تلاميذ نازحون وصفوف بغرف جاهزة... كيف يتعلّم الجنوب؟

يصمد أهالي الجنوب في أرضهم، رغم التحديات الكبيرة التي تعيق عودة حياتهم الطبيعية، لا سيما أبناء قرى الحافة الأمامية، غير القادرين على العودة إلى بيوتهم رغم مرور حوالى العام على اتفاق وقف إطلاق النار.

تشكّل ميس الجبل المتاخمة للحدود، في قضاء مرجعيون، مثالاً للواقع الذي يعيشه الجنوبيون، لا سيما على مستوى تعليم أبنائهم. وكان لافتاً منذ أيام افتتاح مجمّع المدارس الموقت في هذه القرية، بديلاً لصروحها التعليمية الثلاثة المتوسطة والثانوية والمهنية المدمّرة، لاستيعاب أكثر من ٣٠٠ تلميذ. اعُتمدت أكثر من ٣٥ غرفة جاهزة كصفوف، بالاضافة الى ٣ قاعات للإدارات والهيئات التعليمية، وأكثر من ١٧ مرحاضاً وموقف سيارات وملعباً مسقوفاً وخدمات صحية ومائية وتمديدات كهربائية وسوراً خارجياً وإنارة.

تأتي هذه الخطوة من بلدية ميس الجبل ومجلس الجنوب واتحاد بلديات جبل عامل، بمواكبة من الجيش اللبناني و"اليونيفيل" وبالتنسيق مع وزارة التربية، لتلقي الضوء على الظروف الصعبة التي تواكب العام الدراسي، كما واقع المدارس والتعليم في الجنوب، الذي ما زال ساحة حرب ومسرح لعمليات عسكرية إسرائيلية يومية.

وفيما يوضح أن مجمّع ميس الجبل هو نموذج بديل لمجموعة قرى مدارسها غير صالحة للتأهيل حالياً، يتوقّف عضو لجنة التربية النيابية النائب أشرف بيضون، في حديث لموقع mtv، عند خصوصية هذه البلدة، حيث يصرّ أبناؤها على البقاء في أحيائها الخلفية بعدما تدمّرت احياؤها الامامية الحدودية، مضيفاً: "للحفاظ على ثباتهم وصمودهم، كانت المبادرة لإنشاء هذا المجمّع التربوي في المنطقة الخلفية من البلدة، حيث يقع في منطقة وسطية لأكثر من قرية مجاورة لميس الجبل ويستفيد منها الأهالي الصامدون، رغم كل شيء، عند الحافة الأمامية".

ألحقت الحرب الاسرائيلية أضراراً فادحة بالبنية التحتية التعليمية في الجنوب، وكان كشف تقرير للبنك الدولي، بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، أنّ قيمة الأضرار بين 8 تشرين الأول 2023 و20 كانون الأول 2024، تُقَدَّر بنحو 151 مليون دولار أميركي، وهي تشمل المدارس والجامعات والمعاهد التقنية.

ويشير التقرير إلى أن 25 مدرسة رسمية دُمّرت كلياً، بينما تعرّضت 120 أخرى لأضرار جزئية. هذا ودُمّرت 34 مدرسة خاصة بالكامل، وتضرّرت 173 أخرى جزئياً.

وفي هذا السياق، يكشف بيضون أن "مجلس الجنوب قام بترميم القسم الأكبر من مدارس الجنوب، وبلغت حوالى ١٨٠ مدرسة، وهو بصدد إنهاء أعمال الترميم بشكل نهائي، باستثناء تلك الموجودة في بلدات الخط الأمامي"، لافتاً إلى أن "مدارس قرى المواجهة، الممتدة من الناقورة غرباً الى كفرشوبا شرقاً، إما مدمّرة بالكامل أو جزئياً".

وأمام هذا الواقع، يتطرّق بيضون إلى تحديات كبيرة رافقت التحضير للعام الدراسي هذه السنة، تمثّلت إما بالمدارس المدمّرة أو نزوح الأهالي الى البلدات الخلفية، ما أدّى إلى بعض التأخير في انطلاق التعليم في عدد من المدارس في حين بدأ

بشكل طبيعي مع بداية العام الدراسي في غالبية مناطق الجنوب حيث انتهت أعمال الترميم.

لم تكن المهمة سهلة، وفق بيضون، ولم تكن لتنجح لولا تعاون البلديات المستضيفة بالتعاون مع مجلس الجنوب ووزارة التربية، في ظل الخوف الأمني والقلق الدائم من التطورات.
يتوزّع تلاميذ القرى الحدودية هذا العام مشتتين بعيداً عن مدارسهم الأساسية، حيث استُبدلت المدارس الرئيسية بأخرى، وعيتا الشعب مثال جديد على واقع التلاميذ والمدارس في الجنوب. ويقول بيضون: "قمنا، بالتعاون مع وزارة التربية، باستبدال المدرسة الأمّ بمدرسة بديلة عند الخط الخلفي الأول، حيث نزح غالبية سكان البلدة"، مضيفاً "في عيتا الشعب ٣ مدارس، هي المعهد المهني الرسمي والمتوسطة الرسمية والثانوية الرسمية. نُقلت المتوسطة إلى بدياس في قضاء صور، والثانوية إلى بلدة البرج الشمالي والمعهد الفني إلى قانا. وبذلك حافظنا على كينونة المدرسة الأمّ وأسرتها التعليمية والإدارية كما التلاميذ وغيّرنا نطاقها الجغرافي فقط".
مؤشر يستوقف المتابع، وهو أن نسبة التسجيل في متوسطة عيتا الشعب تخطت الـ120 تلميذاً، وهذا رقم مهم، مقارنة مع نسبة التسجيل في السنوات السابقة والتي كانت تصل إلى حوالى ١٤٠ تلميذاً.
يدلّ هذا الرقم إلى أن أهالي الحافة الأمامية لم يتركوا الجنوب، إنما استقروا بالقرب من قراهم. وهذا ما يؤكده بيضون، كاشفاً أن حوالى ١٠٠ ألف نازح جنوبي لم يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم، لكنهم بقوا في الجنوب ويعيشون في الخطين الخلفيين الأول والثاني.

ينسحب مثال ميس الجبل وعيتا الشعب على غيرها من القرى لضمان تعليم تلاميذ الجنوب، بانتظار انطلاق عملية إعادة الإعمار المجمّدة... إلى أجلٍ غير مسمّى.

نادر حجاز -mtv