الصحافة

من ينقذ كريم خياط من "الجرم المشهود"؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في لحظة يرفع فيها لبنان شعار "بناء الدولة" و"استعادة الثقة"، يجد القضاء نفسه اليوم أمام امتحان من العيار الثقيل: فضيحة تزوير واحتيال وهدر مال عام موثقة بالأدلة، تجاوزت الـ 4.7 ملايين يورو، وتورطت فيها شركة MEP المملوكة من كريم تحسين خياط علمًا أن هذه الشركة تتولى صيانة وتشغيل المحركات العكسية الجديدة في معملي الزوق والجية لإنتاج الكهرباء، وتتعاون مع شركة Everllence الألمانية التي كانت تحمل اسم MAN بصفتها صانعة محركات المعملين.

القضية التي فتحت رسميًا أمام القضاء، لا تحتمل الالتباس ولا التأخير، إذ إنها جريمة مشهودة مكتملة العناصر: مستندات مزورة، تواقيع ألمانية منتحلة، دفعات مالية مدفوعة على أساس وثائق غير صحيحة، وتعطيل معامل ومحركات كهربائية حيوية يعتمد عليها اللبنانيون.

تواقيع ألمانية "منتحلة" تكشف الفضيحة

لقد أصبح معلومًا أن الإخبار الذي تقدمت به مؤسسة كهرباء لبنان ضد شركة كريم تحسين خياط متكامل الوثائق والإثباتات. إذ يتضمن أدلة ومستندات تدين كريم خياط بالجرم المشهود بعد الاشتباه بتقديمه عبر شركته MEP مستندات مزورة باسم الشركة الصانعة الألمانية MAN ادعى فيها إنجاز أعمال صيانة المحركات العكسية، ما أدى إلى هدر المال العام وهدد مرفق الإنتاج الكهربائي بالأعطال.

ويكشف الإخبار أن شركة MEP قدمت إلى مؤسسة كهرباء لبنان كتابين: الأول في 20 حزيران، أفادت فيه الشركة أنها أنجزت أعمال الصيانة بإشراف الشركة الصانعة، وأرفقت كتابها بكتاب لشركة MAN موقع من قبل السيدين OLAF GUNIA و DAN ZANDER بتاريخ 20 حزيران من دون رقم مرجعي موجه إلى مؤسسة الكهرباء يفيد بأن الشركة الألمانية أشرفت عن بعد على الأعمال، وأن قطع الغيار المستخدمة من صنعها.

وفي 14 آب، ورد إلى مؤسسة كهرباء لبنان كتاب آخر من شركة MEP يشير إلى كتاب شركة MAN ذاته في 20 حزيران، لكنه مرفق بكتاب للشركة الألمانية مؤرخ في 3 حزيران من دون رقم مرجعي مع تغيير طفيف في بعض الكلمات لكنها أساسية، وبذات توقيعي OLAF GUNIA و DAN ZANDER ما أثار الشكوك حول صحتهما.

على الأثر، راجعت مؤسسة الكهرباء شركة MAN الألمانية. وفي 8 تشرين الأول فوجئت المؤسسة بمضمون رسالة من شركة MAN، تؤكد فيها أن ما ورد في الكتاب الذي يحمل اسم الشركة في 20 حزيران هو غير معلوم لها، وليس موقعًا من قبل OLAF GUNIA و DAN ZANDER. هذا الردّ أطاح بكل دفاع محتمل، وأثبت أن شركة MEP تبنت كتابًا مزورًا وقدمته كوثيقة رسمية لتبرير أعمال ودفعات مالية ضخمة تجاوزت 4.7 ملايين يورو.

هدر مالي… ومحركات معطّلة بقوة 18.9 "ميغاواط"

لم يقتصر الأمر على التزوير. فالإخبار كشف أيضًا أن MEP لم تقدم أي مستند يثبت مصدر قطع الغيار المستخدمة. ويتبيّن أنها استخدمت أجزاء غير أصلية ورخيصة، كما امتنعت عن تقديم تقارير فنية رغم الأعطال المتكررة.

