مريم البسام : أي رسالة يوجّهها العدو الإسرائيلي إلى لبنان عبر أوتوستراد رئيس المجلس؟"
كيف آلت القيادة إلى الشيخ نعيم قاسم؟
في هيكلية تنظيم "حزب الله" كان من الطبيعي أن تؤول القيادة حكمًا بعد تأكيد خبر اغتيال الأمين العام السيد حسن نصرالله إلى نائبه منذ 32 عامًا الشيخ نعيم قاسم. ولكن كان من شبه المسلّم به أنّ السيد هاشم صفي الدين يأتي في المرتبة الثانية بعد نصرالله، وفي المرتبة الثالثة الشيخ نبيل قاووق. بدا وكأنّ وظيفة الشيخ نعيم بعد تأكيد نبأ مصرع نصرالله تأمين انتقال السلطة إلى صفي الدين في ظل ظروف صعبة وقاسية بحيث بدا معها وكأنّها مهمة انتحارية لمن يتولّاها. ولكن انقلاب المقاييس وتوالي عمليات الاغتيال أعاد كرة النار إلى الشيخ نعيم وكأنّه بات أمام قدرٍ لا رادَّ له.
في 2 أيلول 2025 كشف "حزب الله"، بعد قرابة عام على اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله في 27 أيلول 2024، عن هوية اثنين من مرافقيه هما محمد خليل خريس، ممرضه الشخصي، وحسن سلمان طبيبه، قد قضيا برفقته في التاريخ نفسه. من غريب العلاقات الخاصة في داخل "الحزب" أن يكون الطبيب والممرض في حضرة السيد حسن بينما يجهل مكانه معظم أركان القيادة حتى نائبه والأمين العام المفترض أن يحلّ محلّه الشيخ نعيم والسيد هاشم.
كان من المفترض أيضا أن يكون السيد هاشم في مأمن بعد اغتيال السيد حسن. الألغاز التي أحاطت بقضية بقاء السيد حسن في مقرّ قيادته، في حارة حريك، استمرّت مع ألغاز وجود السيد هاشم في مقرّ غرفة العمليات الخاصة العسكرية والأمنية. طالما أنّ إسرائيل استطاعت اختراق "الحزب" إلى هذه الدرجة واغتالت أمينه العام بعد اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، وتفجير أجهزة البيجر، ثم أجهزة الاتصال، واغتيال قادة فرقة الرضوان مع القائد ابراهيم عقيل في مقرهم وفي اجتماع كان يفترض أن يكون سرّيًا، فلماذا لم يوضع السيد هاشم خارج الضاحية؟ ولماذا ذهب إلى قدره بهذه الطريقة؟
اغتيال الشيخ قاووق
من خلال العمليات الإسرائيلية ظهر وكأنّ إسرائيل تتتبّع قيادة "حزب الله" من أجل تدميرها بالتزامن مع تدمير قدراته العسكرية. اغتيال القادة من تحت إلى فوق كان الهدف منه منع حصول ردّ كبير على اغتيال نصرالله. هذا الاغتيال كان مؤشرًا على أنّ "الحزب" فقد قدرته على تحقيق توازن الرعب الذي كان يحكي عنه دائمًا. وبالتالي صار هدف الاغتيالات في مرحلة ما بعد نصرالله منع "الحزب" من النهوض وشلّ قدراته وتحطيم قيادته ومعنوياته.
في 28 أيلول بعد يوم واحد على اغتيال نصرالله تمكّنت إسرائيل من اغتيال الشيخ نبيل قاووق قائد وحدة الأمن الوقائي، في إحدى الشقق التي كان اختبأ فيها في منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية. لم تكن مسألة تحديد الأماكن والأهداف متعلّقة فقط بوجود المستهدفين في مقرات القيادة. اغتيال قاووق وغيره من القادة في شقق سكنية، أو على الطرقات، أظهر أن لائحة الأهداف الإسرائيلية واسعة وتعتمد على اختراقات تقنية وبشرية لم يتمكن "الحزب" من كشفها. ولذلك كانت العمليات مستمرّة من دون رادع. اغتيال قاووق كان بمثابة اغتيال خليفة الخليفة، قبل اغتيال الخليفة، كما أعلن لاحقًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
مثل قاووق كان الشيخ نعيم والسيد هاشم في شقق سكنية من ضمن الاحتياطات الأمنية المتّخذة. ولذلك لم يكونا على علم بمكان وجود نصرالله معتبِرَين أنّه لا يمكن أن يكون في مقر القيادة وأنّه انتقل إلى مكان آمن، خصوصًا أنّهم تجنّبوا التواصل مباشرة عبر الهواتف أو الشبكة الداخلية لـ "الحزب"، وكان يتمّ التواصل أكثر الأوقات عبر المراسلات المكتوبة والمنقولة باليد. ولكن ما رافق بقاء نصرالله في مقرّ قيادته وسكنه الذي لازمه على مدى أشهر، رافق أيضًا سبب انتقال السيد هاشم إلى مقرّ القيادة والعمليات حيث تمّ استهدافه بعد أسبوع على اغتيال نصرالله وثلاثة أيام على "انتخابه"، كما قيل، أمينًا عامًا لـ "الحزب"، على رغم تعذّر عقد اجتماع لأي مستوى من مستويات القيادة في المجلسين الجهادي والشرعي.
اغتيال صفي الدين
في معلومات نقلها مقرّب من "الحزب" أن صفي الدين كان تنقّل في أكثر من مقرّ، وأنّه ربّما خرج من الضاحية. ولكن بعد اغتيال نصرالله وعلي كركي، بعد فؤاد شكر وابراهيم عقيل، كان عليه أن يكون في مقرّ العمليات. كان عليه أن يفاضِل بين أمنه الشخصي واستمرار الانهيار التنظيمي والعسكري، وبين أن يكون في المكان الذي يجب أن يكون فيه في مقرّ العمليات. فاختار أن يكون. يُقال إنّ قائدًا عسكريًا في "الحزب" أقنعه بالانتقال إلى غرفة العمليات حيث توجد وسائل اتصال مع المسؤولين عن الجبهات ومنصّات إطلاق الصواريخ وتوجد شاشات عليها إحداثيات داخل إسرائيل، ولأنّ المطلوب أن يكون على تواصل مباشر مع من هم على الأرض لرفع المعنويات، ولأنّ ظروف المعركة لا يمكن أن تنتظر انتقال المراسلات الخطية عبر اليد بواسطة موفدين موثوق بهم.
حاول بعض من كانوا على علم بهذه المعطيات اتهام القيادي بأنّه عميل إسرائيلي، استدرج السيد هاشم إلى كمين أُعِدّ له، ولكنّ الردّ على هذه التلميحات كانت أنّ هذا القيادي كان موجودًا إلى جانب السيد هاشم واغتيل معه.
في تحليله لمسألتي اغتيال السيدين نصرالله وصفي الدين اعتبر النائب السابق في "حزب الله" نوّاف الموسوي، في حديث تلفزيوني في 3 آذار 2025، أنّه لم يكن على نصرالله أن يبقى في مقرّ قيادته، وأنّه كان على المسؤولين عن أمنه أن يقرّروا عنه لأنّهم أدرى بالخطر الذي يتهدّده وبالتدابير الاحترازية التي يجب اتخاذها. هذه القاعدة التي طُبِّقَت مع السيد صفي الدين لا تنطبق مع نظرية الموسوي الذي اعتبر ايضًا أنّ وجود صفي الدين في مقرّ القيادة الثاني كان خطأ وأنّه دليل على وجود تقصير أمني مكّن إسرائيل من التفوق وكأنّه يحمِّل المسؤولين عن الأمن المسؤولية في اغتيال نصرالله وصفي الدين.
الشيخ نعيم يستأذن السيد هاشم
باغتيال صفي الدين أعاد القدر الأمانة العامة إلى الشيخ نعيم قاسم. لم يكن الشيخ متمسّكًا بتولّي القيادة بعد اغتيال نصرالله. كان من المسلِّمين بأنّ الأمانة يجب أن تؤول إلى السيد هاشم. ولذلك بعد التأكّد من اغتيال نصرالله بادر إلى الاتصال بالسيد صفي الدين ليسأله "شو بدّك نعمل؟ شو لازم نعمل؟ لأنّه لا يمكن أن نبقى ساكتين ويجب أن نخاطب الناس". وتمّ الاتفاق على أن يطلّ الشيخ نعيم في 30 أيلول كونه نائب الأمين العام ولم يتمّ اختيار أمين عام بعد، مع أن لا سوابق في تأخير الاختيار. ولكنّ ظروف الحرب ومفاجأة اغتيال نصرالله، استدعتا هذا التأخير.
في مقابلة في 8 تموز 2025 على قناة "الميادين" قال قاسم: "الإطلالة الأولى كانت في 30 أيلول، يعني بعد ثلاثة أيام من استشهاد سماحة السيد، لأنّني كنتُ نائب أمين عام ولأنّ نائب الأمين العام يحلّ محلّ الأمين العام إلى حين اختيار أمين عام جديد، فكان لا بدّ أن أخرج أنا أتكلّم لأنّه كنّا في الفترة لم نستقرّ بعد على نتيجة.
الإطلالة الأولى كانت بمبادرة منّي بتنسيق أنا وسماحة السيد هاشم قدّس الله روحه، يعني أنا تحدّثت معه قلت له أنا أفكر أنّه يجب أن أخرج لنتحدّث مع الناس لأن الناس وضعها جدًّا صعب، لا نستطيع ألّا نتكلّم، قال لي أنا أؤيّد، صحيح يجب أن تخرج وتتحدّث، وبالتالي هذه المشورة التي كانت موجودة، وكان هناك صعوبة بعض الشيء مع الإخوان الباقين لأنه كان جوّنا صعبًا جدًّا".
قوم بدّنا نصوِّر
القصة رواها أيضًا الشيخ نعيم. قال: "أنا كنت قد وضعوني الإخوان في شقة مؤلّفة من ثلاث غرف على أساس أن أبقى محميًّا في الفترة التي كان سماحة السيد قدّس الله روحه، هو الإدارة عنده، أنا عندي الإدارة السياسية، يعني ما يطلبه منّي هو أنا أقوم به. لكن مع الشهادة صرتُ أنا معنيًّا بأن أتحدّث. فاتفقنا نحن والحاج محمد عفيف... أرسلنا له خبر أن يرسل لنا واحدًا متخصّصًا، أن يكون هو فقط مَن يعلم، ينقله الإخوة من الحماية ويُحضرونه إلى مكان، الإخوان قالوا لي نأخذك إلى مكان آخَر حتى تصوّر، قلت لهم حسنًا، متى؟ قالوا غدًا صباحًا إن شاء الله.
وإذ، أنا نمت، عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل يدقّ عليّ الباب أحد الإخوان الذين كانوا معي، قلت في نفسي ربّما حصل أمر ما، قلت له خير؟ قال لي نريد تصوير المقابلة، قلت أي مقابلة؟ أي لقاء؟ قال لي الكلمة التي كنّا سنصوّرها غدًا علينا أن نصورها الآن، قلت الآن والساعة الواحدة بعد منتصف الليل وأنا نائم! على الأقل حتى أغسل وجهي وأرتاح بعض الشيء أحتاج لربع ساعة أو ثلث ساعة، قال لا مشكلة المصوّر أصبح هنا، قلت أيضًا أصبح هنا؟ قال نعم. خلاص أنا فهمت أنه يجب أن نتكلم.
هناك أمر جيد كنت قد قمت به أنني حضّرت قبل ليلة على أساس في اليوم التالي وليس في ذلك الوقت، فقلنا له حسنًا، أين ستسجلون؟ قال في الغرفة الثانية. هناك غرفة كان فيها تخت غير مفروض، وهي غرفة صغيرة، قال نصوّر هنا لأنه لا يوجد مكان آخَر، قلت له كيف ذلك فلا تتسع الغرفة، قال لا عليك المصوّر خبير في هذا الموضوع".
على هذه الصورة المهتزّة تسلّم الشيخ نعيم القيادة بينما يظهر من خلال روايته أنّ هناك من يقرّر في "الحزب" وهو كان يخضع لهذا القرار. لاحقًا، في 5 آب 2025، كشف الشيخ نعيم أنّ الجنرال الإيراني محمد أيزدي كان وصل إلى لبنان بعد يومين من اغتيال السيد نصرالله. قاسم كان يتحدث في ذكرى مرور أربعين يومًا على اغتيال إسرائيل لأيزدي في مدينة قم في إيران في 21 حزيران 2025. هل تولّى الجنرال الإيراني قيادة "الحزب"؟
نجم الهاشم -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|