الصحافة

ما بعد لقاء موسكو: هذا ما ينتظره الشرع

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يكد ينتهي اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي، فلاديمر بوتين، بالرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الذي زار موسكو لأول مرة منذ صعوده إلى سدة الحكم، حتى انفجر سيل شائعات وبيانات غزت مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، وذلك في سياق الصراع الجاري في سوريا حول شكل السلطة ودور الأقليات فيها، وبالنظر إلى الدور الروسي المأمول في هذا السياق.

وبينما تداول ناشطون ووسائل إعلام تدعم السلطات الانتقالية تحليلات تتحدث عن حصول الشرع على «تعهّد» من بوتين بـ«عدم تسليح الفلول»، إضافة إلى «المساعدة في القبض عليهم»، تناقل ناشطون مناوئون للشرع تحليلات مضادة تتحدث عن تعهّد الأخير بـ«دعم حضور الأقليات»، والعمل على «إقامة نظام حكم لا مركزي يسمح بإقامة فيدرالية في غرب البلاد»، إلى جانب العمل على «إعادة تشكيل الجيش السوري ودمج ضباط وعناصر الجيش السابق». وتأتي هذه التكهنات وسط محاولات من بعض الشخصيات التي كانت نافذة سابقاً في سوريا لإعادة تعويم نفسها، ونسب ما يجري أو سيجري إلى دور ما قامت به.

وبعيداً من حرب الشائعات القائمة، ترسم زيارة الشرع إلى موسكو مساراً جديداً للأحداث في سوريا، يتطلّب اتضاحه مزيداً من الوقت، خصوصاً أن الزيارة تمّت برغم تأجيل موعد القمة الروسية – العربية التي كانت مقررة في موسكو. ويعكس هذا الأمر رغبةً جامحةً لدى الشرع في إنجاز ذلك اللقاء، الذي تخلّله اعتراف صريح من قبله بجميع الاتفاقات التي كانت موقعة سابقاً، إلى جانب طلبه استمرار موسكو في دعم سوريا بالنفط والغذاء، والسلاح.

وجاءت هذه الزيارة في ظل تعقيدات مستمرّة في المشهد السوري، الذي تشابكت فيه القوى الداخلية والخارجية في ملفات عدة، سواء في الجنوب حيث أقيمت فيدرالية درزية بدعم إسرائيلي، أو في الشمال الشرقي الذي يحتضن «الإدارة الذاتية» الكردية، أو في الساحل ووسط سوريا حيث تعاني الأقليات من التهميش، ومن الهجمات المستمرة التي ينفذها «مجهولون» يقومون يومياً بقتل أبناء الطائفة العلوية على وجه الخصوص، أو حتى في أقصى الشمال الذي تمدّدت فيه تركيا عسكرياً وباتت تملك قاعدة كويرس الجوية.

وإذ ترتبط حرب الشائعات والسرديات القائمة حالياً، بمحاولة أطرافها تسويق لقاء الشرع - بوتين على أنه إنجاز لها، فهي تكشف فعلياً عن الانقسام العميق الذي يعانيه المجتمع السوري. كما تؤكد أن الحال في سوريا لم يتغيّر كثيراً؛ إذ لا يزال مصير هذا البلد مرتبطاً بإرادة قوى خارجية، لا سيما في ظل السيطرة الكبيرة التي باتت تتمتع بها الولايات المتحدة في الملف السوري من جهة، وحالة الضعف غير المسبوقة في بنية الدولة بعد سقوط النظام السابق وانهيار مؤسسة الجيش من جهة أخرى. وتُضاف إلى ذلك، الأزمات الاقتصادية المستمرة على وقع التحول في النظام الاقتصادي نحو تعميق الرأسمالية، وصرف عدد كبير من الموظفين من وظائفهم، ما راكم طبقات جديدة من البطالة والفقر في المجتمع المنهك أساساً.