والنتيجة: تعطّل محركين، واحد في الزوق والثاني في الجية، قوة كل منهما 18.9 "ميغاواط"، ما حرم اللبنانيين تغذية كهربائية إضافية كان يمكن أن تخفف ساعات العتمة. وتستعد الشركة مطلع العام المقبل إلى تسليم معامل تتآكلها الأعطال وسوء الصيانة ما يكبد مؤسسة كهرباء لبنان خسائر بملايين الدولارات.

إخبار ثانٍ وأدلة جديدة وهدر بعشرات ملايين الدولارات

الأخطر ما ورد في إخبار ثانٍ بحق شركة MEP وكريم خياط وهذه المرة من أهل البيت.

فالمهندس الميكانيكي خالد قشوع الذي كان يعمل في شركة MEP فجّر فضائح مخيفة، والتهم الواردة في الإخبار الذي تقدم به تتعلق بسرقة المال العام والإثراء غير المشروع والاحتيال، علمًا أن قشوع أسندت اليه مهام مسؤول التنسيق في ما يتعلق بمواضيع قطع الغيار والمشتريات.

ويكشف الإخبار أن شركة MEP عمدت إلى التقدّم إلى المناقصة الجديدة لتشغيل معملي الجيّة والزوق عبر ثلاث شركات (في الحقيقة هي شركة واحدة أو لذات المالكين بأسماء مستعارة هي: MEP ،OEG، وRene Moretti).

الأفعال الجرمية المرتكبة من الشركة والوقائع صادمة

يؤكد قشوع في إخباره أن شركة MEP عمدت إلى ارتكاب أعمال غش وتلاعب ورشاوى ممنهجة، بهدف جني أموال طائلة من شركة كهرباء لبنان بصورة غير مشروعة، ما ألحق ضررًا بالمصلحة العامة. وهناك إثباتات وتقارير ومحادثات ومكالمات مسجلة (صوت وصورة) تؤكد الوقائع التالية:

1. استعمال قطع غير أصلية في صيانة المجموعة رقم 3 في معمل الجية، ما أدى إلى كسر المجموعة وتعطلها.

2. الاستمرار باستعمال قطع غير أصلية بشكل متكرر، بهدف تحقيق إثراء غير مشروع عبر جني أموال طائلة ما يهدد بشكل مباشر سلامة المجموعات العاملة في معملي الجيّة والذوق.

3. غش في كمية ونوعية الزيت، ما تسبب في مشاكل جسيمة داخل المجموعات وأثر سلبًا على كفاءتها وعمرها التشغيلي.

فمثلا، عام 2019، أجرت شركة MEP أعمال صيانة للمجموعة رقم (3) في معمل الجية، وخلال هذه الصيانة، تم استبدال صمام العادم (Exhaust Valve) بصمام جديد، لكنه لم يكن من إنتاج الشركة الأم MAN، بل كان مستوردًا من شركة CBH (وهي شركة غير أصلية وغير معتمدة من الشركة الصانعة) .

وبعد فترة زمنية قصيرة من تشغيل المجموعة، انكسر الصمام البديل، وتسبب ذلك في أعطال جسيمة وأضرار مالية تجاوزت قيمتها 2 مليون دولار.

ولكي تتهرب الشركة من مسؤوليتها المباشرة عن هذه الكارثة الفنية والمالية، عمدت إلى إدخال شركة ثالثة فرنسية بالتنسيق مع شركة EDF، حيث تم دفع رشوة مالية لهذه الجهة لتصدر تقريرًا تقنيًا يحمل مسؤولية العطل على "الفيول المغشوش" بدلًا من القطعة غير الأصلية، ما أدى إلى تحميل كلفة الإصلاح لشركة التأمين Capital Insurance وشركة كهرباء لبنان (أي المال العام).

ويكشف قشوع في إخباره أنه في تلك الفترة كان يتولى مسؤولية في الصيانة في المعمل، وقد قام شخصيًا بالمشاركة في تغيير الصمام.

واثباتًا لهذه الوقائع، أقرّ المدير الفني السابق للشركة السيد Sreedharan بهذا الأمر، وذلك مثبت بمحادثة مسجّلة صوتًا وصورة تؤكد واقعة استبدال القطعة الأصلية بقطعة غير أصلية.

والفضيحة الكبرى أن فرق السعر بين الصمّامين الأصلي وغير الأصلي كبير جدًا، مما حقق لشركة MEP أرباحًا طائلة بعشرات ملايين الدولارات.

غش في كمية ونوعية الزيت

هذا الأمر تسبب بمشاكل جسيمة داخل المجموعات وأثر سلبًا على كفاءتها وعمرها التشغيلي.

عند اعتماد معدل الاستهلاك الرسمي المحدد من الشركة الصانعة MAN وهو 0.6 g/KWh، كان يجب أن يتم صرف أكثر من 5,000,000 ليتر (خمسة ملايين ليتر) من الزيت خلال كامل فترة العقد. لكن تبيّن بوضوح أن شركة MEP لم تعتمد معدل استهلاك الزيت الموصى به من الشركة المصنعة MAN، بل عمدت إلى تشغيل المجموعات على معدل منخفض بشكل مصطنع يتراوح بين: 0.30 – 0.35 g/KWh فقط أي 130 - 140 ليترًا يوميًا للمجموعة .

هذا الإجراء أدّى إلى:

1. توفير غير شرعي يقارب نصف الكمية الفعلية من الزيت المطلوبة.

2. مخالفة مباشرة لتوصيات MAN بما يعرّض المحركات لتراجع عمرها التشغيلي وارتفاع الأعطال.

3. تحقيق أرباح إضافية على حساب المال العام من خلال تخفيض المصاريف التشغيلية بشكل مصطنع.

وهكذا، فإن MEP لم تنفق فعليًا أكثر من 7 ملايين دولار، بينما خصصت شركة كهرباء لبنان ما يقارب 22 مليون دولار لبند الزيت والتشحيم.

أي أن الشركة وفرت على نفسها ما يزيد عن 12 مليون دولار كأرباح إضافية غير شرعية فوق الأرباح الأساسية التي كانت تجنيها.

وقد أنتج الغش في كمية ونوعية الزيت التالي:

كسر عمود الكرنك (Crank Shaft) في المجموعة رقم (9) في معمل الزوق، وتُقدَّر كلفة إصلاحه بحوالى 2 مليون دولار.

كسر الشاحن التوربيني (Turbo Charger) في المجموعة رقم (3) في المعمل نفسه، وتقدر كلفته بحوالى 1 مليون دولار.

هل ينجح الضغط السياسي… أم ينتصر القضاء؟

إخبار مؤسسة كهرباء لبنان في عهدة المباحث الجنائية التي استمعت إلى كريم خياط وتركته رهن التحقيق، والإخبار الثاني في عهدة النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار ومن دون أي إجراء للنظر فيه ومتابعته رغم خطورة مضمونه.

لكن الأخطر هو ما بدأ يحكى في السر والعلن عن تدخلات سياسية مباشرة لإنقاذ كريم خياط ومنع تفجير فضيحة تعد من الأكبر في قطاع الكهرباء منذ عقود.

القضية لم تعد مجرد جريمة تزوير واحتيال على المال العام. إنها امتحان مباشر لمفهوم "بناء الدولة" الذي تكرره السلطة يوميًا.

فإما أن يثبت القضاء استقلاليته وقدرته على مواجهة التدخلات، وإما أن يتكرس مرة جديدة منطق الفساد و "الدولة الموازية" .

فهل يكرس القضاء مسار بناء الدولة عبر محاسبة الفساد في أوضح صوره، أم يرضخ لمنطق الحماية السياسية والابتزاز الإعلامي؟

نخلة عضيمي - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا