لا اتفاق مع صندوق النقد لا الآن ولا في القريب العاجل!
عاد الوفد اللبناني من واشطن من دون تحقيق تقدّم على أي صعيد مع صندوق النقد. وهذه نتيجة لصالح المودع الصغير والكبير معاً. صندوق النقد لم يُغيِّر موقفه منذ بدء التفاوض مع الحكومات المتعاقبة. يُريد شطب الدَين (وهمّه الأول دَين مصرف لبنان البالغ 83 مليار دولار - لأنّ شطب دَين الـ»يوروبوندز» غير ممكن) من خلال شطب ما لا يقلّ عن 90% من الودائع، ليتأهّل لبنان للاقتراض من الصندوق.
لم يأبه الصندوق بالنتائج التي قد تلحق بلبنان، إنّما وَعَد فقط الحفاظ على ودائع صغار المودعين، وكأنّ الأزمة أصابت فقط الصغار وليس الكبار. إنّ حرمان ما يفوق الـ250 ألف مودع ومؤسسة من ودائعهم كانت ضربة قاضية إضافية للإقتصاد، ناهيك عن أنّ التمييز بين صغار وكبار المودعين غير شرعي. ودائع كبار المودعين، وخصوصاً ودائع الشركات، تُعيل الملايين من المواطنين. وعلى رغم من عددهم الأقل نسبياً، إلّا أنّهم المحرّك الرئيسي للإقتصاد ومصدر هام للتوظيف.
الحكومة اللبنانية لم تُقدّم أي خطة فاعلة لحلّ الأزمة المالية والإقتصادية، ولم توضّح للفريق الفني التابع للصندوق مدى فعالية القيود القانونية التي تعوق تطبيق الإجراءات المقترحة من قِبله وانعكاساتها السلبية. الاعتقاد أنّ بعد شطب ما لا يقلّ عن 73 مليار دولار من الودائع، والتوصّل إلى اتفاق مع الصندوق، ستنهال الأموال إلى لبنان، هو مُجرد هرطقة وحلم.
كما أنّ اقتراح مصرف لبنان الذي استهدف شطب 30 مليار دولار باعتبارها ودائع ذات شوائب أو حصلت نتيجة فوائد فائضة، وشطب 32 مليار دولار إضافية مقابل إصدار سندات طويلة الأجل من دون أي قيمة سوقية، هو اقتراح إفلاسي لا يؤدّي لإنعاش الاقتصاد ولا يختلف كثيراً في المبدأ عن اقتراح صندوق النقد.
على الدولة أن تقوم بإعداد خطة إصلاح شاملة تحمي الودائع أولاً، وتكون متسقة مع المعايير المحلية بالإندماج الكامل مع مصرف لبنان. وقد تقتصر حينئذٍ العلاقة مع صندوق النقد على تقديم المعونة الفنية (على سبيل المثال، في إعادة هيكلة الضرائب وتفعيل الجباية إلخ...).
أي خطة للدولة يجب أن تشمل فوراً الإجراءات التالية:
أولاً: على مصرف لبنان أن يوفّر السيولة للمودعين من خلال إعادة الاحتياط الإلزامي النقدي لهم من العملات الأجنبية البالغة حالياً 11 مليار دولار على أساس نسبي. إنّ حجز هذا المبلغ مخالف لقانون النقد والتسليف. كما أنّ المصرف المركزي فرض احتياطياً الزامياً على ودائع المصارف التي في حوزته، وتُعتبَر احتياطياً بحدّ ذاتها (بما يعني أنّه فرض احتياطياً على الاحتياطي لديه). بالإضافة إلى ذلك، الاحتياطي الإلزامي يُطبّق على ودائع المصارف بالعملة المحلية فقط، كونها التزام على مصرف لبنان، بينما ودائع المصارف بالدولار لا تُعتبَر التزامات على مصرف لبنان، ولا يجب جباية أي نسب احتياطية عليها (المادة 76 من قانون النقد والتسليف).
