الصحافة

أورتاغوس لنعيم قاسم: العاصفة تهبّ مرتين

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يواجه لبنان راهنًا ما يمكن توصيفه بعملية إعادة استنساخ المشهدية نفسها التي عاشها العام الماضي، من ناحية التصعيد الإسرائيلي المتدرج، ورفع نسق استهداف قادة "حزب الله" كمًّا ونوعًا، في موازاة تصعيد الضغوط السياسية والدبلوماسية، وما صاحبها من حركة موفدين رامت دفع "الحزب" إلى إبداء نوع من المرونة. كلّنا نذكر جولات الموفد الأميركي آموس هوكستين لإبرام تسوية تحيّد لبنان عن رادار البطش الإسرائيلي، وتحذيراته من جدية التهديدات، والتي لم تجد آذانًا صاغية لأن إيران أبت ونحرت القيادات التاريخية لحزبها.

خلال الأيام الماضية، رفعت إسرائيل نطاق عملياتها لتطول قيادات عسكرية ميدانية بارزة في "الحزب"، تعرفهم أكثر من بطانته اللصيقة، بالتزامن مع جولة الموفدة الأميركية، مورغان أورتاغوس قرب الحدود اللبنانية، برفقة وزير حرب نتنياهو، وإشرافها على تنفيذ إحدى العمليات.

الأمر الذي يحمل رسالة ضغط على صناع القرار اللبناني مغلّفة بالتحذير من قادم أسوأ، توخت من خلالها تمهيد الأرضية لزيارتها بيروت، قبل الوصول إلى ذروة الانفجار حسب التوقيت الإسرائيلي المغطّى أميركيًا بما تعدّه واشنطن قرارًا لبنانيًا بعدم حصول مواجهة سياسية مع "الحزب"، وتفضيل تطبيق "حصرية السلاح" بنمط حبّي تعاوني لا يحقق الفائدة المرجوّة، حيث تركت الدولة رئيس الحكومة نواف سلام يقاتل وحيدًا، وأظهرته كأنه يحمل ثأرًا شخصيًا إزاء "الحزب"، فيما هو يسعى بما لديه من أوراق وأدوات متاحة، على محدوديتها، إلى تثبيت مسار الدولة، وحماية البلاد، وحاضنة "الثنائي الشيعي" خصوصًا، من ضربة إسرائيلية لا يمكن التنبّؤ بمآلاتها.

ومع ذلك، هناك رسائل تصل إلى لبنان كما "الحزب"، تكتسي بما يمكن اعتباره "قبّة باط" لبعض الفاعلين الإقليميين، عربًا ومسلمين. ثمة وجهتا نظر متعارضتان إزاء هذه الرسائل وتأويل مدلولاتها: الأولى، عدم ترحيب القوى الإقليمية المؤثرة بإسقاط نظام الملالي، وتفضيلها بقاءه ضعيفًا وبحاجة إلى مساعدتها بالذات.

ويستدلّ أصحاب هذه النظرة بـ "دوزنة" خطاب الدولة الرسمي، وباختيار الرئيس سلام منبر قناة "الميادين" لإطلاق مواقف تصبّ في خانة ترطيب العلاقة بين السراي و"الحزب" ومن خلفه حاضتنه الشعبية. في موازاة وساطة يقودها أحد الفاعلين الإقليميين  لإعادة ترتيب الأمور بين دمشق وطهران، وتبادل العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات، وتسهيل وصول "بعض" السلاح إلى وكلاء إيران. وفي هذا السياق يلاحظ امتناع الأخيرة عن إطلاق مواقف سلبية تجاه دمشق منذ مدة.

فيما الثانية تدرج هذه الرسائل ضمن إطار استدراج "الحزب" نحو الفخ الإسرائيلي. وتنسجم هذه النظرة مع ما ينشر بكثافة في الإعلام الغربي، ونظيره الإسرائيلي، حول تضخيم استعادته قوته العسكرية، وذلك بغية تحضير الرأي العام الدولي لاستهدافه بطريقة ساحقة، علاوة على ترنح مؤتمر دعم الجيش وإعادة الإعمار.

يعتبر أصحاب هذه النظرة أن الرئيس نواف سلام ما يزال يتبنى الخطاب نفسه منذ دخوله السراي الحكومي ولم يبدّل تبديلًا، ويذكّرون بما قاله سابقًا بأن أبواب السراي ومنزله مفتوحة دائمًا أمام "الحزب"، وكذلك بكيفية احتوائه غضب "الثنائي" غداة تكليفه، وحرصه على عدم قطع "شعرة معاوية". وبالتالي، فإن المواقف التي أطلقها لا تعدو كونها سوى إعادة تظهير التوازن في خطابه.

الإشكالية بالنسبة للمشهدية المستنسخة تكمن في "الحزب" بشكل أساسي، فهو يدرك أهداف تسليط الأضواء على ترسانته بعدما خبِرَ تجربة السنة الماضية، لكنه يتعامل مع السيناريوين المطروحين باستراتيجية وحيدة تنتمي إلى الماضي، وتعبّر عن مدى عجزه عن التكيّف مع أي تحولات جيوسياسية، حيث يغدو كمن يصنع مشهدًا تراجيديًا مكرورًا، والأسوأ أن أداء أبطاله ركيك يفتقر إلى الإبداع والإقناع، بما يجعله ينحو باتجاه "الكليشيه"، ولا سيما مع الانحدار المذهل في خطابه والنخب المتحلّقة حوله إلى درجة تنذر بشرر مستطير.

تعامل "الحزب" خلال العام الماضي مع مطلب هوكستين بالانسحاب بضعة كيلومترات، كما مع تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، بخاصيته الأثيرة "التمييع" وانتظار نضوج حلول تحمل مكاسب أفضل، والتي يسميها "الصبر الاستراتيجي"، فكان ما كان. وتراه اليوم يمعن في قتل الوقت، مترقبًا سقوط الرئيس أحمد الشرع وعودة سوريا إلى حضن المحور، كما يروّج، بموازاة انتظاره رحيل ترامب أو انصرافه إلى قضايا أخرى. حتى أن أورتاغوس توشك على تذكير أمينه العام نعيم قاسم، ونجومه المنتشرين في عوالم الإعلام على نسق "تلفزيون الواقع" لترسيخ أسطورة الصمود والانبعاث من الرماد، بأن "العاصفة تهبّ مرتين". 

نداء الوطن - سامر زريق

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا