توجس عربي من سوريا التركية بعد الإيرانية
قابلت أميركا وعدد من الدول الغربيّة والعربيّة المنفتحة على الحكم الجديد في دمشق بالصمت القمّة الروسيّة السوريّة. امتنع معظمها عن التعليق على حدث مفصليّ في علاقات سوريا الخارجيّة باستثناء تركيا التي رأت فيها “نضجاً دبلوماسيّاً”. وبقدر تثمين المحلّلين في سوريا وغيرها لبراغماتيّة الرئيس أحمد الشرع، أطلقت زيارته موسكو سلسلة تساؤلات عن جدوى استعجال استعادة العلاقة مع الدولة العظمى التي ساندت بقوّة النظام المخلوع، ودعمته عسكريّاً لقمع الثورة السوريّة.
لم يحجب الاستقبال الحافل من قبل فلاديمير بوتين للرئيس الشرع والوفد المرافق له التحدّيات والمعضلات الميدانية والاقتصاديّة والسياسيّة والإقليميّة التي تواجه سوريا الجديدة.
بموازاة حديث مؤيّدي النظام الجديد عن أنّ الخطوة تتّسم بالواقعيّة السياسيّة وتتجاوز فترة من قلق موسكو من توجّهات الشرع ورفاقه، يبرز كلام عن أنّها تنسجم مع اتّجاه عربيّ لتنويع العلاقات الدوليّة وعدم حصرها بالتحالف مع أميركا وأوروبا.
أخذ الحدث طابع تصحيح العلاقات مع الدولة العظمى، بحيث باتت دمشق تخاطب موسكو من موقع الندّ للندّ، خلافاً لتبعيّة بشّار الأسد لبوتين.
صمت أوروبا وتذكير توم بارّاك
أبرز ردود الفعل على الحدث الروسيّ السوريّ جاء من دولتين لهما مصالحهما الاستراتيجيّة في بلاد الشام:
- كان لافتاً تعليق المبعوث الرئاسي الأميركي توم بارّاك على نجاح العمليّة المشتركة بين القوّات الأميركية في سوريا وقوات مكافحة الإرهاب السوريّة في القبض على أحد رموز “داعش” في منطقة الضمير بريف دمشق، أحمد عبدالله البدري. قال بارّاك: “سوريا عادت إلى صفّنا”. تجنّبت إدارة دونالد ترامب انتقاد تقارب الشرع مع بوتين قبيل القمّة بين الأخير وترامب، بعد زهاء أسبوعين، لبحث وقف حرب أوكرانيا. أراد بارّاك التأكيد، على الرغم من تقاطع موسكو وواشنطن على وحدة سوريا، أنّها أصبحت تحت جناح أميركا. أمّا أوروبا فلا تستسيغ أيّ تقارب مع موسكو جرّاء حرب أوكرانيا، وتتشدّد في مراقبة التعاطي مع الأقلّيات السوريّة، ومحاسبة التشكيلات الأصوليّة الموالية على انتهاكاتها ضدّ الأقليّات.
توجّس طهران وزيارة لاريجاني لموسكو
- مع حاجة إيران إلى موسكو في مجلس الأمن بمواجهة تجدّد العقوبات الغربيّة عليها في ظلّ انتهاء مفعول اتّفاق 2015 معها على ملفّها النوويّ، لطالما توجّست قيادة الأولى من الموقف الروسيّ حيالها. يشمل ذلك التعارض بينهما دور إيران في سوريا. تتربّص طهران بالحكم السوريّ الجديد بعد إخراجها من بلاد الشام. يخطّط البعض فيها لاستعادة ورقة التأثير في سوريا. و”الحرس الثوري” يواصل عبر مخلّفات نفوذه العودة إلى التأثير في الميدان السوريّ. وتتّهم دوائر خارجيّة “الحرس الثوري” بتهريب أسلحة إلى “الحزب” في لبنان.
- قفز أمين المجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيراني علي لاريجاني إلى موسكو بعد ساعات من مغادرة الشرع لها، والتقى بوتين. سعى إلى معرفة فحوى محادثاته مع الرئيس السوريّ، إضافة إلى بحث المرحلة الجديدة من صراع إيران مع دول الغرب في ملفّها النوويّ.
