السيناريو ذاته بأدوات جديدة؟
إن تسليم جعجع مفاتيح المعركة الانتخابية يعني عمليًا إعادة شدّ العصب الشيعي خلف الثنائي، حزب الله وحركة أمل، وتعزيز شرعيتهما داخل بيئتهما، ما يجعل أي محاولة للخرق شبه مستحيلة. وفي المقابل، يفتح هذا النهج جرحًا في الشارع السني الذي خبر تجربة ما بعد 2005، حين تراجع من موقع الشريك الأساسي في القرار الوطني إلى موقع وقود صراع بين المحاور. أي إعادة لهذه المعادلة ستفضي إلى مزيد من التهميش ونفور أوسع من خطاب المواجهة الطائفية.
الأخطر أن محاولة جعجع التفرّد بقيادة المواجهة تمنح حزب الله خصمًا مثاليًا. إذ يسهل عليه إقناع جمهوره بأن المعركة تستهدف وجوده وكرامته، فيعيد شدّ الصفوف من جديد. بكلمات أخرى: جعجع لا يُضعف حزب الله بل يعيد إليه مبرر الصمود، وحزب الله لا يضعف جعجع بل يمنحه موقع الخصم الضروري في لعبة الاستقطاب. أما لبنان، فيبقى الخاسر الأكبر.
من هنا، فإن المسؤولية تقع أيضًا على الرعاة الإقليميين الذين يواكبون الاستحقاق الانتخابي. المطلوب منهم تصحيح البوصلة قبل فوات الأوان، لأن تكرار تجربة توكيل طرف واحد بإدارة المواجهة لن يؤدي سوى إلى تعميق الانقسام وتجديد الأزمات، مع ما يحمله ذلك من انعكاسات اقتصادية واجتماعية كارثية. إن أي مقاربة ضيقة لا تعني سوى إعادة لبنان إلى الوراء، فيما البلد أحوج ما يكون إلى رؤية وطنية شاملة.
إن لبنان اليوم على مفترق طرق تاريخي. المتغيرات الإقليمية بعد 7 تشرين الأول تتيح فرصة لإعادة التموضع وبناء مشروع الدولة. وهذه الفرصة لا يجوز أن تُهدَر بإعادة ارتكاب الأخطاء ذاتها. وحدها جبهة وطنية جامعة، عابرة للطوائف، تقوم على الشراكة والتلاقي لا على الإقصاء والعزل، قادرة على إحداث اختراق يعيد التوازن ويضع البلاد على سكة التعافي.
أما إذا استمر الرهان على إدارة الانتخابات كمعركة طائفية ضيقة، فسنكون أمام وصفة مؤكدة لتجديد الانهيار وإضاعة آخر الفرص التاريخية المتاحة للبنان.
ليبانون ديبايت– وليد خوري
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|