بحسب قانون النقد والتسليف أيضاً، المادة 69، على المركزي أن يُبقي في موجوداته من العملات الأجنبية والذهب فقط الكمّية التي تُغطّي عملته المُصدَرة. وحُدِّدت في قانون النقد بما لا يقل عن 50% من قيمتها البالغة حالياً ما يوازي 800 مليون دولار. إذاً، مصرف لبنان يحتاج فقط لـ400 مليون دولار من الاحتياطي الأجنبي ليضمَن سلامة إصداره من العملة الوطنية.
لذا يتوفّر لمصرف لبنان احتياطي فائض بحدود الـ51 مليار دولار يتوجّب استعماله لتغطية خسائره، بحسب المادة 113 من قانون النقد والتسليف. وعلى مصرف لبنان أن يُغطّي خساراته البالغة 83 مليار دولار من احتياطه العام، أولاً، ومعظمها من الذهب البالغ 40 مليار دولار، بالإضافة إلى الاحتياطي النقدي البالغ 11 مليار دولار، وما تبقّى يُغطى من الخزينة. لذا، عليه إعادة معظم الاحتياطي لديه للمودعين على أساس نسبة 60% لكل مودع من حسابه المصرفي.
هذه الإجراءات ستعيد الثقة والسيولة، وستؤدّي إلى إنعاش الإقتصاد والقطاع المصرفي فوراً. وفي الحدّ الأقصى لا يحتاج مصرف لبنان لأكثر من 3 مليارات دولار ليُغطّي استعماله لإصدارات حقوق السحب الخاصة ولتغطية إصداره من العملة الوطنبة. ويجب أن تتوفّر من عملياته المصرفية عند استعادة نشاط القطاع المصرفي.
ما تبقّى من الودائع (3 مليارات دولار) تُصبح ودائع ادّخارية لدى المصارف، وتحصل على فوائد بعد فترة سماح. كما من الممكن استعادة هذه الأموال بعد تحويل معظم شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة تُطرَح في بورصة بيروت.
إعادة 48 مليار دولار للمودعين من مجمل الاحتياطي البالغ 51 مليار دولار سيُعيد السيولة الكافية للمصارف، وتستعيد الليرة اللبنانية قيمتها الحقيقية تدريجاً.
ثانياً: على السلطة النقدية تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية فوراً، ليُصبح سوق القطع الحرة والمُحدِّد لسعر الليرة وينتهي العمل بالأسعار المثبتة (89500 و15000 ليرة مقابل الدولار الواحد) التي ألحقت خسائر فادحة وأضراراً كبيرة بالإقتصاد.
ثالثاً: يجب إزالة كافة القيود على الودائع وتسهيل السحب، خصوصاً من خلال الوسائل الرقمية: شيكات، بطاقات ائتمان (كل مودع يجب أن يحصل على بطاقة ائتمان)، محافظ الكترونية إلخ... وإلغاء التعميمَين 158 و166. ولن تهرب الأموال للخارج.
سينخفض دَين الدولة إلى نحو 35 مليار دولار تتكوّن بأغلبيتها من الدَين الإسمي بالـ«يوروبوندز». وبما أنّ ما يزيد عن النصف من هذا الدَين قد حصلت عليه الشركات الاستثمارية العالمية بسعر مخفّض خلال الأزمة، تستطيع الدولة أن تحصل على خصومات مماثلة في مرحلة إعادة جدولة دَينها بالعملة الأجنبية. أمّا ديون الدولة بالليرة فأصبحت أقل من مليار دولار. لذا، سيُصبح دَين الدولة أقل من الناتج المحلي الإجمالي، وستتمكن حينذاك من تحقيق استمرارية خدمة الدَين. عندئذٍ، تستطيع التفاوض ثانية مع صندوق النقد إذا رغبت.
الدكتور منير راشد - الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|