انتقادات داخليّة للزّيارة؟
في رصدها لردود الفعل الداخليّة على زيارة الشرع موسكو، رصدت أوساط سوريّة تعليقات تتعارض مع توجّهات الفريق الحاكم في شأنها. ممّا قيل على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ الشرع لم يحصل حتّى على اعتذار أخلاقيّ من القيادة الروسيّة عن مساندتها الأسد منذ 15 أيلول 2015، وقصفها الثوّار ومناطقهم. صدرت الانتقادات عن بعض بيئة “هيئة تحرير الشام” التي أعلن الشرع حلّها. وتساءل البعض من باب السخرية عمّا إذا كان الشرع “سيفاجئنا” بزيارة طهران من بعدها. ويسأل بعض المنخرطين في المشهد السوريّ: إلى أيّ محور تنتمي سوريا الجديدة: الأميركي والغربي، الروسيّ، التركيّ، أم العربي؟
يتشكّك هؤلاء في مدى فعّاليّة التأثير الروسيّ على إسرائيل قياساً إلى أميركا إذا كان تبرير الانفتاح على موسكو هو المراهنة على أن تحدّ من توغّل الدولة العبريّة العسكري والسياسي داخل سوريا. يشير هؤلاء إلى أنّ موسكو كانت تتّفق مع تل أبيب على تحييد بعض مناطق النظام السابق لأنّها لم تكن تمانع قصفها للوجود الإيرانيّ الذي انكفأ. تصرّ الدولة العبريّة على قيام المنطقة العازلة حفظاً لأمنها، من جنوب سوريا إلى جبل الشيخ، وصولاً إلى جنوب لبنان، والتسليم باحتفاظها بالجولان. وهي أمور يصعب على الحكم الجديد التسليم بها أمام الجمهور السوريّ العريض الرافض للانصياع للمطالب الإسرائيليّة. ومع ذلك ثمّة انتقادات للّقاءات السوريّة الإسرائيليّة برعاية أميركيّة.
العقوبات الباقية تشمل موسكو…
مقابل تفاهم الشرع مع بوتين على المساعدة الروسيّة في إعادة بناء الجيش السوري وتأهيل محطّات كهرباء والتنقيب عن النفط وتأهيل مصانع واستخراج الفوسفات وتطوير مرفأ طرطوس بناءً على اتّفاقات سابقة، يثير هؤلاء استمرار مفاعيل العقوبات الغربية على موسكو وسوريا، التي لم تُرفع إلّا في قطاعات محدّدة. يعاكس المتشكّكون الترويج لصورة ورديّة لنتائج الزيارة. يذكّرون بأنّ رفع عقوبات قانون “قيصر” الأميركي مشروط بمراجعة كلّ 4 أشهر لمدى انسجام دمشق مع شروط علنيّة وأخرى ضمنيّة، منها:
- تقدّم التفاوض مع إسرائيل على ترتيبات أمنيّة على الحدود.
- مواجهة “داعش” والإرهاب.
- حفظ حقوق وأمن الأقليّات.
- تحقيق العدالة الانتقاليّة واعتماد الحوكمة.
في حال عدم التطابق مع بعضها يعود رفع العقوبات عند الضرورة إلى منح استثناءات وإعفاءات لستّة أشهر لكلّ حالة بذاتها. وهذه تمرّ بمصفاة الكونغرس والبيت الأبيض.
خشية من “انتهاء شهر العسل” مع العرب؟
يخشى بعض الداخل السوريّ من “اقتراب نهاية شهر العسل” مع الدول العربية جرّاء جملة من الأسباب:
- اللقاءات السوريّة مع مسؤولين إسرائيليّين تثير حفيظة دول عربيّة معنيّة بالمساعدة الاقتصاديّة، ومنها السعوديّة، كانت اتّفقت مع الشرع على أن تبقى دمشق خلفها في أيّ انفتاح أو حوار مع تل أبيب. ولذلك يُسجَّل استطراداً تباطؤٌ خليجيٌّ في الإقبال على الاستثمارات الموعودة.
- تتحفّظ دول عربيّة عن انزياح دمشق نحو النفوذ التركيّ كالآتي: “لا نريد لسوريا أن تتحوّل نحو تركيا مثلما تحوّل العراق نحو إيران… بحيث تتحوّل ساحة صراع تركيّ إسرائيليّ”. يستتبع ذلك تحفّظ دول عربية عن استبدال دور السلفيّين الجهاديّين بدور “الإخوان المسلمين” على النمط التركيّ في الدولة الناشئة. وفي المقابل يستمرّ استبعاد رموز شاركت في الثورة على الأسد، ومنها ضبّاط الجيش المنشقّون، وعدم ضبط الانتهاكات ضدّ العلويّين في الساحل مثلاً.
وليد شقير -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|