على أن ما يمكن فعلياً انتظاره بعد لقاء موسكو، هو دور روسي أوسع في الملف السوري، خصوصاً في ما يتعلق بالأقليات (بما فيها الدروز)، إلى جانب الاستعانة بروسيا لمحاولة ردع إسرائيل، ما أمكن، في الجنوب السوري، عن طريق نشر قوات من الشرطة العسكرية الروسية هناك، بطلب من الشرع. ويعني ذلك، في حال تحققه، عودة القوات الروسية إلى الانتشار في مناطق جغرافية عدة في سوريا، بعدما تقوقعت في قاعدتَي «حميميم» الجوية و«طرطوس» البحرية إثر سقوط النظام.

ويُعيد هذا السيناريو، إذا ما وجد طريقة إلى التنفيذ، إعادة رسم خريطة القوة بشكل يمكن اعتباره مطابقاً لما كان عليه الحال قبل سقوط النظام (في ظل استحواذ تركيا على الشمال السوري وتقوقع الولايات المتحدة في قواعدها الموجودة في الشمال الشرقي وقاعدة التنف في أقصى جنوب البلاد). كما إنه يُعيد إلى موسكو وزنها السياسي في هذا الملف، والذي يأمل الشرع أن يسهم في إيجاد حلول وسطية تمكّنه من تحقيق تقدم ما، في ظل فشله في تحقيق أي إنجاز فعلي منذ توليه السلطة. ويُشار، في هذا السياق، إلى أنه تترتب على السلطات الانتقالية مسؤوليات عدة، أبرزها تحقيق الأمان، وتحجيم دور المقاتلين الأجانب والعمل على طردهم، وتوفير بيئة مناسبة لمحاولة الدفع بعجلة الاستثمارات، إضافة إلى التمهيد لنظام حكم يمثل جميع السوريين.

على أن أول الملفات التي يتوقع الدفع إلى حلّها في المرحلة الأولى، هو الملف الكردي (الإدارة الذاتية)، في ظل وجود أرضية يمكن اعتمادها (اتفاقية العاشر من آذار الموقعة بين الشرع وقائد «قوات سوريا الديموقراطية» مظلوم عبدي)، خصوصاً بعدما حرّكت تركيا هذا الملف عن طريق الضغط العسكري والأمني المستمر، والذي تسبّب في انفجار الأوضاع في حيَّي الأشرفية والشيخ مقصود قبل نحو عشرة أيام، وما تبع ذلك من لقاء جديد جمع الشرع بعبدي.

وكان خرج هذا الأخير في تصريحات جديدة، نشرتها وكالة «أسوشييتد برس» أعلن فيها «التوصل إلى اتفاق مبدئي حول آلية دمج قواته ضمن الجيش السوري الناشئ كتشكيلات عسكرية كبيرة وليس بشكل فردي»، الأمر الذي ردت عليه وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية عن طريق وسائل إعلام غير رسمية، بالإشارة إلى أن «الانضمام إلى الجيش العربي السوري يحتاج إلى عدد من المقومات وهو ليس مكاناً للتجارب». وتعكس هذه التصريحات استمراراً للخلاف القائم بين الطرفين، في ظل رغبة «قسد» في لعب دور حقيقي في بنية الجيش، وميل السلطات الانتقالية إلى دمج القوات الكردية بقوات أخرى تتبع لها ونشرها في مناطق محددة (الرقة ودير الزور والحسكة).

كذلك، يُنتظر من لقاء الشرع - بوتين، أن يسهم في دفع المشروع الأميركي الجديد الذي ستتمّ مناقشته في مجلس الأمن خلال جلسة مغلقة الأسبوع المقبل، والذي يتضمّن شطب عدد من مسؤولي السلطة الانتقالية من قائمة العقوبات الأممية، وعلى رأسهم الشرع نفسه المصنّف على لوائح الإرهاب، ووزير داخليته أنس خطاب، عبر وساطة روسية متوقعة مع الصين من أجل تمرير هذا القرار. ومن شأن ذلك أن يمنح الشرع، الذي يضطر في كل مرة يريد فيها الخروج من سوريا إلى الحصول على استثناء من مجلس الأمن، شرعية أكبر تخوّله توقيع اتفاقيات ذات مرجعية قانونية، في ظلّ عدم امتلاكه هذه المرجعية حتى الآن.

عامر علي -الاخبار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا